أيهما أنسب لتحقيق الإبداع في العمل: العمل بالشهادة أم بالموهبة؟
هل يتعلق الإبداع في العمل بالتخصص والدراسة؟ أم تراه يتعلق بالموهبة أكثر؟ ربما يكون كافيًا أن نستعرض قائمة بأسماء أكثر من 120 مخترعًا وعبقريًّا أسهموا باختراعاتهم في تغيير البشرية بعدما كان قد تم تصنيفهم تحت فئة المتأخرين ذهنيًا، والفاشلين دراسيًا وربما حتى الأغبياء لنتأكد من أن الدراسة وحدها ليست كافيةً للإبداع.
فهل تعتمد حيثيات الإبداع في العمل على الموهبة الفطرية فقط؟ وكيف تُدعم الدراسة من الإبداع؟
هذا ما سنعرضه في هذا المقال.
نماذج لعباقرة لم يحملوا يومًا شهادة جامعية
ربما يفاجئك أن تعلم أن بعض العلماء الذين غيروا العالم باختراعاتهم لم يحملوا يومًا شهادة جامعية؛ توماس أديسون صاحب الفضل في إضاءة العالم وله ما يفوق الألف براءة اختراع تم طرده من المدرسة بزعم أنه غير قابل للتعلم وتولت والدته عملية تعليمه منزليًا.
أما مايكل فاراداي مخترع الدينامو وواضع أسس علم الكهرومغناطيسية وقوانين التحليل الكهربائي فقد كان بليدًا في المدرسة وكان يعاني من مشاكل في النطق؛ فلم يتجاوب مع مُدرِّسته مما جعله يترك المدرسة.
لويس باستور الذي اكتشف الجراثيم والبسترة قد تم تصنيفه مريضًا بالذهان لفرط سرحانه وشروده، ومن يصدق أن ألبرت أينشتاين صاحب النظرية النسبية الذي أثرى العالم بالعديد من أفكاره ونظرياته وُصف بأنه بطيء الفهم والتعلم! وقد تكرر رسوبه في مادة الرياضيات 3 سنوات! وهي أحد التخصصات التي برع بها لاحقًا!
ولعل أهم الأمثلة في العصر الحديث هو بيل جيتس الذي اخترع نظام الويندوز للبرمجة دون أن يكمل دراسته الجامعية بجامعة هارفارد ويعد اليوم أغنى رجل في العالم؛ جميع هؤلاء كانت لديهم قدرات ذهنية أعلى من الفصول الدراسية العادية التي لم تتلاءم يومًا مع شغفهم وذكائهم وموهبتهم وأسلوبهم في التفكير مما جعلهم لا ينسجمون معها بل ويفشلون فيها.
ما هو الإبداع؟
قد يظن بعض الناس أن الإبداع هو مَلَكَة أو صفة خارقة يمتلكها أناس غيره ، ويبدأ في تصنيف نفسه على أنه شخص عادي مختلف عنهم ولا يحاول أن يبدع.
لكن ما هو الإبداع؟
قيل أن الإبداع هو النظر للمألوف بطريقة غير مألوفة ومن ثم يتحول هذا النظر إلى فكرة؛ فتصميم؛ فإبداع يمكن تنفيذه وتطبيقه؛ وهذا ما يفسر كيفية اكتشاف نيوتن للجاذبية الأرضية حينما كان نائمًا وسقطت على رأسه تفاحة، كل ما فعله هو أنه التقطها بيده وتأملها وفكر مليًا لمَ سقطت التفاحة نحو الأسفل ولم تتحرك يمينًا أو يسارًا أو تصعد نحو الأعلى؟
بحث نيوتن مطولًا حتى عثر على ضالته واكتشف قوانين الجاذبية الأرضية.
ما فعله نيوتن هنا هو أنه نظر إلى المألوف وهو التفاحة لكن بطريقة غير مألوفة حينما تساءل لمَ لمْ تسقط نحو الأعلى أو في أي اتجاه آخر؟
وظَّف نيوتن ذكائه وموهبته جنبًا إلى جنب مع البحث والاجتهاد والدراسة فأبدع!
هل تتعارض الدراسة مع الإبداع؟
هناك دراسة أجريت لقياس القدرة على الإبداع والابتكار على المتقدمين للالتحاق بالعمل في وكالة ناسا، وبتطبيق الاختبار نفسه على مجموعة أطفال كانت النتائج التي أدهشت العالم هو أن الأطفال قادرون على الإبداع أكثر من المهندسين أصحاب الشهادات!
فما الذي يعيق إبداع الأطفال إذن؟
بالطبع هناك عدة عوائق قد تقتل الإبداع لدى الطفل مثل: التعامل الأسري في المنزل كالصراخ، والسب، والضرب، والجو الأسري المتوتر جميعها تقتل روح الإبداع داخل الطفل وكذلك أساليب التعليم في الدراسة الأكاديمية؛ فكم من منظومة تعليمية في المدرسة قيدت حرية الطالب وقتلت فضوله ومنعته من التجريب والمناقشة والخروج عن المألوف! وكم من مدرس منع طالبًا من السؤال خارج الدرس أو من التفكير في اتجاه آخر أو من الاعتراض أو إبداء الرأي!
فكيف لطفل أن يبدع في مثل هذه الظروف؟ وهذا ما يفسر تراجع وتهاوي نسبة الإبداع عند الأطفال إلى حوالي 2% فقط في سن الخامسة عشر بعد أن كانت 98% عند الأطفال في سن الخامسة.
بعضأنواعالدراساتوالممارساتالأسريةالخاطئةتعيقالعمليةالإبداعيةعندالطفلوهذهحقيقةمسلمبها.
متى يتحقق الإبداع في العمل؟
هناك عبارة تقول إن 99% من الإبداع عبارة عن اجتهاد و 1% فقط منه موهبة، فكم من شخصٍ سقطت تفاحة على رأسه وتساءل لمَ سقطت التفاحة في هذا الاتجاه دون أن يخرج بفكرة أو بنتيجة مثل نيوتن؟
إذن ما الذي ميّز نيوتن عن الأخرين؟
لو لم يبحث نيوتن عن سبب سقوط التفاحة في هذا الاتجاه ودرس الظاهرة جيدًا واجتهد مطولًا لما وصل إلى قوانين الجاذبية الأرضية.
حينمايجتمعالبحثالدؤوبوالاجتهادمعالشغفوالموهبةنصلإلىقمةالإبداع.
وليست الدراسة الأكاديمية عائقًا للإبداع في جميع الأحوال؛ فإذا اجتمعت الدراسة والتخصص مع الشغف وحب المجال حصلنا على أعلى درجات الإبداع؛ دعونا نأخذ مثلًا توضيحيًا:
طالب حصل على معدلٍ كبير في الثانوية العامة فنصحه من حوله بالالتحاق بكلية الطب كونها أحد “كليات القمة“ بالرغم من أن شغفه وموهبته بالبرمجة.. كم ستكون نسبة إبداعه في كلية الطب؟ قد يبدع ولكن ستكون احتمالية إبداعه قليلة، وكم ستكون النسبة إذا ما درس البرمجة وسار وراء شغفه وموهبته بها؟
ألن تكون نسبة إبداعه أعلى في مجال يحبه ويستهويه؟
تعطيالميولوالشغفالدافعللاجتهادوالمثابرةمنأجلالوصولإلىمرحلةالإبداعفيالعمل.
وسبحان الله؛ فقد خلق تعددية الميول ليبدع كلٌ منا في مجال يختلف عن الآخر ومن ثم نتكامل جميعًا لخدمة بعضنا بعضًا.
وللإجابة على سؤال: أيهما أنسب لتحقيق الإبداع في العمل: العمل بالشهادة أم بالموهبة؟
نجيب بأن العمل بالشهادة وحدها قد يجعل منك موظفًا عاديًا يقوم بأعمال روتينية كحال الكثير من الموظفين مالم يتوفر لديك الشغف والموهبة تجاه مجالك، أما العمل بالموهبة فيجدر به الوصول بك إلى مرحلة الإبداع شريطة أن تحرص دومًا على تدعيم شغفك وموهبتك بالبحث والاجتهاد والعمل الدؤوب لينقلك ذلك من دائرة الهواية إلى الاحترافية وتصل إلى أعلى مراتب الإبداع في عملك.