قضية الشهرقضية شهر 2/ 2018 “كيف يصنع التعليم هوية الطالب؟!”

أسماء مدارسنا وهويتنا.. إلى أين؟!

انتشرت في السنين الأخيرة، في العقدين الأخيرين على وجه التحديد، جملة من المدارس والجامعات المصرية ذات الأسماء المتشابهة.

نجد تَكرارًا وانتشارًا ساحقًا لثلاث كلمات (الدولية، والعالمية، واللغات)؛ أجد نفسي أمام عدد لا يستهان به من المدارس الدولية العالمية للغات أو العالمية الدولية للغات.

وكشيء دارج ومتبع تُختصر تلك الأسماء إلى أربع أو خمس حروف باللغة الإنجليزية بالطبع، تدرجها المدرسة مرسومة بحروف كبيرة على بطاقاتها وأوراقها، فتصبح تلك الاختصارات هي الاسم الرسمي للمدرسة الذي يتداوله الناس.

لا أتذكر كم من مرة أخبرتني إحدى صديقاتي باسم المدرسة التي ألحقت بها ابنها أو ابنتها؛ تخبرني باسم المدرسة المكون من تلك الأحرف المختصرة، صديقة تلو الأخرى تخبرني بتلك الاختصارات واسم تلو الآخر.. لأجد نفسي في نهاية الأمر لا أستطيع تذكر كل تلك الرموز وتتداخل الأسماء داخل عقلي.

تلك الرموز داخل ذاكرتي لا ترتبط بشيء ذي معنى، لا ترتبط بشيء محدد على الإطلاق، ولذلك سريعًا ما تُنسى، وتتلاشى، وإن كانت تلك حالتي فما بالك بالطالب الصغير في أول أيامه الدراسية؟!.

غير أن تلك الأسماء ومدلولها المادي طبعًا تكون مرضية لأولياء الأمور كنوع من أنواع التباهي والتفاخر “فأولادنا يذهبون إلى مدارس ذات هوية أجنبية وتحمل أسماء أجنبية”.

في طفولتي كان اسم مدرستي الابتدائية (أبو بكر الصديق) وكان الارتباط في ذاكرتي بين تلك الشخصية الإسلامية الخالدة ومواقفها العظيمة يتكرر صداه داخل جنبات عقلي بلا انتهاء، مع كل ذكر يخص المدرسة الابتدائية أو يخص دراستي، وحتى الآن ما يزال ذكر التعليم والمدارس يرتبط داخل ذاكرتي بعدد لا بأس به من أسماء الشخصيات العظيمة سواء كانت أسماء مدارس أم أسماء قاعات دراسية.

ابن رشد:

يقال: “سقطت الأندلس يوم حرقت كتب ابن رشد، وبدأت نهضة أوروبا يوم وصلتهم أفكار ابن رشد”.

من حظ ابنتي أن جاء التحاقها بمدرسة سميت على اسم العالم الإسلامي والفيلسوف الطبيب (ابن رشد)، وبالطبع كما هي حال أغلب المدارس الآن يأتي هذا الاسم المهيب متبوعًا بالوصف (لغات).

وبوصفها طالبة في صفها الأول قام معلم الصف بكتابة اسم المدرسة باللغتين العربية والإنجليزية وطلب منهم حفظه شفهيًّا وكتابةً.

وعندما كنا نقوم أنا وهي بعمل الواجبات المدرسية ومراجعة المواد الدراسية لذلك اليوم، وجدتني أسألها “هل تعلمين من هو ابن رشد؟”

وإنني لأتسائل لماذا لم يقم معلم الصف بعمل بديهي تجاه طلبته الصغار ويقوم بإعطائهم نبذة عن حياة ذلك العالم الإسلامي العظيم (ابن رشد)؟!!

ويظل تساؤلي معلقًا دون إجابة في فضاء التساؤلات اللانهائي.

أما أنا فكنتُ حريصة كل الحرص على استغلال تلك الفرصة الرائعة وإعطاء ابنتي نبذة عن حياة عالم من علماء المسلمين المهدور حقهم كثيرًا داخل المناهج التعليمية وداخل اهتماماتنا سواء عن عمد أو بغير عمد.

كان السؤال مفاجئًا لها ولم تجب عنه مباشرة، ويبدو أن الأمر بالنسبة لها كان لا يعدو كونه اسمًا مبهمًا لا يحمل دلالة محددة.

سريعًا أحضرت الحاسوب اللوحي “التابلت Tablet” وقمت بالبحث عن (ابن رشد) لتظهر لي عدة نتائج من أفلام ووثائقيات وكتب وغيرها.

وقع اختياري على فيلم كرتوني قصير عن العلماء المسلمين يتضمن سيرة مختصرة عن (ابن رشد)، وآخر وثائقي لإحدى القنوات الوثائقية الشهيرة يتحدث بشكل مفصل عن حياة هذا العالم العظيم.

في البداية شاهدنا معًا أنا وهي وأختها الصغيرة الفيلم الكرتوني. كان الأمر ممتعًا أن أتابع انتباههم وخاصة ابنتي الكبيرة، وأتابع اهتمامها بأسماء العلماء وتركيزها حتى إذ ما ذكر اسم (ابن رشد) تملكتها اللهفة والفضول لتراه كأنها ترى صديقًا، ووجدتُ في عينيها الفرحة عندما ظهر الرسم الكرتوني الذي يجسد شخصية (ابن رشد) وأخذت تشير إليه بفرح وبزهو “ها هو (ابن رشد) هذا من سميت على اسمه مدرستي”.

تابعنا الفيلم الكرتوني وعقب انتهائه، ولأنني وجدت منها اهتمامًا وإصغاء قمنا بمشاهدة الفيلم الوثائقي أيضًا.

ومع صغر سنها وصعوبة أن تستوعب كل تلك الأحداث والمصطلحات إلا أن ارتباط الاسم بمدرستها جعلها تتابع باستمتاع، وتملكتها تساؤلات على طريقة (مَن أفلاطون؟ ومن سقراط ؟ وما الفلسفة؟ وما المنطق؟ وما معنى إشكالية؟). وعلى الرغم من صعوبة شرح تلك المصطلحات وتبسيطها بشكل يناسب سنها، إن الأمر كان تحديًّا ممتعًا بالنسبة لي.

واهتمامها، واستمتاعها بالأمر كان حافزًا لي أيضًا. وكان الأمر ممتعًا ومثمرًا إلى أبعد الحدود.

تحول اسم المدرسة المبهم في داخلها، إلى كيان يحمل اسم عالم مسلم ذي مكانة عظيمة.

وهذا العالم قام بإثراء العلم والعالم أجمع بمساهماته القيمة. وعندما تذهب إلى المدرسة بعد ذلك ستحمل في داخلها مزيجًا من الفخر والقوة، وسيظل اسم المدرسة في داخلها محرابًا للعلم يرتبط بشخصية جليلة ذات قيمة ملموسة وهيبة.

لا تبخسوا الهوية حقها:

الاسم دلالة على المسمى، وعندما ننتمي إلى كيان مطموس الهوية ولو اسمًا كيف لنا أن نشعر بالانتماء؟!

نتعجب في تلك الأيام من تملص بعض الناس من هويتهم العربية والإسلامية، ولا اقتصاد في ذلك فكل ما حولنا يطفح بالتغريب، مثل: أسماء أطفالنا، وأسماء المدارس، حتى حواراتنا ممتلئة بالمصطلحات الغربية.

قد يشعر بعض الناس أن حديثي به كثير من المبالغة؛ فالاسم في نهاية الأمر ليس له نفس وقع أهمية المضمون. وهذا شيء صحيح، ولا أنكره، غير أنني أرى أن كل شيء يأتي تدريجيًّا، فإهمال شيء صغير تلو الآخر يقود إلى ضياع في النهاية.

لا أعلم من المسؤول حقًّا عن اختيار أسماء المدارس والجامعات، غير أن هذا المقال ما هو إلا دعوة للعودة مرة أخرى إلى تسمية المدارس بوجه الخصوص بأسماء تحمل ولو القليل من هويتنا، ويكون لها مدلول ما ذو هدف.

وإن لم يكن هذا ممكنًا فلنطلق هويتنا داخل المدارس بتسمية قاعات الدروس أو قاعات المحاضرات في الجامعات مثلًا، بأسماء ذات دلالة عربية وإسلامية.

تاريخنا العربي والإسلامي ممتلئ حد التخمة بالشخصيات المؤثرة والأحداث القوية والتواريخ العظيمة، فلماذا نطمس هويتنا ونلجأ إلى الرموز المبهمة؟!

لا نريد أن يأتي اليوم الذي ينسى فيه أطفالنا تاريخهم ويهجروا انتمائهم.

ونحن عندما نطلق أسماء هؤلاء العلماء والشخصيات الخالدة على منشآت العلم، فنحن نقوم بواجبنا نحوهم ونحو علمهم، هؤلاء قاموا بما فعلوه في الماضي لنستكمله نحن والأجيال من بعدنا في الحاضر والمستقبل، لا لكي ننساه ونهمله.

هي دعوة لعودة الهوية لعلها تجد صدى.

زر الذهاب إلى الأعلى