التعليم بالاستقصاء: الغاية والجوهر
توضح الباحثة العراقية يسرى خلف جاسم الكناني، أوجه العملية الاستقصائية في التعليم، في بحث أعدته حول أثر طريقة الاستقصاء في العلمية التعليمية، والذي قدمته لكلية ابن رشد في جامعة بغداد، عام 2003.
وتقول في ذلك إن “الاستقصاء على ما ننظر إليه في هذه الدراسة، هو كل متكامل إذ إن الطرائق الاستقصائية تركز على التعلم الذي يجعل المتعلم محوراً له”.
وتشير الباحثة العراقية الى أن هناك فكرة تقول إن “الطالب يجني من عملية التعلم بمقدار ما يبذل فيها من جهد، فإذا لم يتفاعل الطالب مع المعلومات التي يتلقاها، فإنه لن يحصل على المعلومات المستعملة، ولن يدرك جوهرها ومضمونها، وأن أساس عملية التعلم التفاعل العقلي من جانب الطالب مع المعلومات ليصل إلى مرحلة تتجاوز مرحلة معرفة المعلومات أو حفظها وهذا عمل ليس بالسهل، فهو يتطلب مجهوداً عقلياً كبيراً، وإدراك الشخص لجوهر الأشياء، ومغزاها أن يبحث المتعلم بنفسه عنها، وهذه هي غاية الاستقصاء وجوهره، من خلال إيجاد خبرات التعلم واستعمالها بدرجة تتطلب من المتعلمين السير عبر عمليات متشابهة، وأن ينموا أو يستعملوا المعارف والميول نفسها التي كانوا سوف يستعملونها إذا كانوا سيعملون في استقصاء مستقل وموضوعي. أي يجعل المتعلم يفكر وينتج مستعملاً معلوماته، وقابليته في عمليات عقلية، تنتهي بالوصول إلى النتائج”.
وتستنتج الباحثة من ذلك أن “الاستقصاء يساعد المتعلمين على إيجاد إجابات للمشكلات التي تظهر في حياتهم، ولن يكونوا في ضوء ذلك متعلمين يعيشون في غرفة الصف فقط، ولكنهم سيكونون في عالم يظهر مشكلات عديدة، وكل واحد منهم ينبغي أن يستجيب استجابة ذاتية لهذه المشكلات”.
وترى الباحثة بأن “المدرس يؤدي دوراً مهماً في الدروس الاستقصائية، إذ إن دوره ليس مجرد إعطاء معلومات للطالب، بل يوجه الأنشطة التعليمية جميعها نحو تمكين الطلبة من التوصل إلى الإجابات بأنفسهم، لذا وجب عليه تنظيم تعليم الطلبة على النحو الذي يجعلهم معتمدين على أنفسهم اعتماداً كلياً، واعطاء مجموعة من الإرشادات والمساعدات المعرفية حول الموضوع المراد إخضاعه للتقصي من قبل الطلبة، والمدرس عقل يدرّب ويتدرب، متفتح على مجال المعرفة الواسعة ولديه القابلية على الإفادة من المحيطين به، ومنهم متعلميه، وليس مدّعي معرفة كاملة مقيداً بقيود و تصورات ومفاهيم أعتقدها ولا يودّ تغييرها”.
وبحسب الباحثة ولكي يؤدي المدرس دور المستقصي، لابد له من أن يبحث بصورة دائمة عن أساليب تدريس تستوعب ما يُجد في الموقف التعليمي من متغيرات، وما يطرأ من جديد على سلوك المتعلمين، وما يحيط بهم من ظروف اجتماعية.
وعن دور المدرس من المنظور الاستقصائي، توضح الباحثة بأن دوره “ليس مجرد متخصص في المادة بشكلها التقليدي، بل تكون لديه القدرة على فهم طبيعة المتعلم ومساعدته على تعرف أنسب شيء له في موقف معين، وتعتمد هذه الطريقة في نجاحها على مهارة المدرس، فهو المنظم والمرشد، ومدير حلقة النقاش في مراحل هذه الطريقة كلها، فهو الذي يوضح المواقف، ويكمل المعلومات الناقصة، ويعطي إرشاداته للالتزام بالموضوعية، وعدم الخروج عن موضوعية الدرس، وهو الذي يعمل على استمرارية النقاش”.
وتشير الباحثة إلى أن المدرس “يبذل جهداً كبيراً في التحضير لدرس، حتى يضمن شيئاً من التنظيم في أثناء الدرس، ولكن الذي يحدد فعالية الاستقصاء، مشاركة الطلبة، وهذا يعتمد على قدراتهم الاستقصائية، ويحاول المدرس أن يشرك الجميع، ولابد أن تتساوى الآراء الواردة كلها من حيث قيمتها”.
وعن الدرس نفسه في الطريقة الاستقصائية، توضح الباحثة بأنه “ليس نسقاً منطقياً جاهزاً، ولكنه تفاعل عقلي وجداني مع معلومات معينة بين المدرس ومجموعة من المتعلمين، وتمثل المعلومات على الغالب مشكلة تحتاج إلى التحليل والتعليل من أجل انتاج (معرفة)”.
وحول جوهر الاستقصاء، ترى الباحثة بأنه “استراتيجية يواجه فيها المتعلم المشكلة فيفرض الافتراض، ويطرح التساؤلات، ويستخرج من مخزنه الفكري مصطلحات ومفاهيم وأفكاراً، ويتأمل ويجرب ويحلل ويعلل بحثاً عن الأدلة والبراهين التي تدعم وجهة نظره. ودور المدرس في هذه العمليات كلها، هو الخبير الذي يقود المتعلمين في استقصاءاتهم ولكنه لا يوجههم نحو نتيجة معينة”.