تحقيقات زدني

الإمارات تضع “السراب” بدلًا عن منهج التاريخ!

هو فعلًا سراب، هكذا قالت الطالبة أسماء حمد، عن منهج التاريخ الجديد للصف الثاني عشر في الإمارات، مُتابِعةً أن الكتاب غابت عنه كل المفاهيم الإسلامية الوسطية، ويدعو بشكل صريح إلى العلمانية والليبرالية، ويقوم بتشويه الدين الإسلامي وكأنه من يصنع الإرهاب!

وتتابع في حديثها لـ“شبكة زدني“: “نريد أن نتعلم تاريخ الوطن الإسلامي والدول الإسلامية، وترسيخ هويتنا الإسلامية في عقولنا وقلوبنا، لكن المنهج الجديد عبارة عن كتاب سياسي يرسخ سياسة الدولة فقط، ويزرع كره الإسلام في عقول الطلاب بشكل غير مباشر“.

فكر تنويري جديد يكتسح منهج التاريخ:

وزارة التربية والتعليم الإماراتية كشفت عن ماهية المناهج المطورة للدراسات الاجتماعية والتربية الوطنية، التي طبقت على الطلاب من الصف التاسع حتى الثاني عشر، من خلال استنادها على خمسة محاور، هي: “الإمارات عبر التاريخ، والهوية الوطنية، والجغرافيا، والباني المؤسس والآباء المؤسسون، والرؤى المستقبلية“.

وقالت الوزارة في بيانها الذي أصدرته سابقًا: “يهدف التطوير إلى تعزيز المواطنة لدى الطلبة، ومحاربة الأفكار الهدامة، وخصصت الوزارة للصف العاشر كتب الاتجاهات المستقبلية للطاقة (الابتكار والأسواق والجغرافيا السياسية)، و“أم الإمارات فاطمة بنت مبارك: مبادئ وإنجازات، والتنمية المستدامة: الإطار العام والتطبيقات“، دولة الإمارات العربية المتحدة.

وللصف الحادي العشر كتب “أمن الماء والغذاء في الخليج العربي، ذكريات الإمارات، وتحصين الشباب من الأفكار الهدامة“، وللصف الثاني عشر كتب «السراب، والتكنولوجيا ومستقبل الطاقة، وسرد الذات“.

واشتملت المعايير -بحسب الوزارة- على إظهار الطالب شعورًا بالانتماء والولاء لدولته ومجتمعه، وتمسكًا بِقِيَمِهِ وأخلاقه، من خلال فَهْم العوامل والمقومات التي أسهمت في تشكيل هويته الوطنية.

وقالت الوزارة: “إن هذا القرار جاء بعد ما رأته من معاناة المدارس من تصوير للجماعات الدينية السياسية وكأنها الوجه الحقيقي للإسلام، وترويج أفكار متطرفة للطلبة باسم الدين، لذلك تم فرض كتاب “السراب“ ليفضح الوهم ويكشف الأكاذيب، ويبين أن كل ما فعلته هذه الجماعات الدينية السياسية ما هو إلا سراب.

ووجهت الوزارة رسالة في بيانها لِمُعَلِّمي المادة الجديدة، قائلة لهم: “أنتم صفوة المجتمع، والنخبة المتميزة، والمؤثِّرون في التكوين الفكري والبناء الثقافي والمعرفي للمجتمع، ولهذا كانت العناية بالقراءة التي تسعى لها الأمم، وعندما تترجم مفردات مادة الدراسات الاجتماعية والتربية الوطنية إلى واقع وممارسة، يبقى دوركم لتحقيق هذا الواقع“.

ما هو “السراب“؟

ويقول حمود نواف“- تربوي إماراتي: إن كتاب “السراب“ الذي تم وضعه بدلًا عن كتاب التاريخ، هو كتاب سياسي للكاتب الإماراتي “جمال سند السويدي“، يتهم السلفية بالإرهاب، ويرى أن الجماعات الإسلامية في المنطقة العربية؛ تسيء للوطن العربي، ويسيء للشريعة الإسلامية، داعيًا للعولمة.

ويضيف في حديثه لـ“شبكة زدني التعليمية“: “حظي كتاب “السويدي“ بترويج واسع، واحتفاء كبير في الإعلام الإماراتي، وتم فرضه على الطلاب، رغم ما قيل فيه من انتقادات لدعاة وفقهاء، مثل: “ابن حنبل“، و“ابن تيمية“، و“عبد الوهاب“.

ويتابع انتقد الكتاب السلفية التي تقوم عليها السعودية: “السلفية الوهابية“، واصفًا إياها بأنها تفتح الباب واسعًا أمام ضوابط شديدة الصرامة، حيث قسمت العالم إلى عالم كافر مشرك وعالم مسلم، وقد أدى ذلك إلى توسيع دائرة مفهوم الولاء والبراء الذي استندت عليه التيارات التكفيرية والجهادية المتشددة، منها: تنظيم القاعدة.

ويقول “نواف“: يُعرَف “جمال سند السويدي“ صاحب كتاب “السراب“، بتوجهاته التي لا تخدم الوحدة الوطنية، وقربه من جهاز أمن الدولة الإماراتي في تقييم المجتمع وتصنيفه، إضافة لمهاجمته الإسلام السياسي، واصفًا إياه بالمتطرف، كما أن الكتاب يمثل السياسة الخارجية والداخلية للإمارات، وأغفل التاريخ الإسلامي والعربي الحقيقي.

تسييس المناهج في الإمارات

وتقول سهيلة أحمد“- تربوية: “للمنهج الجديد نقطة ضعف، متمثلة في تسييس المناهج بنسبة 100%، وتغييب المعلومات التاريخية والجغرافية للمنطقة والعالم، التي يجب على كل طالب أن يدركها خلال سنوات المدرسة.“

وتضيف في حديثها لـ“شبكة زدني التعليمية“: “عندما علمنا عن تغيير منهج التاريخ وتطويره، لم يخطر ببالنا أن يكون الكتاب سياسيًا، بعيدًا عن قواعد العلم والمعرفة، فالكتاب غابت عنه كل وسائل التطوير الحقيقية في مجال التعليم، واعتمد على السياسة فقط.

وتتابع “سهيلة“: “أن مستقبل المنهج الجديد الذي وضعته الوزارة، سيكون في يد المعلم فقط، وسيشرح كل معلم المنهج بحسب وجهة نظره هو؛ لأنه منهج سياسي لا يعتمد على معلومات محددة يقوم الطالب بفهمها وحفظها.“

وتكمل حديثها: “أن الوزارة فتحت الباب أيضًا لأولياء الأمور، لترشيح كتب من مصادر مؤسسية موثوقة، تلبي معايير مادة الدراسات الاجتماعية والتربية الوطنية، لافتة إلى أن الوزارة طلبت منهم تجريب المناهج وتقويمها، لافتة إلى أن الطلاب حتى الآن غير مستوعبين لطبيعة المنهج.“

وعن طبيعة الشرح؛ تقول: لو أعدت دورة تدريبية للمعلمين؛ حتى يستطيعوا تدريس المنهج بشكل جيد، من خلال تقديم محاضرات لتوعية المعلم بأهمية المسؤولية الملقاة على عاتقه، والتدريب التخصصي المتعلق بالأساليب الحديثة لتقديم المادة، وعقد ورش عمل للتدريب على القراءة والكتابة، بما يلبي معايير المادة ويتكامل مع منهج اللغة العربية.

طمس الهوية الإسلامية

على الجانب الآخر يقول حمود عيسى“- باحث سياسي: “إن المناهج الجديدة تسعى لطمس الهوية الإسلامية من عقول النشء الصاعد، وصنع صورة ذهنية مشوهة للإسلام في عقولهم، حتى يخرج الطالب منزوع الهوية الإسلامية.“

ويؤكد “عيسى“ على أن المناهج الجديدة غاب عنها معيار الكفاءة والتطوير الحقيقي، وقواعد العلم والمعرفة، وتناست الرجوع للأكاديميين والتربويين، واعتمدت فقط على سياسيين كارهين للتوجه الإسلامي فقط، مشيرًا إلى أن الإمارات قامت باعتقال العديد من النشطاء والشخصيات المحسوبة على الإسلاميين والمعارضين لسياسة الحكومة.

انتكاسات عديدة

ويقول زايد عبدالله“- معلم إماراتي: “إن التعليم في الإمارات يواجه انتكاسات عديدة، لا تقف عند تغيير منهج التاريخ لكتاب “السراب“ لـ“جمال السويدي“، فالتعليم الإماراتي يسير بقوانين الارتجال والتجارب، وتعيين وزراء يسيؤون للتعليم أكثر مما يفيدونه، والذي شهد التعليم في عهدهم مشاكل وكوارث عديدة.“

ويضيف لـ“شبكة زدني“: “هذه الانتكاسات عديدة، منها: تأخر استلام الكتب الدراسية، ووضع خطة تطوير المواد وإلغاء الخطة بعد شهرين من إقرارها والبدء بها، مما أثار لغط الكثير من التربويين، إضافة إلى تعدد المرجعيات التعليمية في الدولة، وكل وزير يأتي؛ يريد أن يفرض مرجعيته هو فقط.“

ويتابع “زايد“ موضحًا أن من ضمن المشاكل والانتكاسات أيضًا: تعيين مدرسين أجانب من أمريكا لتدريس المناهج الإنجليزية، أو استبعاد مدرسين إماراتيين، إضافة لتغيير مناهج اللغة العربية على الطريقة الأوروبية! وفرض كتب سياسية وأيدلوجية لا علاقة لها بالعلم والمعرفة، آخرها: كتاب “السراب“ الذي بلغ 800 صفحة، وتقسيمه على المراحل الدراسية من التاسع حتى الثاني عشر.

طلاب الإمارات بلا مرجعية تاريخية

ويقول الطالب بالصف الثاني عشر “محمد العمودي“: “إن المناهج الجديدة التي تم وضعها من الصف التاسع حتى الثاني عشر، مسحت كل المعلومات التاريخية من عقولنا، حيث إنه لم يعد هناك مادة التاريخ التي اعتدنا عليها، وندرس فيها تاريخ العالم الإسلامي، مثل: الدولة الأموية، والعباسية، والعثمانية.“

ويتابع في حديثه لـ“شبكة زدني التعليمية“: “غاب أيضًا عنا منهج الجغرافيا، الذي كنا ندرس فيه جغرافية كل دولة وطبيعتها، إضافة إلى أن المادة صعبة علينا؛ لاحتوائها على معلومات جديدة علينا، عن جماعات سياسية ووجهات نظر سياسية، إضافة إلى أن لكل معلم طريقته في تدريسها بشكل مختلف عن الآخر.“

ويضيف: “من المشاكل التي تواجهنا أيضًا في هذه المادة؛ هي طريقة الامتحان، فالمادة ليست مادة بها معلومات مثل مادة التاريخ؛ بل هي مادة كلها عبارة عن حديث سياسي، وعندما يأتي سؤال في الامتحان يجيب كل طالب بطريقته، التي قد لا تعجب المدرس، فيرسب الطالب بسببها.“

ويرى العمودي، أن المدرسين يريدون أن يزرعوا في عقول الطلاب ثقافة وسياسة جديدة، وطمس التاريخ، مشيرًا أنه عندما يقوم طالب بمناقشة مدرسه، أو الاعتراض على بعض الكلام، أو الدفاع عن الإسلام؛ يُعاقَب على وجهة نظره، فهو لم يخطئ في معلومة؛ كتاريخ معركة فَيُعاقَب بنقص درجاته؛ لكنه يُعاقَب على إبداء رأيه الذي من الواجب احترامه، مما جعل الطلاب يخافون من إبداء وجهة نظرهم، ويكتبون ما يمليه عليهم المدرس فقط.

رسوب بالجملة

لسنا فئران تجارب

 هكذا قال الطالب علي محمد، ردًا على ما تم من تغيير منهج مادة التاريخ، والاستبدال به كتاب “السراب“، مؤكدًا على أن المادة خلت من التاريخ، وأصبحت مادة سياسية مجردة، صعبة جدًا على عقل الطالب.

ويضيف في حديثه لـ“شبكة زدني“: “خرجت هاشتاجات تحت عنوان مقاطعة الدراسة، ردًا على تغيير المناهج، بما يتناسب مع سياسة الدولة فقط، ولم يتم مراعاة الطالب، مما أدى لرسوب عدد كبير من الطلاب؛ بسبب صعوبة المنهج، وتدخل الحكومة في مجلس “أبو ظبي“ الوطني للتعليم.“

ويتابع “محمد الطالب“ الإماراتي: “أصدر الطلاب وأولياء الأمور بيانًا احتجاجيًا بعد صدور النتيجة برسوب 85% من الطلاب في مادة “السراب“، مبينًا أن من أهم أسباب هذه الكارثة -وفق البيان الاحتجاجي- هو: تغيير المناهج، وخاصة منهج التاريخ، وإدخال الطلاب في متاهة سياسية، إضافة لاشتماله على معلومات مسيئة للدين الإسلامي.“

ويقول: “إن طلاب الصف الثاني عشر شهدوا أعلى معدل رسوب في تاريخ الإمارات، بعد تحويله لـ“السراب“، وتسييس المناهج بما يناسب سياسة حاكمي الإمارات، وهو ما جاء بالسلب على الطلاب، إضافة إلى ذلك طمس التاريخ الإسلامي وتشويهه.“

أحمد مصري

صحفي وناشط حقوقي مصري وباحث في الشأن التركي
زر الذهاب إلى الأعلى