تحقيقات زدني

الأميّة في العراق: “أمّي” بين كل خمسة عراقيين

أدت الحرب والعمليات العسكرية في العراق، إلى خلق جيل غير متعلم، يعاني من خطر فقدان المستقبل بعدما فقدوا حاضرهم كونهم لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس. أسماء ذات (17 ربيعاً)، واحدة من آلاف العراقيين الذين أُجبرتهم الحرب على عدم الالتحاق بالمدرسة بسبب العوز المادي وزواجها من ابن عمها حين كانت في الرابعة عشر من عمرها، تحلم أسماء بالالتحاق بالمدرسة، على الرغم من أنها أصبحت أم لطفلين، وهي كما غيرها كثيرين؛ إناثاً وذكوراً، لم يرتادوا المدرسة لأسباب مختلفة، ووجدوا أنفسهم ضحية تلك الأسباب التي أدت لجعلهم ضمن جيش اللّذين لم يلتحقوا بالمدارس أو من تاركي الدراسة.

ليس بعيدا عن أسماء كان ياسر، الذي لم يتمكن من إكمال دراسته الابتدائية بسبب الظروف المعيشية الصعبة لأسرته، حيث قتل والده حين كان عمره سبعة أعوام، ما اضطره لترك المدرسة والبحث عن عمل، يقول ياسر لشبكة “زدني”: “بعد عام من مقتل والدي تركت دراستي، فقد كنت أكبر أشقائي الثلاثة، وأخذت أبحثت عن عمل رغم صغر سني آنذاك، ومنذ ذلك الحين وأنا أجمع علب الكولا لأبيعها”. ويتابع ياسر الذي أصبح عمره الآن 14 عاماً، وهو لا يعرف القراء ولا الكتابة: “أشعر اليوم بالأسى لأنني لا أجيد القراءة والكتابة، حيث أني أتعرض للاستغلال من قبل البعض جراء ذلك”.

إحصائيات وأرقام:

تبيّن الأرقام الصادرة من مختلف الجهات التي تُعنى بالتعليم، خطورة الوضع التعليمي في العراق، حيث أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، بأن أعداد اللّذين لم يرتادوا المدارس بلغ (3 ملايين طفل عراقي) (1)، بسبب الحرب والنزاعات. حروب غزت البلاد؛ منذ ثلاثة عقود مستمرة، خلفت جيش من الأميين ومستوى تعليمي يتدنى يوماً بعد آخر؛ في بلد كان مهد الحضارات ومخترع الكتابة قبل آلاف السنين.

وتشير بعثة الأمم المتحدة في العراق (اليونامي) في موقعها على الانترنت (2)، إلى وجود شخص واحد من بين كل خمسة عراقيين في الفئة العمرية بين 10 إلى 49 عاماً من غير الملمين بالقراءة والكتابة، وبحسب البعثة، فإن النسبة الكلية للالتحاق بمرحلة التعليم الابتدائي انخفضت من 91% في عام 1990 إلى 85% في عام 2007، وتنخفض هذه النسبة بشكل خاص بين الفتيات في المناطق الريفية حيث بلغت 70%. فيما تبلغ نسبة الأمية بين النساء العراقيات (24%) أي ضعف نسبتها تقريباً بين الرجال العراقيين (11%).

وأضافت أنّ للأمية تأثير سلبي على سكان المناطق الريفية يبلغ (25%)، وهو أشد من تأثيرها على سكان المناطق الحضرية البالغ (14%).

عزوف عن الالتحاق بالمدرسة:

عن الأسباب التي أدت إلى عزوف عدد كبير من العراقيين لترك الدراسة، وعدم الالتحاق بالمدارس، يذكر المشرف التربوي سعدون الجبوري في حديث لشبكة “زدني”، بأن “جذور المشكلة تعود إلى سنوات الحصار الاقتصادي الذي فُرض على العراق بعد حرب الخليج الأولى عام 1991 ميلادية، ومع أن التعليم مجاني في العراق، إلا أن العوائل العراقية ذيلت التعليم في قائمة أولوياتها نتيجة عدم تمكنهم استيفاء مصاريف الدراسة”.

وأضاف الجبوري، بأنه وبعد التدهور الأمني، الذي سببه الغزو الأمريكي للعراق، عام 2003، وحالات الخطف والقتل والتفجير اليومي، وهجرة العوائل وتنقلهم الدائم بحثاً عن الأمان، إضافة إلى الأحداث والعمليات العسكرية التي عصفت بالبلاد في حزيران 2014، ونزوح ما يقارب (3.2) ملايين شخص، يشكل الطلاب والتلاميذ نسبة كبيرة منهم، لم يجد أغلب العراقيين مدارس يلتحقوا بها في المناطق التي نزحوا إليها.

ويلفت الجبوري إلى أن الجانب الإقتصادي وارتفاع الأسعار أيضاً، كان له أثر بالغ في عدم إلتحاق أطفال العوائل العراقية بالمدرسة، فهناك أولويات بالنسبة للعوائل، والأهم أصبح الآن توفير لقمة العيش والحفاظ على سلامة الأبناء، الأمر الذي أدى إلى تراجع الاهتمام بالتعليم.

ويشير الجبوري إلى أنه وجود حالات كثيرة، بين الطلاب العراقيين، تركوا المدارس بسبب الأسلوب المجحف الذي يتخذه بعض المعلمين والمدرسين في التعامل معهم.

ويفيد الجبوري بأن “القرى والأرياف العراقية سجلت أعلى مستويات الأمية في ترك التعليم وخاصة الفتيات، بسبب العادات والتقاليد التي تحكمهم، ومنها الزواج المبكر، واعتماد البيئة الريفية والقروية على الزراعة التي تتطلب يد عاملة، تكون في أغلب الاحيان مصدر عيشهم الوحيد، وهذا ما جعل التعليم أمرا غير مهم بالنسبة لهم”.

تفشي الأمية في المجتمع العراق:

ترى التربوية “ناهدة الديالي”، مديرة مدرسة ابتدائية متقاعدة في تصريح خاص لشبكة زدني، بأن الواقع التعليم في العراق “يشهد انتكاسة لم تحدث منذ تأسيس الدولة العراقية”، وتقول: “بعد أنّ كنا نصدر العلم ونتصدره، ونفاخر به بين الدولة العربية، أصبحنا اليوم نتحدث عن أرقام فلكية لغيّر المتعلمين، ثلاثة ملايين وأكثر لم يتلقوا التعليم ولم يلتحقوا بالمدارس؛ ما يعادل شعوب دولة خليجية مجتمعة كالبحرين وقطر”.

وأشارت الديالي، إلى أنّ الواقع المرير لانخفاض المستوى التعليمي، وتفشي الأمية ينذر بكارثة لمستقبل العراق، حيث أنّ هؤلاء الأمييّن هم جزء أساسي من مجتمع عليه أن يتطور ويكمل المسيرة بشكل أفضل، وعدم تلقيهم التعليم أو تركهم الدراسة؛ لم يمكنهم من بناء بلد ومجتمع سوي بكل الأحوال.

وأكدت أنّ نزوح أكثر من ثلاثة ملايين شخص وهدم المدارس في بعض المناطق، كان سبباً بإضافة عبء آخر زاد نسبة تاركي الدراسة، وبينت أن ما تقوم به وزارة التربية العراقية يبعث على بوادر أمل لابد من دعمها؛ للنهوض بالواقع التعليمي في البلاد.

مدارس لاتسد الحاجة:

تتحدث وزارة التربية والتعليم العراقية، عن وجود أكثر من (7 مليون) طالب، في مختلف المراحل والتخصصات الدراسية في العراق، وتشير إلى أن متوسط ما حاجة البلاد إليه من مدارس يبلغ نحو 15 ألف مدرسة في عموم البلاد.

ويفيد المتحدث باسم وزارة التربية عمر النعيمي في حديثه لـ شبكة “زدني”، أنّ الوزارة تعمل على التخفيف من الزخم الطلابي في المدارس، الذي يعود سلباً على مسيرة التربية والتعليم، “إذ أننا إلى الآن نتكلم عن دوام ثلاثي وثنائي في بعض المدارس (فترات متعاقبة للتعليم في مدرسة واحدة)، ومدارس تحول دوامها في منازل مستأجرة بعد أنّ هدمت المدارس الأصلية على أساس إعادة بنائها من جديد، كما أنّ ليس جميع من نتحدث عنهم من الطلبة تتوفر لهم البيئة الصحية للدوام المدرسي، وهذا ما جعل الوزارة تضع الخطط الكفيلة للنهوض بالواقع التربوي في العراق”.

ويلفت النعيمي أن الصورة المتكاملة التي نطمح للوصول إليها في وزارة التربية والتعليم العراقية، تصطدم أحياناً كثيرة بالوضع الأمني المتدهور في المناطق العراقية من جهة، والميزانية المحددة للوزارة من جهة أخرى، ومع إنفلات الوضع الأمني، في عدد من المحافظات العراقية، أدى ذلك إلى حرمان الكثير من الطلاب الذين اتجهوا إلى إقليم كردستان وبعض المحافظات الأخرى بحثاً عن مكان آمن لعوائلهم، وكذلك الطلبة المهجرين خارج العراق، وبمختلف المراحل الدراسية من مواصلة تعليمهم المدرسي، ومن أداء الامتحانات الواجبة عليهم.

ويشير النعيمي إلى أنّ المشكلة في تنفيذ المشاريع التعليمية في العراق، تتعلق بالموازنة من جهة، وبالتنسيق مع المنظمات الدولية من جهة أخرى؛ لغرض إقناعها بالدخول للسوق العراقية وتنفيذ مشاريع الأبنية المدرسية ضمن المواصفات التي يتم الاتفاق عليها مع الجهة المنفذة.

ويؤكد النعيمي على أنّ الوزارة وعبر مديريات التربية بدأت بتنفيذ المشاريع الساعية لها، على سبيل المثال، أعلنت مديرية الكرخ الأولى ضمن الخطة الاستثمارية للوزارة لعام 2015، عن خطتها الخاصة لمشاريع الأبنية المدرسية والتي تضمنت (289) مشروعاً تربوياً، في العاصمة العراقية بغداد والتي سيتم تنفيذها حال تامين المبالغ المخصصة لها، وكذا الحال بالنسبة للمديريات الأخرى.

تفاؤل حكومي:

وبحسب المتحدث باسم وزارة التربية العراقية، عمر النعيمي، فأنّ “الوزارة قررت استمرارها بمكافحة الأمية والجهل في العراق حتى إنهائها، لأن الأمية تمثل أكبر مورد للتطرف والعنف اللذان يجدان في الجهل بيئة محفزة لهما”. مشيراً إلى أنّ العراق “يعاني من التأخر في هذا الملف مقارنة بالدول المتقدمة في العالم، ونحن مستمرون بالتعاون مع وزارة العمل في مشروع تدريب المتخرجين، والتنسيق مع التعليم العام لفتح مدارس أهلية لمحو الأمية”.

ويلفت النعيمي إلى أنه وبعد إقرار قانون جديد لمحو الأمية في أيلول 2011، أسّست الحكومة العراقية الوكالة الوطنية لمحو الأمية في العراق بالتعاون مع اليونسكو، وتضمّ ثلاثة آلاف موظّف. استفاد (800 ألف)، عراقي من هذا المشروع مع توقّع انضمام (500 ألف) آخرين في أكثر من (5 آلاف) مركزاً لمحو الأمية في جميع أنحاء البلاد خلال الأعوام القادمة. وفي إطار المشروع نفسه، سيتمّ تدريب (20 ألف) معلّماً وميسّراً على أفضل وأحدث أساليب تعليم الكبار. فيما افتتحت اليونسكو (135) مركزاً للتعلّم المجتمعي وسلّمتها إلى الحكومة العراقية لضمان توفير فرص التعليم النوعي للجميع.

ويتوقع النعيمي بأنّ تنخفض معدّلات الأمية بنحو 50٪ خلال خمس سنوات قادمة، وكل هذه المشاريع كانت بالتنسيق مع ووزير، وزارة التربية العراقية.

ومع تزايد أعداد النازحين والمشردين في العراق، وتركهم لمدارسهم، تستعد بعض المنظمات الدولية وبالتعاون مع المنظمات العراقية الغير حكومية، لإنشاء مراكز للتعليم وإقامة دورات لطلاب الصفوف الغير منتهية لاسيما الفتيات اللواتي يكن أكثر عرضة لترك الدراسة وعدم الذهاب إلى المدارس بسبب الظروف أو لبعد المسافة.


 مصادر

التعليم في خط النار – اليونيسيف (1)

اليونسيكو (2)

ميمونة الباسل

كاتبة وناشطة من العراق
زر الذهاب إلى الأعلى