التعليم عن بعد في المغرب زمن الوباء: الدعامات ورهانات الانخراط في مجتمع المعرفة
فجأة وجدت الدول نفسها أمام ضرورة الانتقال من الطرق التقليدية في التعليم، إلى ابتكار حلول لتجاوز مخلفات وباء “كورونا“ الذي أصدر حكمه بتعطيلٍ شبه تام لمختلف مناحي الحياة في العالم برمته.
فأضحت المؤسسات التعليمية والجامعات التي كانت تعج بالتلاميذ والطلبة، خالية من مظاهر الحياة شأنها شأن باقي المؤسسات؛ مما جعل الخيار البديل هو التعليم عن بعد، نظرًا لما توفره الثورة الرقمية الحديثة من إمكانات في إعادة تنظيم الحياة الإنسانية برمتها وهيكلتها داخل العالم السبراني، وليس فقط مجال التعليم.
ونحن إذا نظرنا إلى طريقة التعاطي مع قضية التعليم عن بعد في مختلف التجارب، فإننا نجد اختلافًا بينًا لعدة أسباب، لكن حسبنا أن نشير إلى نموذج التعليم عن بعد في المغرب ، من خلال الأسئلة التالية:
كيف تم العمل على التعليم عن بعد ضمن استراتيجية مواجهة الآثار السلبية للوباء بالمغرب؟
هل نجحت عملية التعليم عن بعد في المغرب في كسب رهان الانخراط في مجتمع المعرفة أم أن هذا النمط من التعليم لم يجد له الشروط والظروف المناسبة؟
الدعامات الأساسية لنظام التعليم عن بعد في المغرب في سياق الوباء:
دخل المغرب عمليًا في إجراء الحجر الصحي الشامل يوم 13 مارس 2020، وقد شمل ذلك قطاع التعليم بمختلف مراحله ابتداء من يوم 16 مارس، ليتم تعويض الدروس والمحاضرات والتكوينات الحضورية بالدروس عن بعد، من أجل ضمان الاستمرارية البيداغوجية وعدم حدوث الانقطاع في الزمن المدرسي.
وقد استعملت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي مداخل مختلفة من أجل ما سمي التعليم عن بعد، بالإضافة إلى المبادرات الفردية التي كان يقوم بها المدرسون، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن الخطوات التي اتخذتها الوزارة، يمكن تقديمها من خلال مستويين:
الدعامات المعتمدة على مستوى مراحل الابتدائي والثانوي:
– تفعيل منصة “TelmidTICE “ لبث موارد رقمية للمتعلمين، حيث بلغ مجموع المواد الرقمية على المنصة حسب تصريح وزير التعليم أمام البرلمان، حوالي “6200 مورد رقمي تغطي جميع المراحل (ابتدائي، إعدادي وثانوي)، حظيت بالتتبع اليومي للتلاميذ حوالي 600 ألف تلميذ.
اعتماد بعض القنوات العمومية والإذاعات الجهوية في نشر مجموعة من الدروس، وقد بلغ يوميًا ما كانت تبثه قناة الثقافية إلى جانب الأمازيغية وقناة العيون، إلى 59 درسًا، ما وصل مجموعه 3441 درسًا من انطلاق العملية حسب تقرير الوزير.
– إنشاء أقسام افتراضية عبر خدمة “Teams” المدمجة في منظومة مسار، مما يتيح إمكانية التواصل المباشر بين الأساتذة وتلامذتهم، وحسب تصريح الوزير فقد “خدمت منصة teams أكثر من 85 ألف أستاذ و300 ألف تلميذ“ بين القطاعين العام والخاص.
انطلق بث هذه الدروس في مرحلة أولى عبر القناة الثقافية، لتتم بعد ذلك إضافة القناة الأمازيغية في مرحلة ثانية ثم قناة العيون.
لكن برأي الفاعلين في حقل التعليم، وخصوصًا المدرسين والدارسين، فإن هناك تعاطيًا كثيفًا للتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال تحويل الأقسام إلى مجموعات أو غير ذلك، وهذا يطرح سؤالًا عن مدى فعالية التعليم عن بعد في السياق المغربي بالنسبة للتلاميذ، وما شهدته أسلاك التعليم الابتدائي والثانوي، هو نفسه ما يدونه الأساتذة والطلبة بخصوص التعليم الجامعي.
فما الخطة التي انتهجتها الوزارة والمؤسسات الجامعية على مستوى التعليم العالي؟
على مستوى التعليم العالي والبحث العلمي:
بالنسبة للجامعات، فإن الأمر لا يختلف عن مستوى التعليم الابتدائي والثانوي، إذ أن ذلك مرتبط بطبيعة المنظومة التعليمية وواقع التحديث على المستوى الرقمي، لكن بالرغم من ذلك لننظر في الأرقام التي قدمتها الوزارة بهذا الشأن.
وإن كانت الأرقام أو البعد الكمي في تدقيق عملية التعليم عن بعد قد لا يعبر عن حقيقة وواقع هذا النمط من التعليم، فلنترك للأرقام أن تتحدث ومنحى الوصف يأخذ مساره، ثم سنعود إلى المفارقات والتحليل الذي يمكن أن نسجله على ضوء آراء باقي الفاعلين الذين يتصل دورهم بالتعليم وبهذا النمط من التعليم مباشرة.
أنتجت الجامعات حسب التقرير الذي قدمه الوزير أمام البرلمان، أكثر من 115 ألف مورد رقمي، وقد “خدمت هذه الموارد الرقمية ما بين 80 و 100 في المائة من المضامين البيداغوجية“، مستعينة في تقديمها من خلال جملة من المنصات الإعلامية، والمشار هنا أن التقرير لم يحدد طبيعة هذه المنصات، مما يعني أن التعليم الجامعي كانت فيه حرية متاحة للمدرسين والمؤسسات والشعب.
تم الاعتماد على القناة الرياضية لتقديم بعض الدروس والمحاضرات المصورة التي استهدفت المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح، وخاصة سلك الإجازة في الدراسات الأساسية التي تستقطب ما يفوق 90 % من العدد الإجمالي للطلبة.
وبشيء من التفصيل كما ورد في التقرير، فقد تمكنت “هذه التغطية التلفزية من بث 13 درسًا بمعدل 8 ساعات في اليوم، ليصل مجموع الدروس التي تم بثها إلى حدود اليوم، حوالي 372 درسًا شملت 6 مسالك في حقل العلوم والتقنيات و3 مسالك في حقل العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية و14 مسلكًا في الآداب والعلوم الإنسانية“ بالإضافة إلى المبادرات التي نهجتها المؤسسات الجامعية مع الإذاعات الجهوية، التي تبث بين الفينة والأخرى جملة من المحاضرات.
الملاحظ إذن أن عملية التعليم عن بعد في مختلف الأسلاك لم تختلف بعضها عن بعضها من حيث الوسائل التي استعانت بها الوزارة والمؤسسات الجامعية والتربوية، وكذلك فيما يخص المبادرات الحرة التي اعتمد عليها المدرسون في التواصل مع تلامذتهم، وخصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي أو توظيف التقنيات الرقمية الحديثة في بث المحاضرات مباشرة من طرف بعض الأساتذة والمدرسين بأسلاك التعليم العالي.
وهو ما يطرح السؤال، هل هذه المبادرات وما قامت به الوزارة يمكن نسبته إلى التعليم عن بعد كما هو معروف؟
لندع هذا السؤال جانبًا في ظل غياب بيئة علمية وتعليمية تسمح من جانب بتطوير المنظومة التعليمية لتواكب التحولات والثورة الحاصلة على المستوى الرقمي، ومن جانب آخر إمكانية التقييم حسب مؤشرات حديثة تستحضر البعد النوعي والكمي معًا، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل من داخل المسلك الذي نهجته وزارة التعليم والفاعلين في الحقل التعليمي والتربوي:
هل نجحت الدعامات التي تم الاستناد عليها بمواصلة العملية التعليمية التعلمية عن بعد؟ وبصيغة أخرى هل نجحت العملية التعليمية التعلمية عن بعد في تحقيق أهدافها على ما يمكن أن يسجل عليها من ملاحظات؟
هل نجحت عملية التعليم عن بعد في المغرب؟
بعيدًا عما لم تقدمه وزارة التعليم في أرقامها المعلنة، عن عدد الذين لم يستفيدوا من عملية التعليم عن بعد أو بعض الجوانب السلبية التي تكون قد رافقت العملية التعليمية في التعليم بعد، فإنه يمكن القول إن التقرير الذي قدمه الوزير المعني بالقطاع تطغى عليه السياسة وتغيب عنه المعطيات العلمية الدقيقة حول النتائج، التي تمكن من رصد الأثر لتلك المبادرات التي قامت بها الوزارة أو باقي الفاعلين في حقل التعليم، وكذلك مستوى التفاعل مع الدروس المقدمة عن بعد من طرف التلاميذ والطلبة.
مما سيدفعنا إلى الاستناد للتقرير الذي قدمته “المندوبية السامية للتخطيط“ نظرًا للأهمية التي تحظى به تقاريرها، للنظر في الجانب الآخر من عملية التعليم عن بعد، أي النسب المئوية لحجم التفاعل أو عدمه وكذلك الإهمال للدروس المقدمة عن بعد على مختلف المنصات، ودور الأسرة في ذلك.
حجم التفاعل مع الدروس والمواد التعليمية عن بعد:
يشير تقرير المندوبية السامية بخصوص المسألة التعليمية، إلى معطيات مهمة، وهي النسب المئوية لعدد المتمدرسين بمختلف الأسلاك، حيث نجد أن “36% من الأسر لديها أطفال يدرسون في السلك الابتدائي، و20% في سلك الإعدادي، و12 % في الثانوي، و8% في التعليم العالي“.
توزعت نسب المتابعة المنتظمة للفئات المذكورة للدروس عن بعد من خلال وسائط رقمية مختلفة، حسب مختلف أسلاك التعليم، كالآتي:
– 48% من الأسر التي لديها أطفال يدرسون في الابتدائي.
– 51 % من الذين يدرسون في الإعدادي.
– 69 % من الذين يدرسون في الثانوي.
– 56% من طلاب التعليم العالي.
أما الذين لم يتابعوا دورات التعليم عن بعد، فنجدهم حسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط، كالآتي:
18 %من الأسر التي لديها أطفال، لا يتابعون الدراسة عن بعد، 29% منهم في الوسط القروي، و 13% منهم من الوسط الحضري، يتوزعون على مستويات التعليم المختلفة.
فبخصوص المستوى الابتدائي، يشير التقرير إلى أن 21% لم يحظوا بإمكانية متابعة الدروس عن بعد، 33% منهم بالوسط القروي، و 14% بالوسط الحضري، وبخصوص تمثيل هذه النسب لمن لم يتمكنوا من متابعة الدراسة عن بعد بين القطاعين العام والخاص بالنسبة للمستوى الابتدائي، ومن ناحية التقسيم 24% تنضوي ضمن القطاع العام، و 4% من القطاع الخاص.
أما المستوى الإعدادي، 17% من الأسر تغيبت عن الدروس عن بعد، منهم 27% من الوسط القروي، و 12% من الوسط الحضري.
أما على مستوى السلك الثانوي فإن 10% من الأسر التي لها أطفال بهذا المستوى، لم يحظوا بإمكانية متابعة التعليم عن بعد، يتوزعون بين الوسطين القروي والحضري على الشكل الآتي، 21% من الوسط القروي، و 7% في الوسط الحضري.
وإلى تلك المعطيات يشير الجدول المستقى من تقرير المدوبية، كما هي النسب أعلاه:
من الملاحظ أن نسب التلاميذ والطلاب الذين تابعوا الدروس والمحاضرات عن بعد، لم تتجاوز نصف شريحة المتعلمين، مما يعني أن هناك نسبًا مهمةً لم يستطيعوا الوصول الى دروس التعلم عن بعد، إما بسبب الفقر والهشاشة الاجتماعية أو بسب عدم توفر تقنيات تواصل حديثة (كومبيوتر هواتف، شبكة إنترنت..) كما هو شأن بعض الأسر في البوادي.
وعن هذا النقص وعدم القدرة في الوصول إلى الدروس يشير التقرير المذكور، إلى أن 51 % من الأسر التي لديها أطفال يدرسون في الابتدائي لم يتحصل لهم ذلك، و48% من سلك الإعدادي، ومن الذين لم يتحصل لهم الوصول إلى الدروس من سلك الابتدائي نجد 55 % من البوادي و 60% من الأسر الفقيرة، أما من سلك الإعدادي، فنجد 53 % من البوادي و53 % لديها صعوبات الفقر والهشاشة.
وبخصوص سلك الثانوي والجامعي، فنجد النسب 41 % و 30 % على التوالي، بسبب ذات الصعوبات حسب التقرير.
ولم يغفل التقرير نسبة الإهمال، لكنها تظل هي الأخرى ضئيلة، فهي تتأرجح بين 13 % بالنسبة للابتدائي و11% لسلك الإعدادي و16% لسلك الثانوي.
فلنترك للقارئ يلقي نظرة على الأرقام المفصلة أعلاه في جدول مجمل وعام.
بالإضافة إلى تفصيله في الأسباب المشار إليها أعلاه، نجد التقرير يستحضر عامل الأسرة، في موضوع التعليم عن بعد، وكما هو بيِّن فإن دورها قد يكون محوريًا، بالنظر إلى المساعدة التي يمكن أن تقدمها الأسرة وإسهامها في تجاوز العوائق التي تنتج عن التعليم عن بعد.
كما أن عدم القيام بذلك يؤثر تأثيرًا سلبيًا على المردودية في التكوين عن بعد، وهي مستحضر في الدراسة كعنصر مؤثر، لكنها تظل ضئيلة مقارنة بالصعوبات الأخرى ذات الصلة بالفقر والهشاشة وغياب أدوات ووسائط تواصل حديثة للوصول إلى الدورات والتكوينات.
رأي الأسر وباقي الفاعيلن في الحقل التربوي في عملية التعليم عن بعد في المغرب
من المؤكد أن التعليم عن بعد أدخل الأسر ورجال التربية والتعليم والدارسين في مناخ غير مألوف، وهو ما طرح تحديات أخرى، حيث أضحت الأسر مسؤولة مباشرة عن العملية التعليمية أو مساعدًا يقوم مقام الطفل.
بل أن الحجر خلَق نوعًا من الاحتكاك بين أفراد الأسرة قد يحتاج من المختصين إلى تجلية الآثار السلبية أو الإيجابية للحجر الصحي على مستوى الأسر، ومنه الجانب التعليمي، ويكفي هنا أن نشير إلى ان مجموعة من الآباء أصبحوا مدرسين في منازلهم، وهو ما يستعيد الدور الفعال للأسرة من هذا الجانب، ويجلي قيمة ومكانة المدرس من جانب آخر.
لكن فترة الحجر الصحي خلفت ردود فعل للأسر عن التعليم عن بعد في المغرب ، رصدت المندوبية السامية للتخطيط كما هو مبين في الجدول أسفله، وحسبنا أن نشير إلى أن غياب التفاعل هو ما أشعر الأسر بعدم الرضا بالإضافة إلى النقص في وسائط الاتصال كما أشرنا لها سابقًا، بينما بقيت الأسباب والدواعي الأخرى ضئيلة الحضور في نظر الأسر المغربية التي غطتها دراسة المندوبية السامية للتخطيط بالمملكة.
يمكننا القول بأن الأرقام المرصودة في الدراسة، كما أنها تشير إلى موقف الأسر المغربية من التعليم عن بعد، وتشير إلى التأرجح بين التعاطي الإيجابي وعدم الارتياح كما هو بين في الجدول أسفله والقلق بشأن المستقبل الدراسي إذا استمرت الوضعية على ما هي عليه، وقد يزكي هذا غياب التحديث في الغالب، لكن إشكالية التعليم عن بعد كما نذكر دائمًا صارت إشكالية اللحظة في العالم برمته، وانعكاساتها على أكثر من صعيد يمكن أن تظهر مع توالي الدراسات والأبحاث المختصة في المستقبل.
وكما أشرنا إلى الآباء والأسر مع التقرير وغيره، فإن الأمر نفسه يمكننا أن ننظر فيه مع المدرس، فالعديد من المدرسين كانوا أمام تحديات غياب الوسائط ومنظومة تستوعب متطلبات التعليم عن بعد، وضرورة استمرار العملية التعليمية، لذلك بدل أن يجد الأستاذ نفسه يداوم على العمل بشكل منتظم من داخل المدرسة، انتقل إلى مواقع التواصل الاجتماعي وما تخلقه من تحديات.
هذا بالنسبة لمن وظفوا هذه الوسائط، إذ يقول أحد الطلبة بسلك الماجستير في الفلسفة: “عدم مواكبة شريحة واسعة من الأساتذة لعملية التعليم عن بعد، وذلك إما لغياب التكوين في المجال الرقمي، أو أن البعض وجد في الوضعية وقتًا للارتياح، بالإضافة إلى أن الأمر عند من استمروا على مستوى أسلاك الماجستير، حافزهم في ذلك الرغبة والمسؤولية تجاه البحث العلمي“.
لكن بالمقابل شريحة واسعة من المدرسين في أسلاك مختلفة على تواصل مستمر مع تلامذتهم وطلبتهم، لكن مع تسجيل الضعف في العائد، والصعوبة في مقارنة التعليم عن بعد في المغرب بالتعليم الحضوري، لمحورية الأخير وأهميته بالنسبة للمدرس والدارس معًا، والذي يتجلى عند الدارس في الإرهاق بكثرة التكاليف كما رأى بعض طلبة الماجستير في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية.
فيقول أحد الطلبة: “يتطلب الأمر جهدًا فرديًا، بينما التعليم الحضوري والتواصل المباشر له أثر في العملية التعليمية التعلمية“.
ملاحظات على خطة وزارة التعليم على ضوء تقرير المندوبية السامية للتخطيط:
لعل المتابع لما قدمته وزارة التعليم في بلاغاتها وتقريرها الذي عرضه الوزير الوصي على القطاع أمام البرلمان، سيجد أن هناك تضاربًا على عدة مستويات، نرصدها على شكل عرائض في الآتي:
– حالة التضخم في الأرقام والمعطيات الكمية، لما قامت به الوزارة الوصية على قطاع التعليم، مع الغياب التام للحديث عن العائد من عملية التعلم عن بعد.
وهنا نتحدث عن قياس مدى الأثر في مستوى التلاميذ والطلبة، ونشير إلى أن تقرير المندوبية السامية للتخطيط رغم أهيمته، فإن جانب العائد والأثر يحتاج إلى منظومة تعليمية قادرة على الانخراط في المجال الرقمي، وهو فيما يبدو جزء من صيرورة توطين التفكير العلمي وسياسات ذات بعد منظومي ترتكز على اقتصاد المعرفة، وهذا يبدو في السياق العربي برمته شبه غائب.
– غياب استراتيجيا موحدة لولوج عملية التعليم عن بعد.
حيث لجأت الوزارة والمؤسسات الوصية على التربية والتكوين، إلى تجريب مختلف أنماط التواصل مع التلاميذ والطلبة، ابتداء من البوابة الإلكترونية إلى الأقسام الافتراضية، والاستعانة بالقنوات العمومية والإذاعات الجهوية، والذي لا يخضع لعملية التوصيف الكمي أو إمكانية حصره وتتبعه، واستعانة شريحة واسعة من المدرسين في مختلف الأسلاك، ابتداء من الابتدائي إلى التعليم العالي، بوسائط التواصل الاجتماعي، في مبادرات حرة من الأساتذة.
– إغفال شريحة واسعة من الأسر المغربية المعوزة أو تلك التي تقطن في البوادي والقرى والمناطق النائية
من إمكانية توفرها على هواتف أو وسائط اتصال رقمي تمكن أبناءها من متابعة الدراسة عن بعد، بل إن المناطق النائية وبعض القرى، هي خارج الفعالية التامة لشبكة الإنترنت.
وقد أشار تقرير المندوبية السامية للتخطيط إلى ذلك، في أرقام كاشفة تجاوزت النصف.
هذا يعني أن فئة واسعة من الأسر المغربية قد لا تتحقق لها الشروط الاقتصادية والثقافية للدراسة عن بعد، وأشرنا هنا إلى الجانب الثقافي، لأن التعليم عن بعد، هو جزء من نمط ثقافي لم نألفه في سياقنا المغربي والعربي بعد، أو لم توفر له البيئة المناسبة، كما هو حال بعض الدول الأوربية التي انتقلت بسلاسة إلى المنصات الرقمية والتعليم عند بعد، لما وجدت نفسها في وسط تحديات جائحة كورونا.
لكن الأهم من ذلك هنا في السياق المغربي –والعربي-، أن النسب المرتفعة للهشاشة والأرياف لتي لم تصلها التقنية بعد، تقدم لنا جانبًا من المشكلة، وهو أن قضية التعليم جزء من كل مركب، لا يمكن حلها بفصلها عن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لذلك يمكن القول بأن التحديث هو مسألة منظومية شاملة يتقاطع فيها العلمي بالاقتصادي بالسياسي وغير ذلك.
إن المعطيات تكشف لنا أن العملية التعليمية في الزمن الراهن بحاجة لوعي مجتمعي، فهي غير ذات صلة بالمدرسة وحسب، بل إن التعليم يتجاوز كونه مرتبطًا بالعملية النظامية إلى ما هو أبعد من ذلك في أشكال التعليم التي نهجتها العديد من الدول مثل فنلندا وغيرها.
بما يتخلص من المدرسة لكونها أداة ضبط اجتماعي مع بيير بورديو، أو مؤسسة لتصريف إيديولوجيا الدولة، وبعيدًا عن هذا المنزع المثالي في سياقنا الحديث، تشكيل عقلية المتعلم على نمط مختلف متحرر من السلبيات التي قد تكون مرتبطة بالنظام التعليمي الحديث.
وهنا ننتبه إلى أهمية التعليم في الوعي بالعالم، بحيث يمكن للحظة الوباء التي عاشتها الإنسانية أن تغير رؤية الناس لجملة من العلاقات والقضايا، منها تيمة التعليم، مما سيمنح أفقًا للتفكير في المستقبل، أي مستقبل التعليم في ظل التحولات الرقمية والمخاطر، وإمكانية الاستبدال بالنمط التعليمي الحالي أنماطًا أخرى.
ختامًا:
إذا كانت الجائحة في سياق الدول المتقدمة، شكلت حافزًا للعقل العلمي من أجل البحث والاكتشاف في سبيل تجاوز التحديات، فإنها في السياق العربي قد كشفت لنا عن معضلة أو كلفة عدم التحديث.
في جوهر ذلك تقع المنظومة التعليمية –وقطاع الصحة-، والأرقام كاشفة في سياقنا المغربي عن الهشاشة وعدم توفر بنية تستوعب الانتقال من التعليم الحضوري إلى التعليم عن بعد.
إذ أن التعليم عن بعد، ليس مجرد كلمات أو شعار فارغ من حيث المضمون، إنما هو جزء من صيرورة تحول في التقدم والبحث العلمي، بحيث يتم الاستثمار في الثورة الرقمية الحاصلة، والانخراط في اقتصاد المعرفة، وتبيئة وتوطين ذلك، بحيث يصبح ثقافة مجتمعية؛ وسيكشف الاستطلاع الذي أطلقته الوزارة بعض أوجه ذلك.
من دون ذلك، فإن كل التحديات القادمة قد تشل كل البنيات القائمة، وإذا كانت المنظومة التعليمية تعيش على وقع التطور المنظومي في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية، فإن التعليم والبحث العلمي عن بعد أو قرب، سيكون فاعلًا في تجاوز الأزمات.
وإلا فإن إشكالية التعليم عن بعد رغم تجريبها في العديد من الدول والانتقال اليها، فإن تحدياتها ستبقى مستمرة في مختلف السياقات، باستنثاء التجارب التي طورت تعليمًا يتحلل من التعليم النظامي برمته.
مقالات ذات صلة: