خواطر باحثة علمية

أريد أن أصبح عالمًا…

يوميًّا أتلَقَّى أسئلة كثيرةً من طلابٍ شَغُوفِينَ بالبحث العلمي، ويحلُمون بأن يُصبِحُوا علماء في المستقبل، بعضهم تتوافر فيه كلُّ مواصفات الباحث، وقد ذكرتُها في مقال سابق، وبعضهم الآخر يُريد أن يُصبح نسخةً دون السعي أو التفكير بالهدف، وفي هذا المقال يسعدني أن أضع أسئلةً مقترحةً مع إجابات قد تُرَاوِدُ أيَّ طالب من الطلاب، وبالتالي سيكون هذا المقال مرجعًا للجميع.

١ – كيف أدرس ماجستير تخصص علم الجينات؟

عزيزي صاحبَ السؤال لدراسة تخصصٍ يتعلق بالجينات يجب أن تكون القاعدةُ العلميَّةُ لهذا التخصص قويةً؛ فلا بُدَّ أن تكون دَرَسْتَ في مرحلةِ البكالوريس -مهما كان تخصصك- مساقات عن الأحياء الجزيئية وكذلك أن يكون لديك خبرة عملية جيدة، فإذا كانت تنطبق عليك هذه المواصفات فبإمكانك البحث في جوجل عن برامج الماجستير في الجامعات الألمانية في تخصص الأحياء الجزيئية، وتختار التخصص الذي تريد، بعضُها يضعُ فروعًا عدة، مثل: الأحياء التطورية، وعلم الأعصاب الجزيئي، وعلم النبات الجزيئي، وعلم الخلية، وعلم السرطان الجزيئي.

عندما تجد التخصص اتْبَعِ التعليمات الموجودة في شروط التقديم، وعادةً يتطلبُ منك شهادةً في اللغة إنجليزية، تكونُ حديثةً مع الشهادات، وسيرةً ذاتية ورسالة تحفيزية، حاول أن تجتهد في تعبئة الطلب، وأن تراجعه عدةَ مرَّات قبل أن تبعثه للجامعة التي اخترتها.

٢- قَدَّمْتُ طَلَبَ الماجستير لجامعة هايدلبرغ ولمركز السرطان الألماني ولكن رُفِضَ طَلَبِي، لماذا؟ 

لا بد أن نضع في الحُسْبان أن جامعة هايدلبرغ هي الأولى في ألمانيا؛ فالتنافس عليها عالٍ جدًّا ، أذكر في عام ٢٠٠٨ وصل ٦٥٠ طلبَ ماجستيرٍ إلى هيئةِ القبول والتسجيل وبعد عمليات التصفية والغربلة اختاروا ١٠٠ فقط، علمًا بأن ٥٠ طالبًا وطالبةً هم حَمَلَة بكالوريس الأحياء الجزيئية من جامعة هايدلبرغ، ولهم الأولوية في القبول، ولذلك الـ٥٠ الآخرون هم من جنسيات مختلفة، تَبَعًا للمواصفات التي يحتاجونها.

حاليًّا يصل فوق ٣٠٠٠ طلبٍ حَسَبَ آخِر إحصائية تم نشرها في إحدى الصحف، ولهذا لاحظوا كَمَّ التنافُسِ العالَمي لِدخول هذا البرنامج، لذلك أنا أنصح دائمًا إذا أردتَ دراسةَ الماجستير في ألمانيا أن تُقَدِّم لكل البرامج المتاحة في كل الجامعات الألمانية، لأن مستوى الدراسة فيها متقارب، ومعترف به، ويكون من السهل الحصول على مقعدِ دكتوراه لمن أراد أن يكمل الدراسة بعد ذلك. وثَمَّ نصيحةٌ أخرى إن كان متاحًا أن تُكْمِلَ الماجستير في بلدك، ومن ثم حاوِلِ الحصولَ على منحةٍ للدكتوراه.

يمكنك الاطلاع على

الدراسة في هايدلبرغ

٣- كيف أحصل على مقعد دكتوراه في بحوث السرطان؟ 

ربما هذا من أصعب الأسئلة التي مرت علي، الموضوع فَضْفَاضٌ جدًّا، ولِأَن بحوثَ السرطان متشعبةٌ جدًّا وكل بروفيسور أو عالِم له خَطُّه الخاصُّ في البحث؛ فمن الطبيعي أن تجد عشر مجموعات بحثية في المعهد نفسه وهم متخصصون في اللوكيميا لكن كل مشاريعهم مختلفة ومتخصصة في جزئيات أخرى، وعلى هذا يجب أن تقرأ كثيرًا وتحددَ بالضبط في أيِّ الأبحاث ترغب؛ لذلك لا بد أن يكون بحثك عن المجموعات البحثية متخصصًا.

من المهم أيضًا البحث في محركات البحث عن الشواغر لمقاعد الدكتوراه المطروحة في عدة مواقع مثل indeed، ٬Linkedin ، research gate ، Science ، Nature والكثير من المواقع، وهي مواقع لا حصر لها، وكذلك بإمكانك البحث عن شواغر دكتوراه في صفحات الجامعات الرسمية والمعاهد وبالتالي يحتاج الأمر للكثير من الجهد والصبر والاجتهاد.

ولا بُدَّ أيضًا أن تلاحق فرصتك في برامج الدكتوراه الدولية PhD program  حيث العديد من الجامعات الألمانية تفتح الباب للالتحاق في هذه البرامج وتقوم بعمليات اختيار دقيقة ومن يقع عليهم الاختيار يموِّلُهم البرنامج نفسه.

 ٤- لماذا رُفِضَ طلبي للدكتوراه في برنامج الدكتوراه التابع لمركز السرطان الألماني أو جامعة هايدلبرغ؟ 

هنا الأسباب كثيرة، أولها: 

  • التنافس العالي جدًّا على مركز السرطان الألماني فهم يختارون الصفوة؛ حيث يصلهم قرابةُ ألفِ طلبِ دكتوراه من كافة أنحاء العالم، ويقومون بالتصفية حتى يحصلوا على أفضل ١٥٠ طلبًا، وبعدها تتم دعوتهم للمقابلة التي تكون شروطها صعبة، وذلك بعمل محاضرة مدتها لا تزيد عن ٧ دقائق، ومن ثم تتم مناقشة عدة أمور، ثم تتم تصفية الـ ١٥٠ ل ٣٠ تقريبًا وأحيانًا أقل، حَسَب المنافسة في العَرْض.
  • الماجستير الشامل: وهو برنامج يُدْرَس في الدول العربية من خلال دراسة مواد عدة وبدون رسالة ماجستير، وهو غير معترف به في ألمانيا وربما في أوروبا كلها، ويتم استبعاد الطلب فورًا.
  • المعدل التراكمي للماجستير والبكالوريس سيء.
  • عدم توافر الخلفية العلمية المناسبة لمركز السرطان الألماني أو لجامعة هايدلبرغ، أي عدم توافر المواد الخاصة بالأحياء الجزيئية بالنسبة للتخصصات المتعلقة بالأحياء أو الصيدلة ولا يشترط على المتقدم أن يكون تخصصه طب مع الخبرة العملية المخبرية، لذلك أنا أنصح الطلاب دائمًا أن يحاولوا قدر الإمكان التعلم أو التدرب لدى مختبرات تستخدم هندسة الجينات أو التقنيات الأساسية في الأحياء الجزيئية مثل Cloning – PCR – Cell Culture – Staining – Microscopy، المادة النظرية وحدها لا تكفي.
  • الجامعة التي تخرجتَ فيها في مرحلة البكالوريس أو الماجستير غير معترف بها في ألمانيا، لذلك لا بد من فحص ذلك من خلال موقع :   http://anabin.kmk.org/anabin.html
  • السيرة الذاتية ورسالة التحفيز مليئة بالأخطاء اللغوية والإملائية.

يمكنك الاطلاع على

ست سنوات من الانتظار

٥-  قمتُ بمراسلة بروفيسور معين أرغب أن أعمل لديه بحثَ الدكتوراه ولم يرد، لماذا؟ 

إجابة هذا السؤال يدور على عدة احتمالات، لا بُدَّ أن تَضعها في عين الاعتبار: 

  • لا بُدَّ أن تعرف -عزيزي الطالب- أن البروفيسور إنسانٌ يقيس ثوانيه بميزان من ذهب، وبناء على ذلك يأخذ بعضُهم وقتًا طويلًا للإجابة عن بريدك الإلكتروني؛ لأن لديه مئات الرسائل فيما يخص عملَه وأمورًا إداريةً أخرى.
  • لا بُدَّ أن يكون عنوان بريدك الإلكتروني واضحًا، ويكون إيميلك عبارة عن اسم، وليس اسمًا مستعارًا.
  • لا بُدَّ أن تكون رسالتُكَ التحفيزية هدفُها واضحًا حيثُ تَظْهَرُ فيها رغبتُك الحقيقة بالالتحاق بمجموعة البروفيسور البحثية، وتظهر فيها خبرتك العلمية التي تناسب الخبرات العلمية المهمة في مشاريع البروفيسور البحثية، مثلًا: إنْ كانتْ خبراتُك كلُّها تتعلق بالنباتات والزراعة؛ فلن تناسب بروفيسور يعمل على الخلايا الجذعية!
  • السيرة الذاتية سيئة الترتيب ومفتقرة إلى التوضيح، وهنا لا بُدَّ من قراءة مقالات عالَمِية تهتم بكيفية كتابة السيرة الذاتية وتنقيحها، ولا بُدَّ أن تكون مترافقة بصورة شخصية واضحة.
  • الإلحاح المزعج في كتابة الرسائل والسؤال لماذا لم ترد!
  • لا توجد ميزانية أو لا يوجد شاغر.

٦- هل ممكن أن تكوني لي واسطة للحصول على مقعد دكتوراه واطلبي أيَّ مبلغ تريدين؟ 

عزيزي الطالب في ألمانيا لا يُطَبَّق مفهوم الواسطة، والباحث الحقيقي يسعى بجهده وتعبه في تحقيق الهدف، ويجب ألا ينظر إلى الآخرين بوصفهم جسورًا للوصول إلى أهدافه، في حال التنقلات الداخلية ضمن مجموعات الأبحاث قد يوصي بروفيسور بطالب نجيب لزميله لديه شاغر دكتوراه، ويكون بذلك أوصى به وليس توسط! من أجل تسهيل حصوله على مقعد دكتوراه.

كذلك الحال بالنسبة للنقود، لا يمكن أن تعرض على أحد مبلغًا للحصول على مقعد دكتوراه، لأن ذلك أولًا: يسمي رِشوةً، وثانيًا: ليس من صلاحياتي القبول، أنا مجرد باحثة فقط، ولا يمكن السعي بالمال من أجل تحقيق مصلحة. وقد أعذر بعضهم لأنه قد تعود من مكاتب خاصةٍ بتأمين قبولات لمرحلة البكالوريس، وتأخذ عمولتها مقابل ذلك، ولكن لا ينطبق الحال بأي شكل من الأشكال مع الدكتوراه؛ فالذي يرغب أن يصبح باحثًا حقيقيًّا لا بد أن يسعى ويجتهد لتحقيق حلمه.

٧- أرغب في كتابة بحث يتعلق بعلاج سرطان الرئة بالأجسام المضادة، لكن أي المجموعات البحثية تنصحيني؟ 

هذا من الأسئلة الذكية التي وردتني، ويعرف صاحبها بالضبط ماذا يريد، وأين يضع خبرته ومعلوماته، وعلى ذلك هو يريد أن يمسك طرف الخيط فقط؛ لينطلق، والكثير من الطلاب قد يكونون في حالته نفسها.

هنا يجب عليك أولًا أن تبحث عن اسم البحث في ألمانيا من خلال محركات البحث، وسيظهر لك الكثير من النتائج التي ستكون قادرًا على غربلتها، بعدها ستكتب ملاحظتك جانبًا عن البروفيسور ومجموعته البحثية وستجد أيضًا بحوثًا منشورةً  للمجموعة عينِها، وإذا تتبعت الورقة البحثية سترى أن هناك معاهدَ أخرى كانتْ مساهمةً، قد تكون في ألمانيا أو خارجها، وسيكون من الجميل أن تبحث عنها، وتتعرف إليها، وكيف ساهموا في البحث، الموضوع لن يكون خلال دقائق، قد تحتاج منك عملية البحث إلى أيام وبعدها ستبدأ بمراسلة البروفيسورية أو مديري المجموعات البحثية كلٌّ على حِدَةٍ، وبرسالةٍ تحفيزية خاصة لكل بروفيسور، وفقًا لاهتماماتهم البحثية، ولماذا أنت مهتم بالعمل معهم، وماذا ستضيف لهم.

لا تراسل بروفيسورًا واحدًا، وتنتظر طويلًا، بل راسل عشرين على الأقل، وانتظر، وقد يرد عليك واحدٌ أو اثنان أحيانًا تَبَعًا لميزانية المجموعة البحثية وتَوَفُّرِ المكانِ الشاغر.

وحقيقةً خلال عملية البحث عن المجموعات البحثية ستتعرف إلى طبيعة الأبحاث، وكمِّ الأبحاث المنشورة، وطبيعة العاملين في المجموعة البحثيةِ، وهذه نقطة مهمةٌ جدًّا، سأوضحها بالسؤال التالي، وكذلك قد يكون هناك إعلانٌ عن شاغرٍ، وبالتالي ستكون فرصتُكَ أكبرَ.

٨- ما الأمور التي يجب أن آخذها بعين الاعتبار في اختيار مجموعة بحثية في ألمانيا؟ 

فيما يخص الأشخاص الذين يحاولون الحصول على قبولِ دكتوراه من دول أخرى فالاختيار أصعب مِنه لو كُنْتَ تعيش في الدولة ذاتها، ففي حالتي بإمكاني زيارة المجموعة البحثية بأي ذريعة والتحدث إلى الباحثين هناك والتواصل معهم، لكن بالنسبة لمن هو من بلد أخرى أنصح أن يتابع صفحة المجموعة البحثية؛ فأحيانًا تُنشر نشاطات اجتماعية تعكس الجانب الجميل في هذه المجموعة، ولكن الأهم هو تعدد الجنسيات في المجموعة؛ لذلك لا أنصح أن يدخل أحد مجموعة بحثية مكونة من فريق ألماني فقط، هذا لا يعني شيئًا سيئًا بالضرورة، لكن الألمان يفضلون التحدث بلغتِهِمُ الأم، وستجد نفسَكَ وحيدًا في أغلب الأوقات، وثَمَّ أَمْرٌ آخر، مثل هذه المجموعات -وهي قليلة بالوقت الحالي- لا يكون لديها خبرة في التعامل مع الجنسيات الأخرى، وبالتالي ربما أي تصرف بسيط يفهم بطريقة غير صحيحة.

الأمور العلمية الأخرى التي تهم أي باحث هي طبيعة المشاريع وقوة الأبحاث المنشورة واهتمامهم بتطوير الفرد لديهم.

يمكنك الاطلاع على

هل حياة العلماء طبيعية؟

٩- أنا طالبُ طبٍّ لديَّ المهارات المخبرية المناسبة لعمل تدريب Internship أو بحث الطب MD في بحوث السرطان، كيف لي أن أحصل على هذه الفرصة؟ 

جميع ما سبق قد يساعدك كثيرًا، لكن عليك أن تضع نصب عينيك أن طلاب الطب في ألمانيا لديهم الأولوية لعمل البحث، وعلى هذا الأساس يكون اختيار البروفيسور، وقد لاحظتُ أنهم يفضلون من يدرُس بالجامعة نفسها لسهولة التواصل معهم من أجل النتائج، وكذلك أَمْرٌ آخر عليك أن تضعه في حسابك، هو أنك ستأتي على نفقتك الخاصة إذا تمت الموافقة على طلبك ولكن إن كانت لديك منحة من جامعتك أو من أي منظمة؛ فسيكون الأمر ميسرًا ومضمونًا وأفضل.

١٠ – أنا محب ومهتمٌ بتخصص الأحياء الجزيئية والسرطان، ماذا أقرأ؟ هل من الممكن أن تعطيني أسماء كتب؟ 

على الرغم من أن الموضوع سهلٌ جدًّا، لكن سأعطي عددًا من النصائح في هذا الجانب: 

  • مَن يدرُس تخصصَ علم الأحياء الجزيئية أو علم الأحياء أو أي تخصص شبيه لا بد أن لديه مرجعًا مشهورًا جدًّا، ونلقبه بالكتاب المقدس للأحياء الجزيئية وهو كتاب Molecular Biology of the Cell وهو كتاب عملاق يتحدث في أدق التفاصيل عن هذا العلم، وهناك فصل كامل عن السرطان Cancer.
  • موقع Pubmed التابع للـ NCBI  لديه كل الأبحاث المتعلقة بالسرطان، فما عليك إلا أن تضع في خانة البحث الكلمات المفتاحية المناسبة، وستجد مئات الأبحاث وحاول أن تقرأ Review لأنها تختصر عليك الكثير، وتلخص لك أهم الأبحاث التي نشرت في موضوع معين مثل The Hallmark of Cancer.
  • لا بد أن تَطَّلِعَ بشغف على المواقع الكبرى التي تهتم ببحوث السرطان وتشارك في المنتديات وحقيقة Linkedin بيئة خصبة جدًّا؛ لذلك بإمكانك بناء علاقات من خلال نقاشات علمية وتبادل أهم المقالات العلمية.
  • حضور المؤتمرات العلمية يوفر لك معلومات خصبة وحديثة عن علم السرطان وأي علم آخر أنت مهتم به.
  • جوجل الطريق الأسهل والأسرع للبحث عن أي موضوع يهمك.

علياء كيوان

طالبة دكتوراة في الأحياء الجزيئية وناشطة اجتماعية. مقيمة في ألمانيا، أم لثلاث أطفال، أعمل في بحوث السرطان، هوايتي الكتابة والقراءة، همي هو النهوض بالمرأة العربية في المجتمعات الأوروبية ويكون لها بصمة ومكانة، أسست مجلة المرأة العربية في ألمانيا وهي أول مجلة إلكترونية ناطقة باللغة العربية في ألمانيا تهتم بشؤون المرأة والأسرة العربية بشكل عام.
زر الذهاب إلى الأعلى