التعلم عن بعد ثورة تعليمية .. أم مُجرد فقَّاعة؟ – ماكدونالدية التعليم –
بالنسبة لبعض الناس فإن مواقع التعلم عن بعد Moocs هي المفتاح للحريَّة العلمية والانفتاح بينما بالنسبة لآخرين؛ فإن الأمر ليس إلا مُجرد فقَّاعة لن تستمر طويلًا.
في السنوات الأخيرة هناك حالة من الهوس بهذه المواقع التعليمية التي تختلف عن المواد التي تُقدم من قِبل بعض المساقات في الجامعة على الإنترنت.
ففي مواقع التعلم عن بعد نجد الإمكانيَّة للمشاركة في نقاشات أو وظائف بيتية أو حتى امتحانات، وغالبًا يكون كل شيء مجانًا ما عدا الامتحان.
للانضمام لهذه المساقات ليس هناك شروط مسبقة، ولا امتحانات قبول، كُل ما يحتاجه الطالب هو الوصول لشبكة الانترنت، وهذا يستقطب الكثيرين حول العالم.
بزوخ التعلم عن بعد
أحد أبرز المُبادرين في مجال التعلم عن بعد هو “سلمان خان“ الذي بدأ مشروعه بفيديوهات للمساعدة في حل الوظائف (الواجبات) البيتية في الرياضيات على اليوتيوب.
وقد لقي المشروع إقبالًا كبيرًا ليس من قِبل العائلات فقط، بل من قبل فئات واسعة جدًا؛ مما جعله يؤسس لواحد من أهم المؤسسات التعليمية وهي “خان أكاديمي“.
سيبستيان ثرون، بروفيسور في جامعة ستانفورد، يُعتبر كذلك من أوائل من قاموا بتقديم مساقات على الإنترنت.
حوالي 160 ألف طالب من 190 دولة قاموا بالاشتراك في تلك المساقات و23 ألف طالب منهم تخطَّوا الامتحان النهائي بنجاح، والمثير أكثر أن أكثر من 400 طالب حصلوا على نتيجة أفضل من أفضل طالب في جامعة ستانفورد.
بالتعاون مع زملائه أسس عام 2012 موقع Udacity وفي أول ثلاثة قام حوالي 90 ألف طالب بالمشاركة في المساقات التي تم الإعلان عنها من خلال هذه الجامعة الافتراضيَّة.
وبعد هذا المشروع تم تأسيس مشروع Coursera الذي كان يختلف عن الأول، لكونه لا ينحصر في تكنولوجيا المعلومات والعلوم الطبيعية. ففي كورسيرا هناك الكثير من المساقات من العلوم الإنسانية والاجتماعية.
في عام 2012 ظهر موقع آخر مميز هو edx حيث بدأت جامعات عالمية مرموقة مثل هارفرد وMIT بإتاحة مساقات افتراضية عمل عليها طواقمها لكافة المستخدمين.
في بلاد الاتحاد الأوروبي هناك كذلك اهتمام متزايد بهذا الموضوع وهناك مُحاولات جامعات لتأسيس ما يُسمى “Mooc- Universität “، وهناك جامعات ألمانية تقدم مساقات من خلال موقع Coursera، وهناك مواقع ألمانية بدأت تُقدم مساقات جامعية من خلال الإنترنت مثل موقع iversity.
مُعظم هذه المشاريع تؤكد أن القاسم المُشترك بينها هو:
“ التعليم هو حق طبيعي.. والتعليم الجامعي يجب أن يكون متاحًا لأكبر عدد ممكن من الناس“
اقرأ أيضًا
هل حان الوقت لاستبدال التعليم الجامعي بدورات التعلم عبر الإنترنت؟ تعرف على MOOC
ماكدونالدية التعليم .. McDonaldization!
بينما بعض الناس يرى في كُل هذه المواقع خطوة مهمة نحو دمقرطة التعليم، فإن هناك من ينتقد ما يجرى باعتباره مُحاولة لـ“مُجانسة التعليم“.
هذا ما أوضحه ياسون لان وكيفين كينزر على مدونة the chronicle of higher education بحيث إن آلاف الطلاب من كُل أنحاء العالم يدرسون المحتوى نفسه ويزورون المحاضرين أنفسهم وهذا ما يجعل هذه المساقات أو هذه المبادرات تعبيرًا عن قمَّة ما وصلت إلى “الماكدونالدية“ في التعليم الجامعي.
” ماكدونالدية التعليم ” التي سبق وتحدث عنها الباحث في علم الاجتماع جورج ريتزر في كتابه the mcdonaldization of society ماكدونلدية المجتمع عام 1995 الذي وضَّح فيه كيف تحوَّلت الكثير من نواحي حياتنا الاجتماعي تتشابه مع طُرق تحضير الوجبات السريعة في مطاعم ماكدونلز، وبالتالي فمقابل الطعام السريع ظهر التعليم السريع المُجهز بالطريقة نفسها ولديه الطعم نفسه وطريقة التحضير عينها في كل أنحاء العالم.
هذه المساقات “الافتراضية“ مكَّنت الكثير من الطلبة من الدخول إلى مساقات في جامعات عالمية عريقة، ولكن المحتوى في تلك المساقات هو مُحتوى مُجهَّز ومُعلَّب مسبقًا، وهو ما يُجسد خطرًا على التنوع في العمليَّة التعليمية.
المخاوف نفسها يتحدث عنها البروفيسور بيتير بورجرد في جامعة هارفارد الذي صرح في مقابلة مع صحيفة “زود دويتشة تسايتونغ“ الألمانية قائلًا:
“ما الجدوى من هذا التعليم، حيث يجلس مجموعة من طلاب الفلسفة يستمعون لمحاضرة من بروفيسور يحظى بنجوميَّة على الإنترنت ويبدأ هذا بعرض تأويلاته وتحليلاته حول موضوع مثل العدالة؟ هذه الطريقة تنفع كـعرض تلفزيوني، ولكن ليس كمحاضرات جامعيَّة“.
نقطة أخرى يوضِّحها بروفيسور “بورجرد“ بصفتها سلبية تستحق النظر في هذه المشاريع وهي أن العملية التعليمية تتم من خلال التفاعل والتبادل المعرفي بين الطلبة.
والمحاضرة الجيدة هي التي تجعل الطلبة يتفاعلون معها، ويتناقشون فيها ويطرحون الأسئلة النقدية حول أفكارهم الخاصة، وهذا كُله لا يُمكن أن يحصل بينما الإنسان يجلس مستريحًا على كنبة في منزله.
ختامًا
فإن واحدة من الحقائق التي لا يُمكن إغفالها هي أن الرؤية التي حددها أصحاب مشاريع التعليم عن بعد لم تُحَقَّق كما كان يطمح أصحاب الموقع، فمعظم المستفيد من المواقع ليس من المناطق المُحتاجة.
هذا غير أن نسبة المشاركين التي يُنهون المتطلبات اللازمة للنجاح هي مُنخفضة جدًا جدًا.. وأحيانًا لا تتجاوز نسبة النجاح 10 % من الطلبة.