تحقيقات زدني

الحصار الإسرائيلي يحرم طلاب غزة من إتمام دراستهم الجامعية

تبددت أحلام الشابة الفلسطينية ” دلال مراد ” بإتمام دراستها الجامعية، والطموح للحصول على درجة علمية في تخصص الصحافة والإعلام، فقد كانت تخطط لدراسته وهي تنهي دراستها المدرسية في مرحلة الثانوية العامة.

ولم تسعف الظروف المادية التي تعيشها أسرة الفتاة ” مراد ” بإتمام دراستها نظرًا لارتفاع تكاليف الدراسة في الجامعات الفلسطينية العامة، وغياب مجانية التعليم العالي بشقيه الحكومي والخاص في الأراضي الفلسطينية مقارنة مع بعض الدول العربية المجاورة.

الأوضاع الاقتصادية

وأسهم الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ عام 2006 في تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لآلاف الأسر الفلسطينية، وتعثر كثير من العائلات الفلسطينية في توفير الرسوم الدراسية لأبنائها من أجل إتمام دراستهم الجامعية.

وتقول مراد: إنها انقطعت عن الدراسة بسبب ظروف عائلتها المادية وعدم تمكنهم من توفير تكاليف الدراسة للتخصص الذي اختارته، والذي تصل تكلفته المادية إلى (25 دينارًا أردنيًا = 35 دولارًا أمريكيًا) للساعة الواحدة في الوقت الذي لا تقل عدد ساعات التخصص لدرجة الدبلوم المتوسط عن 72 ساعة، ولدرجة البكالوريوس عن 142 ساعة دراسية.

وتبين لاحقًا أنها اضطرت لعدم إتمام دراستها الجامعية والالتحاق بالمجال الذي حلمت به لسنوات طويلة، كي تفسح المجال أمام اثنين من إخوتها من أجل إتمام دراستهم والمساهمة في تحسين ظروف عائلتها المادية.

وتطالب الفتاة ” مراد ” بضرورة وجود صندوق خاص يمكن الطلاب الفلسطينيين من إتمام دراستهم الجامعية، وتأمل مراد أن تعمل السلطة الفلسطينية ووزارة التربية والتعليم على تحويل التعليم العالي إلى مجاني في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها نحو مليوني مواطن غزي بفعل الحصار وتلاحق الحروب على قطاع غزة خلال السنوات الماضية.
وبحسب وزارة التربية والتعليم العالي فإن إجمالي عدد الطلبة الملتحقين ببرنامج الثانوية العامة سنويًا لا يقل عن 80 ألف طالب وطالبة على مستوى الضفة الغربية وقطاع غزة في الوقت الذي تصل فيه معدلات النجاح لأكثر من 65%.

تأجيل للدراسة

أما حال الطالب ” أحمد زاهر ” فلم يكن أحسن كثيرًا عن سابقته، إذ أدي تدهور حال أسرته المعيشية على المستوى الاقتصادي وتعطل والده عن العمل لتأجيل دراسته لعاميين متتاليين، والتوجه للبحث عن فرصة عمل تعيله هو وأسرته.

ويقول زاهر “إنه انقطع عن إتمام دراسته الجامعية في تخصص إدارة الأعمال بعد مرور 4 فصول دراسية، وفي ظل عجزه ووالده عن توفير رسوم الفصل الدراسي، والتي تصل لأكثر من 500 دينار أردني أي ما يوازي (704 دولارًا أمريكيًا) للفصل الواحد.

وبحسب تقدير اللجنة الشعبية لكسر الحصار الإسرائيلي عن غزة، فإن متوسط دخل الفرد اليومي في القطاع المحاصر منذ أكثر من عشر سنوات لا يتجاوز دولارًا أمريكياً واحدًا عدا عن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في صفوف السكان.

معدل مرتفع

ويوضح الشاب الفلسطيني، أنه أنهى الفصول الأربعة بمعدلات متميزة مقارنة مع الكثير من زملائه في دفعته، حيث لم ينخفض معدله خلال هذين العامين عن 85 %، وفي ظل اقتصار المنحة الدراسية على الأعلى درجات بين الطلاب في المرحلة الدراسية.

ويضيف أنه حاول خلال فترة انقطاعه عن الدراسة توفير بعض الأموال لدراسة الحد الأدنى من الساعات الدراسية الفصلية والتي تصل إلى 9 ساعات دراسية لا تقل تكلفتها المادية عن 225 دينارًا أردنيًا أي ما يوازي 317 دولارًا أمريكيًا إلا أن تردي الأوضاع المعيشية لأسرته لم يمكنه من ذلك.

ويتابع ” زاهر”: يجب العمل على توفير صندوق خاص للطلاب الفقراء أو العمل على تحويل التعليم الجامعي الحكومي إلى مجاني، كما يحدث في بعض الدول العربية حيث يتحول التعليم العالي فيها إلى مجاني.

ويطالب الشاب العشريني، وزارة التربية والتعليم ومؤسسات السلطة الفلسطينية بضرورة العمل على وضع حد لارتفاع الرسوم الدراسية، وعدم مراعاة هذه الرسوم للظروف المعيشية والاقتصادية التي يعيشها الفلسطينيون لا سيما في قطاع غزة.

وتقتصر المنح الداخلية التي تقدمها الجامعات المحلية بغزة على المتفوقين في الثانوية العامة، وحفظة القرآن الكريم، وبعض أبناء وذوي الشهداء، وبنسب متفاوتة وشروط تضعها هذه المؤسسات أمام الطلاب الملتحقين للدراسة بها.

ومنذ انتهاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة صيف 2014، شهدت الكثير من الجامعات والكليات الفلسطينية في قطاع غزة انخفاضًا ملحوظًا في معدل التحاق الطلاب بفعل الواقع الاقتصادي، مما دفع بعدد منه لتقديم تخفيضات على رسومها الدراسية وتقديم منح في مجالات متعددة.

تأثيرات الحصار

من جهته، يؤكد رئيس اللجنة الشعبية لكسر الحصار عن غزة والنائب في المجلس التشريعي الفلسطيني “جمال الخضري”، أن الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عشر سنوات أثر بشكل واضح وملموس على سير العملية التعليمية.

ويقول الخضري: إن الحصار الإسرائيلي الذي طال جميع مناحي الحياة في قطاع غزة أسهم في تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وزاد من معدلات الفقر والبطالة إلى جانب الزيادة المهولة في السكان والتي وصلت لنصف مليون من بين أعوام 2006-2016، وانعكس سلبًا على العملية التعليمية.

ويضيف رئيس اللجنة الشعبية لكسر الحصار عن غزة، أن معدل دخل الفرد اليومي لا يتجاوز دولارًا أمريكيًا وهو ما يعني أن الكثير من الأسر والطلاب لا يستطيعون الالتحاق بالجامعات المحلية بفعل الواقع الاقتصادي المتردي جراء استمرار الحصار.

ويوضح الخضري بأن هناك نسبة ملحوظة من الطلاب لم تستطع إتمام دراستها بعد عام أو عامين بفعل ظروفها الاقتصادية واضطرت لتأجيل الفصول الدراسية لحين تحسن الأوضاع المعيشية لها والتوجه نحو سوق العمل.

ظروف مالية قاهرة

ويبين أن نحو 50 إلى 60 %من الطلاب لا يملكون كامل رسومهم الدراسية بالإضافة إلى عدم تمكنهم في بعض الأحيان من شراء الكتب الجامعية أو لا يمتلكون ثمن رسوم المواصلات من أجل التوجه يوميًا إلى الجامعة، لذلك يتغيبون كثيرًا ولا يقصدون الجامعة إلا يومًا واحدًا أو يومين في الأسبوع .

ويشدد النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني على ضرورة العمل على توفير مؤسسات مانحة عربية والعمل على تشكيل جسم خاص بإغاثة الطلاب الفلسطينيين عبر صندوق خاص يتم دعم الطلاب الفقراء.

ويلفت الخضري إلى أن صناديق دعم الطالب المحلية وإقراض الطالب التابعة للسلطة الفلسطينية تغطي جزءًا بسيطًا ولا تستطيع أن تغطى كامل العملية التعليمية الجامعية كونها غير مجانية.

وبحسب إحصائيات اللجنة الشعبية لكسر الحصار فإن نحو 80% من الأسر الفلسطينية في غزة تعتمد على المساعدات الإغاثية التي تقدمها المؤسسات الدولية والإغاثية، فضلًا عن ارتفاع معدلات البطالة بشكل وصل إلى 60% في صفوف الشباب و80% في صفوف الإناث.

وأدى إغلاق السلطات المصرية لمعبر رفح بشكل شبه دائم، إلى حرمان ما يزيد عن نحو 3 آلاف طالب غزي من الالتحاق بجامعاتهم في الدول العربية والأجنبية لإتمام دراستهم خاصة بعد أن تمكنوا من الحصول على منحة دراسية بفعل عدم انتظام فتح معبر رفح البري.

ووفقًا لإحصائيات الحملة العالمية لكسر حصار غزة فإن نحو 18 ألف عاطل من العمل هم من حملة الثانوية العامة بالإضافة إلى 36 ألفًا من حملة الشهادة المتوسطة (الدبلوم) وأكثر من 65 ألفًا من حملة شهادة البكالوريوس الجامعية كذلك، هناك 600 غزي عاطل عن العمل من حملة درجة الماجستير، والعشرات من حملة الدكتوراه في قطاع غزة.

تأثيرات شاملة

بدوره، يقول وكيل مساعد وزارة التربية والتعليم لشؤون التعليم العالي “أيمن اليازوري إن العملية التعليمية تأثرت بشكل كبير بفعل الحصار الإسرائيلي وأدى لمحدودية فرص العمل، وهو ما انعكس على الطلاب في الوقت الذي تقترب فيه معدلات البطالة في صفوف الأسر إلى 50%.

ويتابع اليازوري في حديثه: ” العملية التعليمية في الجامعات غير مجانية والرسوم متفاوتة سواء المؤسسات الجامعية الحكومية ذات الأسعار المخفضة التي لا تقل عن 12 دينارًا أردنيًا للساعة الدراسية الواحدة والتي لا توفر جميع التخصصات، أو التعليم العام والخاص والذي تصل فيه معدلات الساعة الدراسية الوحدة من 25 دينارًا أردنيًا إلى 80 دينار أردني في التخصصات الطبية والصحية. (الدينار = 1.4 دولارًا أمريكيًا).

ويبين أن الكثير من الطلاب الحاصلين على معدلات فوق 90% في الثانوية العامة غير قادرين على استكمال شهادتهم، ويتجهون بشكل كبير لوزارة التربية والتعليم لتوفير منح دراسية لهم من أجل إتمام دراستهم الجامعية.

ويضيف المسئول الحكومي في وزارة التربية والتعليم بغزة أن وزارته توفر بعض المنح في الجامعات والكليات التابعة لها والتي لا تشمل كافة التخصصات الهندسة أو الطبية والصحية المتنوعة مما يحرم الطلاب المتميزين من الالتحاق بهذه التخصصات.

ويوضح أن الحصار الإسرائيلي المفروض وتداعياته أثرّ على نحو 30 % من الطلاب الجامعيين بغزة ودفعهم إلى تأجيل فصولهم الدراسية وتراكم المواد الدراسية لسنوات، وذلك ناتج من عدم قدرتهم على توفير الرسوم الدراسية مطلع كل عام دراسي.

ويبين أنه وفقًا لتقديرات وزارة التربية والتعليم فإن إغلاق معبر رفح بشكل شبه دائم من قبل السلطات المصرية أدى لحرمان مئات الطلاب الغزيين من الالتحاق بمنحهم الدراسية وفقدانها بشكل سنوي.

ويطالب المسئول الحكومي السلطة الفلسطينية ووزير التربية والتعليم بضرورة العمل على توفير صندوق لدعم الطالب الفلسطيني والعمل على توفير منحة دراسية وقروض ميسرة تمكن الطلاب من إتمام تعليمهم الجامعي لا سيما في ظل تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة بفعل الحروب وسنوات الحصار.

في جانب متصل، يؤكد اليازوري أن وزارة التربية والتعليم عملت على توفير بعض المنح الداخلية عبر الجامعات الفلسطينية المحلية الحكومية والخاصة مطلع العام الدراسي الحالي من أجل المساهمة في التخفيف من معاناة الطلاب الاقتصادية.

ويشير إلى أن بعض الجامعات تعاطت وعملت على توفير هذه المنح الدراسية التي وصلت لنحو 320 منحة دراسية في تخصصات صيدلة وهندسة وما هو أقل، في حين لم تتوفر أي منحة لتخصصات الطب بفعل ارتفاع تكلفتها المادية وصعوبة توفيرها في ظل تعرض الجامعات المحلية لأزمات مالية بفعل ظروف الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عشر سنوات.

ويدعو المسئول الحكومي، السلطة الفلسطينية لضرورة فتح ملف المنح الخارجية التي يجري منحها لغير مستحقيها وبعض الطلاب بناءً على علاقات شخصية مع بعض السفراء والمسئولين في مؤسسات السلطة الفلسطينية.

يوسف سامي

صحفي فلسطيني، من قرية نعليا المحتلة عام 1948، حاصل على درجة البكالوريس في الصحافة والإعلام، عملت في عدد من الصحف المحلية والعربية والمواقع الإلكترونية منذ عام 2010.
زر الذهاب إلى الأعلى