أدب الخيال العلمي .. الخيال عندما يتحول بالموهبة إلى علم
متى كانت أول خطوة للإنسان على سطح القمر؟
هل هي تلك الخطوة التي قام بها نيل أرمسترونغ Neil Armstrong عام 1969م؟!
قبل أن نجيب على هذا السؤال دعونا نرى متى وضعت تلك الفكرة في عقل الإنسان.
في ليلة عاصفة جلس “يوهانس كابلر“ في فراشه، متدثرًا بالأغطية الكثيفة؛ فالبرد قارس لا يحتمل التهاون معه، تناول “كابلر“ كتابًا ليقرأه فلربما يساعده هذا على النوم؛ فالجو عاصف، والرياح تعوي؛ فلا يوجد الآن ما هو أفضل من كتاب يشحذ الخيال ويؤنس الفكر.
“ حسنًا ماذا عن Libuše تلك الساحرة الذكية وأسطورتها المسلية!
فليكن هذا الكتاب رفيقي تلك الليلة..“
وفي أثناء تصفحه للكتاب غرق “كابلر“في النوم.
نوم تتخلله أفكاره العلمية، والبرد القارس، وسحر libusa وليكن هذا المزيج الذائب في عالم الأحلام هو نواة أول قصة خيال علمي عرفها العالم والبداية الحقيقية لحلم الوصول إلى سطح القمر.
“صومنيوم Somnium” أو الحلم
لم يتعامل “كابلر“ مع حلمه كقصة قدر ما تعامل معها كأنها أطروحة علمية، حيث إنه كتبها وسجلها باللغة اللاتينية. ولم تنشر إلا بعد وفاته على يد ولده “لوديفنغ كابلر“ عام 1634م تحت اسم صومنيوم أو الحلم.
“يوهانس كابلر Johannes Kepler” العالم الفيزيائي وعالم الرياضيات والفلك الألماني دائمًا ما تطلع إلى السماء وشغفته، وكان أول من وضع قوانين لحركة الكواكب.
يدور حلم “كابلر“ حول فتى يدعى “ديوراكوتوس Duracotus” في الرابعة عشر من عمره. يعيش مع والدته الساحرة في أيسلندا ويبيعان أكياس الأعشاب والقماش.
يتعلم “ديوراكوتوس“ علم الفلك بعد كثير من الأحداث، وينتقل بوسيلة سحرية إلى القمر الذي يدعى في الرواية “ليفانيا“.
تُسرد في أثناء الرواية كثير من أفكار“كابلر“ ونظرياته العلمية حول اختلاف الضغط ودرجة الحرارة وحركة الكواكب حول الشمس وحركة القمر حول الأرض والظواهر العلمية على سطح القمر ورؤية الأرض من القمر وغيرها..
اعتبر كل من “كارل ادوارد ساغان“ و“إسحق عظيموف“ ومن هم في مجالات العلوم والرواية العلمية أن رواية “صومنيوم“ هي أول رواية خيال علمي بلا منازع، وهي أول لبنة توضع في جسريمتد بين الكتابة الأدبية والعلوم.
أدب الخيال العلمي
تعددت تعريفات هذا النوع من أنواع الأدب، يعرف دكتور “أحمد خالد توفيق“ أدب الخيال العلمي بعدة تعريفات:
– الخيال العلمي هو خيال ممزوج بالحقائق العلمية والرؤية التنبؤية، وبالذات هو ما يكتبه جول فيرن وهـ. ج. ويلز.
– تخمين واقعي عن الأحداث المستقبلية المحتملة، تم تأسيسه على معرفة كافية بالعالم الخارجي والماضي والمستقبل، وفهم الطريقة العلمية.
– الخيال العلمي هو مصالحة بين الأدب والعلم اللذين حسبهما الكثيرون متعارضين، يقوم أحدهما على الخيال، ويقوم الآخر على التجربة والاستقراء.
“في الخيال العلمي يخلق المؤلف عالمًا خياليًّا أو كونًا ذا طبيعة جديدة بالاستعانة بتقنيات أدبية متضمنة فرضيات أو استخدام لنظريات علمية فيزيائية أو بيولوجية أو تقنية أو حتى فلسفية، ومن الممكن أن يتخيل المؤلف نتائج هذه الظواهر أو النظريات محاولًا اكتشاف ما ستؤول إليه الحياة ومتطرقا لمواضيع فلسفية أحيانًا. وقد تتناول موضوع القيم في عالم جديد مختلف، ولكن ما يميز أدب الخيال العلمي أنه يحاول أن يبقى متسقًا مع النظريات العلمية والقوانين الطبيعية.“
أما “إسحق عظيموف“ وهو من الأربعة الرواد في أدب الخيال العلمي؛ فقد عرفه بأنه:
“الفرع من الأدب الذي يتعامل مع رد فعل البشر للتغيرات في العلوم والتكنولوجيا“
وقد كتب “ليستر ديل ري“ وهو كاتب ومؤلف أمريكي لكتب الخيال العلمي:
“حتى الهواة أو المعجبين المتفرغين يواجهون صعوبة في محاولة شرح ما هو الخيال العلمي“، وأن السبب في عدم وجود “تعريف مرضٍ تمامًا“ هو أنه “لا توجد حدود سهلة التحديد“
الخيال العلمي داخل قاعات الدرس
يذكر الكاتب المصري “رجب سعد السيد“ أن للخيال العلمي تأثيره السحري في قاعات الدرس، وقد لاحظ أحد أساتذة الفيزياء أن جفاف المادة العلمية لا يجعل تلاميذه يقبلون على الدرس، فأعدَّ سلسلة من الدروس، أسماها: (الفيزياء وأدب الخيال العلمي)، اعتمد فيها على استخلاص أسس ومبادئ الفيزياء القديمة والحديثة، من خلال مطالعة 50 رواية من روايات الخيال العلمي، وتقديمها للتلاميذ، ونجح الخيال العلمي في إزالة جفاف المادة التي ينفر منها التلاميذ، في كل مكان!
وفي خلال ندوة “أدب الخيال العلمي بين الواقع والمأمول“ التي أقيمت في قاعة ملتقى الأدب ضمن فعاليات البرنامج الثقافي لمهرجان الشارقة القرائي في دورته الثامنة بمركز اكسبو للمعارض في إمارة الشارقة للفترة بين 20-30 من أبريل 2016، وشارك فيها كل من: “نورة النومان“ من الإمارات، و“رؤوف وصفى“ من مصر، والدكتور “أشرف فقيه“ من المملكة العربية السعودية، أكد الدكتور “أشرف فقيه“، أن هناك فرقًا بين أدب الطفل والخرافة، قائلاً:
ليس كل ما يتحدث عن المستقبل من الأدب الموجه للطفل يستحق تسميته أدب الخيال العلمي؛ فلهذا الأدب العديد من الركائز أهمها أنه يقوم على أمور علمية حقيقية، يمكنها أن تفتح الباب أمام تصورات علمية أخرى، وهذا مختلف عن الخرافة التى تتحدث عن مخلوقات غريبة، أو تجنح بخيال الطفل نحو مديات مفتوحة لا يمكن معها الوصول إلى شيء، ولكى ننجح في أدب الخيال العلمي نحتاج إلى منظومة كاملة تبدأ من الفكرة، ولا تتوقف عند حدود التطبيق حتى تولد أفكارًا أخرى“.
وأشار“رؤوف وصفى“ إلى أهمية النهوض ببعض العوامل التي تدعم قوة أدب الخيال العلمي للطفل، وتزيد من مساحة تأثيره التي تنطلق من أهمية هذا الأدب في تبسيط العلوم، ووضعه الطفل في مجتمع مستقبلي حتى لا يصاب بصدمة المستقبل والخوف منه، والانطلاق في ذلك من تطوير البيئة العربية من خلال تصورها كمنتج خيال علمي لكونها حافلة بالعديد من الأسس الداعمة لذلك. لافتًا إلى قصة البساط السحرى الذي ألهم العلماء؛ فتحول إلى حقيقة ماثلة من خلال المركبات الفضائية، والطائرات ذات السرعات الفائقة.
وقالت الكاتبة الإماراتية “نورة النومان“ إن قراءة بسيطة في سيرة العلماء والمخترعين الأوروبيين تكشف أنهم كانوا في مرحلة الصغر شغوفين بأدب الخيال العلمي، وهو الذى صاغ توجهاتهم وأظهر إبداعاتهم نحو العلن، وأننا إذا أردنا أن نتعاطى مع هذا الأدب بصورة سليمة، فإننا سنضمن توجهنا نحو مستقبلنا بخطى ثابتة، ومن جميع النواحي، فهو بوابة مهمة لأطفالنا في محبة العلم والبراعة فيه، لا سيما إذا اقترن بدعم أكبر للأبحاث في ضوء تخصيص منح مالية كافية لتحقيق هذا الغرض المهم“.
المصادر:
Somnium (novel)
Science fiction
د. أحمد خالد توفيق، خيال علمي عربي، هل هو خيال علمي؟، مجلة العربي العدد624، نوفمبر 2010م
مثقفون يطالبون بإدخال أدب الخيال العلمي بالمناهج الدراسية للطفل