خواطر باحثة علمية

ألف باء سيمنار

ختمت خاطرتي السابقة بأنني أيقنت متى تعلم زملائي فن إلقاء المحاضرات وإدارة ندوة علمية ولكن بعد سنوات، عندما أتاني إبني في الصف الثاني بورقة عمل من معلمته يقول لي فيها إن عليه عمل سيمنار أو بلغة الأطفال أن يشرح موضوع معين لزملائه في الصف، بأي طريقة من الطرق المذكورة في الورقة كان من ضمنها والمفضل هو عمل لوحة يستعرض فيها موضوعه البحثي. 

في تلك اللحظة وأنا أتأمل ورقة العمل مع إبني إختلط وابل من الأحاسيس في نفسي، كانت بدايتها ألم عميق على فرق التعليم بين ما تلقيناه وبينهم، حسرة على نفسي وأنا أقف أمام إبني خجلة لعمل شيء له وهو إبن السبعة سنوات وأنا تعلمته حديثًا، وطبعًا شعور الفخر والسعادة بأن إبني سيكبر بعلم يتشربه كقطعة الإسفنجة التي تتشرب الماء من حولها وليس بكميات معلومات تتكدس في رأسه بلا فائدة.

الموضوع البحثي المطلوب في ورقة العمل  هو أن يقوم بعمل سيمنار ( ندوة علمية ) عن حيوان أليف (يحبه) ركزوا على كلمة يحبه لإنه تربويًا الطفل سيبدع أفضل عندما يحب الشيء ولم يلزموه بحيوان معين قد يكون الطفل يخافه أو لا توجد كيمياء تجمعه باسم الحيوان لو كان إجباريًا، كذلك أسلوب العرض على الطفل أن يختار ما بين مجسم أو لوحة عليها المعلومات بخط يده وليست طباعة أو مكتوبة بخط والديه، أما الصور التوضيحية هو حر بالاختيار وليس ملزمًا بشراء الملصقات من المكتبة فأي مجلة أو جريدة أو صورة يصورها هو للحيوان تفي بالغرض. 

الجانب المثير في الموضوع أن إبني الصغير كان متحمسًا ومعتمدًا على نفسه في تجميع المعلومات وفق تعليمات تلقاها من معلمته، فإختار أن يكون الحيوان الأليف كلب جارتنا العجوز لإنه صغير ويحبه ويلاعبه، فذهب بنفسه إليها وأستأذنها أن يكون الكلب ( ليسي) موضوع سيمناره  فوافقت السيدة وشجعته على ذلك وأخذ يسألها معلومات عن الكلب مثل فصيلته وعمره ووزنه وعن طعامه المفضل ويدون ملاحظاته بدقة على دفتره الخاص واستخدم جهازي الجوال لإلتقاط عدة صور للكلب. 

بدأ إبني بتنسيق اللوحة وكان حريصًا أن لا يكون لوالديه لمسات فيها لإن المعلمة نبهت أنها ستعرف بسهولة إذا كانت اللوحة نِتاج ورشة عائلية!

 ولكن لا بد من نصائح فنية تدعم عمله، وأخذ يخط بيده المعلومات البسيطة التي أخذها من جارتنا، ثم تذكر شيئاً ما فاته وإستأذنني بسؤال السيدة عنه، فذهب إليها وعاد بدفتر

سألته: ( ماهذا ؟ ) 

قال لي:هذا دفتر الكلب يحتوي الفحوصات الطبية والمطاعيم ومعلومات عن فصيلته ..إلخ.

 اتثارتني نباهته لهذه النقطة فسألت: من أين لك بهذه المعلومات؟

فقال : إنه قد أخبر معلمته عن عنوان سيمناره وقالت له إن دفتر الكلب الخاص هو مصدر جيد للمعلومات.

أيقنت وقتها طريقة التعليم غير المباشر في ضرورة توثيق معلوماته من خلال مصدر وليس فقط معلومات السيدة العجو، وأبهرتني طريقة التعليم التلقائية التي تضم كماً من الأهداف في عمل واحد وهي : البحث العلمي، التوثيق، العمل الجاد، المواد والأدوات، الاعتماد على النفس في العمل.

وفي النهاية كتب في صندوق صغير رأيه في هذا الكلب ولماذا يجده مميزاً عن بقية الكلاب؟ وأيضًا لماذا إختاره ولم يختر حيوان أخر . 

بعد الإنتهاء بدأ بالتدرب في إلقاء المحاضرة أمامي أنا ووالده، المدة هي من خمس إلى عشر دقائق، بدأ خجولًا مترددًا ومحاولاً أن يقول ما في جعبته بسرعة ولكن مع التمرين أخذ يتغلب على الأمور السابقة وإنجاز محاضرته في سبع دقائق، وفوق هذا كله زادت ثقته بنفسه مع كل إعادة. 

قدم إبني سيمناره وكان كلي شوق لمعرفة نتائج عمل هذا الطفل الصغير، عاد سعيداً وقال لي: إن إلقاءه كان جيد جداً وفرح زملائه بلوحته وكذلك معلمته.

سألته: هل كانت هناك ملاحظات؟ 

إبتسم وقال:  نعم تقصدين Feedback، قالوا لي إنني في النهاية تحدثت بسرعة وكنت مرتبكاً ونسيت التحدث عن أمثلة أخرى من فصيلة هذا الكلب ولكن المعلمة فرحت كثيراً بالصور التي إلتقطتها ل ( ليسي ).

 سألته وهل تضايقت من الملاحظات Feedback؟

 أجابني فأدهشني: لا على العكس لإننا تعلمنا إن النقد للعمل يعمل على تطويره وتحسينه وفي المرة القادمة سأنتبه للأخطاء التي نبهوني عليها زملائي  ومعلمتي في الصف.

لن أطيل عليكم أكثر ولكن هكذا بدأت طريقة تعليم السيمنار لأطفال منذ الصف الثاني في مدرسة إبني الألمانية ( علماً بأنها مدرسة حكومية وليست خاصة حيث مدارس الحكومة في ألمانيا تتبع نظام اللامركزية في التعليم).

قدم إبني بعدها العديد من المحاضرات كانت أخرها في صفه الرابع باستخدام الPowerpoint تكلم فيها عن صناعة الرجل الألي وتطوره.

تحياتي

علياء كيوان

طالبة دكتوراة في الأحياء الجزيئية وناشطة اجتماعية. مقيمة في ألمانيا، أم لثلاث أطفال، أعمل في بحوث السرطان، هوايتي الكتابة والقراءة، همي هو النهوض بالمرأة العربية في المجتمعات الأوروبية ويكون لها بصمة ومكانة، أسست مجلة المرأة العربية في ألمانيا وهي أول مجلة إلكترونية ناطقة باللغة العربية في ألمانيا تهتم بشؤون المرأة والأسرة العربية بشكل عام.
زر الذهاب إلى الأعلى