اقتباساتالأدب

اكتب لتُنفِّس عن روحك

الكتابة هي الأداة التي من خلالها يصوغ أي إنسان مشاعره وأفكاره وآرائه وما يؤمن به لينقلها الى الآخرين، هي ليست موهبة أو عاملاً وراثياً ينتقل الى بعض الناس ويترك الآخر ولكنها مُكتسبة، يكتسبها الإنسان من واقع حياته في المجتمع الذي يعيش فيه ويأخذ في تطورها يوماً بعد آخر ليرتقي بكتاباته الى مستويات عليا من التعمّق الفكري. وهناك نوعان من الكتابة: الكتابة الإبداعية وهي التي يُفصح بها الكاتب من خلالها عن شعوره وعواطفه وأفكاره وآرائه كالشعر والرواية والمقال، والنوع الآخر هو الكتابة الوظيفية وهي التي تتم من أجل المراسلة في العمل أو الإعلانات أو الإرشادات وجميعها لا تتطلب ذاك الإبداع التي تتطلبه الكتابة الفنية بل عليك أن تتبع نمط معيّن ثابت من أجل الإنتهاء من كتابتها.

وسيأتي من بعد كتابتي لهذه المُقدّمة عن الكتابة وأنواعها شخصاً يضع أمامه حاسوبه الشخصي وقد فتح نافذة هذا المقال وبجانب هذه النافذة نوافذ أخرى لمواقع التواصل الإجتماعي والتي قد اعتاد على نقل مقتطفات من أقوال المشاهير والمفكرين أو بعض مما يكتبه أصدقائه من خواطر لا ينسب حتى في كتاباته هذه أنها لشخص آخر، ثم يقول بينه وبين نفسه “وأنا إيه اللي يخليني أكتب؟! ليه أرهق نفسي وأشغّل عقلي حبتين وأكتب رأيي عن الحادث الفُلاني أو الموقف العلّاني وفيه ناس تانية ممكن أتبع آراءهم فهم أدرى منّي بما يحدث؟!”

اكتب..فمن يكتب تظلّ روحه تطوف بين الناس من خلال كلماته بين السطور، تظلّ ذكراه خالدة بين الخلق ليوم الخلود من خلال ترِكتْه بين السطور، اكتب كلمة لتُرضي بها ضميرك وما أنت مقتنع به وما هو متّسق مع مبادئك، اكتب كلمة يرضى بك عنها ربُّ الناس ولا تكتب لتُرضي الناس، اكتب ليقولوا أن فلاناً يكتب ليُعلي صوت الحق الذي أخفت صوته كُتاباً رأوا في الدفاع عن الباطل شهرة زائفة ومال يأتي ويذهب وتقرُّب من سُلطة.

اكتب باسم الحق لتُدافع به عن المظلومين الذين دهستهم أقلام العامة بالكلمة الجارحة والتخوين الزيف، كن أنت صوتهم من خلال قلمك الحُر، اكتب كلمة حق تدافع بها عن مظلوم لتبقى ديْناً عليه طوال حياته قد يردّه لك يوماً في صورة شئ تحتاج إليه ذلك اليوم، قلمك حُر..اكتب به ما تشاء ولكن احذر أن تظلم من خلاله أحداً حتى لا توضع موضع المظلوم يوماً، ولا تسبّ من خلاله أحداً حتى لا تُصبح مكروهاً بين الشُرفاء، اكتب كل ما يجوب في خاطرك ولا تحبسه في نفسك حتى لا تصير روحك أسيرة كلمات أرادت أن تنعم على السطور ليقرأها الناس فترتاح الكلمة وترتاح روحك.

اكتب ما يُمليه عليك ضميرك فهو بفطرته يميل للحق، اجعل قلمك مستقل غير تابع لفلان ولا علان، اجعله فقط تابع لكل ما يُعلي “لا إله إلا الله” ولا تنجرف مع كتابة ما يكتبه العامّة فهم غالباً على خطأ، اكتب ما تراه أنت وما تؤمن به وحسب، اكتب..فأصوات الأقلام في كثير من الأحيان تعلو على أصوات حناجر الرجال، اكتب لتخرج من دوّامات “الكوبي بيست” التي صارت عبثية في المواقع الإلكترونية.

يصف الشاعر الصيني القديم «لو جي» الكتابة بقوله: “الكتابة متعة، لذلك يمتهنها القديسون والمفكرون، الكاتب يبتكر حياة جديدة في الفراغ، ينقر على الصمت لكي يصنع صوتا، يثبت الزمان والمكان على صفحة من حرير، ويسكب نهراً من قلب صغير الحجم. وحيث تلد الكلمات كلمات، وتثير الأفكار أفكارا أعمق، تنشر عبقا مثل زهور تصوغ عطرا، وتنشر مثل أوراق خضراء في الربيع..ريح مديدة تهب، وتدور في زوبعة من أفكار، وتنهض الغيوم من الغابة الكثيفة للكتابة”

 ومن أفضل العبارات التي قرأتها في رواية “عزازيل” للروائي يوسف زيدان عندما قال عزازيل للراهب: “اكتب يا هيبا، فمن يكتب لن يموت أبداً” وهي شبيهة بتلك التي قالها درويش “اكتب تكنْ”.

زر الذهاب إلى الأعلى