تقاريرصحافة التعليم

التعليم عن بعد في الأردن .. هل نشكر كورونا على هذا التحول؟!

لم يكُنِ العالَمُ أجْمَع مُستعِدًّا للَفوْضَى التّيْ ضَرَبَتْ مُنذُ أنْ طَرَقَتْ الكُوْرُونَا أبْوابَه، بَدأتْ دُولُ العَالَم تَتَسابَقُ في التَّصَدّي للضَّيْفِ الفتّاك، الذي لمْ يَبْرَحْ حتى أكَلَ أخْضَرَ مُخططاتِ عَامِنَا الجَدِيدِ ويَابِسِه، فَكيْفَ تَكيّفتِ الجهاتُ المسؤولةُ مَع هذا الضَّيْفِ الصَّخِب؟

وكيف ستكونُ النُدبةُ التّي سَيَتْرُكُها الوَبَاءُ في وَجْنَةِ العَمَليْةِ التَّعْليمية؟ بعدَ أنْ بلغتْ مبلَغًا لمْ يَتَوقعْهُ أحدٌ من قبل.

أما عن الأردن فقد شَهد العالمُ بأسره عَلى تفرّدِهِ في إجْراءاتِهِ الوِقائيَّةِ لمُكافحَةِ الوَباءِ بسَنِّ قوانين الدفاع، التَّي يَحقُّ للجِهاتِ المَسؤولةِ بموجَبها أنْ تَفْرضَ كُلَّ ما يَلْزَمُ للحِفاظِ على سَلامَةِ أبناءِ الوَطِنِ، مِن حَظْرٍ للتَّجَوُّلِ، وإغْلاقٍ للمَحلّات التجاريةِ وكذلكَ إيقافُ العمليةِ التعليميةِ عن قُرْب.

فهل نَهَجَتْ وَزاراتُ التعليمِ نهْجَ ما تَبَقى من الجِهاتِ المَسؤولةِ عن التَّصدّي للوَباءِ المَذْكُور هُنا؟

لا ريبَ أنَّنا نقِفُ على أعْتابِ مَرحلةٍ انتقاليةٍ من شأنِها أنْ تُحدِثَ تغيُّرًا جَذْريًا فِي العَمَليّة التَّعْليميّة الأُرْدُنيّة، ولكنْ شَأنُها شَأنُ أيّ فِكرةٍ جديدةٍ غيرِ مألوفةٍ للعامّة، أنْ تَلقَى اعْتراضًا واسِعًا وهُجُومًا مِن مُنطَلقِ بُغضِنَا بصفتنا بَشَرًا لِكُلِّ ما وجدنا عليه آباءنا.

تم تقسيم عمليةِ التعليم عن بعد في الأردن تَبعًا للفئةِ التعليميةِ على مُستوى طلبةِ المَدارسِ، إلى حَلقاتٍ تَعْليمِيةٍ تُبَثُّ مِنْ خِلالِ شاشةِ التلفازِ الأردنيِّ طيلةَ الأسبوعِ.

كما طَرحتْ (منِصةُ دَرْسَك) وهي: “منصة أردنية مجانية للتعلّم عن بُعد، توفر لطلبة المدارس من الصف الأول وحتى الصف الثاني الثانوي دروسًا تعليمية عن طريق مقاطع فيديو مصوَّرة مُنظّمة ومُجدولة وفقًا لمنهاج التعليم الأردنيّ، يُقدّمها نخبة متميزة من المعلمين والمعلمات لتسهّل على الطلبة مواصلة تعلّمهم، ومتابعة موادهم الدراسية.“.

قيل – وفقًا لإحصاءات وزارة التربية والتعليم– أن 70% من طُلاَّبِ المَملكةِ الأردنيّة الهاشِميّة قد سَجَّلوا دُخُوَلهُم عبْرَ تِلكَ الِمنصَة.

بالإضَافَةِ إلى مَوْقِعِ “Noor Space“ بدعمٍ من المؤسساتِ المَحليةِ الخاصة، والذي يوفّرُ بيئةً تفاعليةً تُحاكي مَبدأَ الغُرْفةِ الصَّفيةِ الوَاقِعية، لتؤمِّنَ التَّواصُلَ بيْنَ أطْرافِ العَمليةِ التعليميةِ –ما بين أولياءِ الأُمورِ أو الطُلابِ والمُعلمينَ– يتَمكنُ الأُستاذُ من خِلاله أَنْ يَطرحَ المَادة المَطلوبةَ في الامتحانِ وأنْ يتسلمَ الواجباتِ البيتيةَ من الطَلبةِ كأنهُم لا يَزالونَ يُمارسونَ العمليةَ التعليميةَ عن قُرب.

فكانت تلك الخُطوات بمثابةِ القشة التي كاد أن يغرقَ لولاها بعض طلاب المدارس الحكومية الذين يشتكونَ من ضعفِ العملية التعليمية في الواقع، وعدمِ اكتراثِ عددٍ من الأساتذة بإعطاء المنهج كاملًا أو وفقَ الأصول التي عُيِّن من أجلها.

أما عن طلبة الثانوية العامة، فلا يزالونَ يحظَونَ بذات المكانةِ الفريدةِ في المجتمعِ، رغمَ تفشّي الوباء، إذ قرَّرتْ الجهاتُ المَعنيةُ أن تُبقي امتحانات الثانويةِ العامةِ على حالها، في ذات الوقت المقرَّر لها، مقتَبل شهر تموزَ القادم، باستخدام كافةِ منشآت الوطنِ التعليميةِ، من مدارسَ خاصةٍ وحكومية، لعَقْدِ الامتحان ضمنَ جلساتٍ متفرقة مراعينَ شروطَ السلامة ومُحَقّقينَ مبدأ التباعدِ الاجتماعيَّ، وبادرت الجِهاتُ المعنيةُ بوضع خُططٍ لتعقيم كافةِ الأماكنِ المذكورةِ إيماءً بنيةِ اللاتراجُعِ عن القرار.

التعليم الجامعي .. اعتراضات مستمرة والوزارة لا تجيب!

أما على مستوى طلبة التعليم العالي –التعليمُ الجامعيّ– فقد تُرِكَ للجامعاتِ اختيارُ الطريقةِ المُناسبةِ لتحقيقِ التواصلِ اللّازمِ بينَ الأساتذةِ والطلبةِ شريطةَ استمرارِ العملية التعليميةِ عن بُعدٍ.

ولم تكنْ طرق التواصل شديدةَ التعقيدِ أو محدودةَ الاختيارِ إذ أنهم قد راهنُوا على الوَعيِ الذي يُفتَرَضُ بطلبةِ التعليم العالي أن يمتلكوه عمن يَصغرونَهُم جِيلًا، فكانت أكثرُ الوسائط التي اسْتُخدِمَت لهذا الغرض، موقع “Microsoft Teams” وموقعَ “Zoom” وهما اللذان يوفِّران ميزةَ “غُرف الاجتماعِ الافتراضي“، بالصوتِ والصورةِ، مع إمكانية عرض المحتوى التعليمي بسلاسة، على أن تتمَّ عمليات التقييمِ إلكترونيًا، نصفها على أعمالِ طيلة الفصل والنصفُ الآخر على امتحانٍ نهائيٍّ على هيئةِ “متعدد الإجابات“.

وجاءَهمُ الرَدّ سريعًا، أشعلَ آلاف الطلبة الجامعيينَ مواقع التواصل الاجتماعي بـ“#اضمَن_النجاح_بقدم_فاينال” حيثُ اشتكى عددٌ كبيرٌ من طَلبَة التخصصاتِ التي تتطلبُ امتحاناتهم إجراءَ عملياتٍ حسابيةٍ أو خطواتٍ عمليةٍ من عُسرِ تحقيقِ متطلبات النجاح بهذه الطريقة، وآخرونَ لأسبابٍ تتعلقُ بضعف إمكانياتهم المادية، وضعفٍ في شبكةِ الإنترنت والتقنياتِ المستخدمة لدينا، والتي لن تُمَكِنَهم من إتمام العملية بنجاح في أوقات ذُروة استخدامها، حتى نهايةِ العام الدراسي.

لكن لم يُحدِث اعتراضهم عبر منصات التواصل الاجتماعيَّ أيَّ تغييرٍ على قرارِ الوزارة، واستمرَّتِ المشاداتُ بين أطراف العملية التعليمية، وحاول بعضُ الإعلاميين اليافعينَ عن طريق القنوات الإخبارية أن يكونوا جسرًا بين وجهةِ الطلبةِ والجهات المعنية بإصدار القرارات، وسرعانَ ما غَزَتْ مواعيدُ الامتحاناتِ النهائية بواباتِ الطلبةِ الإلكترونيةِ، ردًّا على مطالبهم.

ولو جِئنا للمنطِقِ الآن ووقفنا من كُل الأطرافِ وَقفةَ حِيادٍ وشفافية، لوجدنا أن الجميعَ على حَق! فالتعليمُ عن بُعد، لا يزالُ في مهده، والتقييمُ في هذه المرحلةِ لن يكونَ إلا لأغراض اكتشاف الأخطاء وتصويبها.

سأبدأ بتقييم العملية من وجهةِ نظرٍ محايدة، مستشرفةً بإحدى أكثر الأسباب على مواقع التواصل الاجتماعي:

الطالب:ما معناش حق حزمة الإنترنت

وهنا لا يمكننا الطعنُ في صحةِ هذه الحجة التي يقدمها الطالب مبررًا صعوبة العملية التعليمية بشكلٍ مطلَق، إذ أن هناك عددًا من الطلبة الذين لا تسمح لهم سوء حالتهم المعيشية من تجديد حزم الإنترنت الخاصة بهم بشكل مستمر، وأيضًا لا يمكننا أن نعتبرَ هذا السببَ حجر العثَرةِ الذي سنقفلُ بعده بابَ التطوّر في العملية التعليمية الافتراضية بأكملها.

فمهما تقطّعت بالجهات المعنيةِ سُبُلَ الإنفاق لن تكون مهمةً مستحيلةً النظرُ في تأمين مستلزمات التواصل عن بعد لبعض الطلبة، في سبيل النهوض بالعملية التعليمية، وكثيرًا ما نسمعُ عن “حساب الطالب“ أو “كارت الطالب“ في المؤسسات الوطنية من البنوك أو شركات الاتصالات وغيرها، أي أن فكرة تقديم يد العون للطالب على وجه الخصوص متعارفٌ عليها!

ثُمّ إن الذهاب للجامعة يتطلب من الطالب أن يخصّص مبلغًا –مصروفًا شهريًا– للمواصلات أو الكتب الورقية ومستلزمات العملية التعليمية التقليدية، وهنا يمكن أن يعيد النظر في الطريقة التي يصرف بها مخصصاته المالية؛ فيخصص مصروفه لإتمام مستلزمات العملية التعليمية الافتراضية دون أن يضطر للخروج من منزله أو طباعة ورقةِ واحدة.

النِت بعلّق… وفصل بنص الامتحان

أما هنا فلا ريبَ أن الاتكاءَ على شبكات الإنترنت والعوالم الافتراضية لن يكون خاليًا تمامًا من العيوب التقنية، التي لن نتمكن من اكتشافها إلا بممارسة العملية التعليمية عن بعد، والتي كانت من أكثر النقاط التي رجّحت فشل العملية لظُلمِها عددًا كبيرًا من الطلبة الذين لم يتمكنوا من أداء امتحاناتهم الإلكترونية لوجود ضغطٍ على الموزّعات، والذي يعد الحجرُ الصحيُّ الحاليُّ سببًا رئيسًا لحدوث هذا الخلل، والذي نأملُ أن ينجلي عاجلًا.

ضغوطات نفسية ومادية على الأسرة:

وفي استطلاع لرأي أولياء الأمور حول سير العملية التعليمية عن بُعد، عبرت أم لأربعة أولاد عن الضغوطات التي أصبحت تواجهها بعدما فرض التعليم عن بعد بقاء أولادها في المنزل معها طيلة اليوم، وأنها كان بإمكانها أن تحظى بمساحتها الخاصة سابقًا في وقت غياب الأولاد في المدرسة صباحًا.

كما أنها قد تضطر أحيانًا برغم محدودية إمكانيات العائلة المادية من امتلاك أربعة أجهزة ذكية في ذات الوقت، ليتمكن أولادها الأربعة على اختلاف مراحلهم من الدخول إلى منصات التعليم الإلكتروني الخاصة بهم، إلى أن تساعدهم في إجابات الامتحانات الإلكترونية، في أوقات تزامن مواعيد الاختبارات مع الموعد الذي تطرح فيه الحصة الدراسية، للسبب الذي ذكرناه من قبل.

وفي استطلاع رأي آخر، عبر أحد طلبة المرحلة الإعدادية عن سروره بالطريقة التي يتم بها تقويم الطلبة، حيث إنه قام بإنشاء مجموعة دردشة على مواقع التواصل الاجتماعي (ماسنجر) تجمعه بزملائه من المرحلة الدراسية نفسها، يتشاركون الإجابات في أوقات انعقاد الامتحانات الإلكترونية، عن طريق إجراء محادثة فيديو جماعية.

أما عن الضفةِ المقابلة من النهر، فاستنكرَ بعض الأساتذةِ استكمال التعليم عن بعد بوصفهم إياه، سببًا لعرقلةِ إتمامِ المادة العلمية بكامل تفاصيلها، لصعوبة نقل المعلومة.

هل آن الأوان لتغيير حقيقي؟!

أما أنا فأرى التعليم عن بعد في الأردن في هذه النقطة بالذات قد قطع رأسَ أساليبنا التقليدية في طرح مناهجنا التعليمية، القائمةِ على الحفظ والبصم والحشو الذي لا يُسمِنُ ولا يُغني من جوع، كأن الجائحة تقول لنا: أما آنَ أوانُ أنْ تكتَفوا بالقليل المفيد عن الكثير البالي؟

أم أنها حطَّمت جدران الغرفة الصفية التي –مع الأسف– يُخفي الكثير من الأستاذةِ خلفَ حدودها عدم كفاءتهم أومدى استحقاقهم لمكانتهم الوظيفية؟

وهنا يجدرُ الذكر أن من أبرز عوائد العملية التعليمية الافتراضية، شفافيةُ تقييم المشرفين والمدرسين، وإتاحة المجال للأكثرِ كفاءةً على المتربصين بمقاعدهم حصيلةَ “الباراشوت الاجتماعي“.

بالإضافة إلى إمكانية كسر حواجز المكان والاستفادة المثلى من خبرات العلماء المحليين والعالميين في شتى المجالات وإمكانية انضمامهم بسهولة أكبر لغرف التعليم الافتراضية.

خُلاصةُ ما في القضية، أن التعليم عن بعد في الأردن شأنه شأن أي خطوة قادمة اتخذناها طيلةَ حياتنا السالفة، سواءً على الصعيد الشخصي أو الجماعيّ، تحتاج للتخطيط الجيّد، وتتطلب منا مشاركة مجتمعيةً، وصبرًا تحت سقفِ النهوض بأساليب التعليم الحديث، وأن نخوض متكئينَ على القانون حينًا وعلى روح القانونِ حينًا آخرَ.

فشكرًا كورونا.. على الرغم من البغض الذين يتكبده لكِ أبناءُ الأرض إلا أن جائحةً مثلكَ كانت سببًا في أن تتغيرَ ملامحُ العالمِ للأفضل في بعضِ المواضع! وعلى رأسها التعليمُ عن بعد.

المصادر:

تجمعات طلبة الجامعات والثانوية العامة على مواقع التواصل الاجتماعي.

برامج قناة الممكلة الإخبارية (جلسة علنية، صوت المملكة).

زر الذهاب إلى الأعلى