الحقائق العلمية تهدم دعاوى التمييز العنصري بين البشر
المؤمنون بالتمييز العنصري يدَّعون أن أجناسًا من البشر أرقى من أجناس أخرى. وفي زعمهم أن الإنسان الأبيض أرقى من أخيه الأسود! وعلى الرغم من أن هذا كلام ما أنزل الله به من سلطان، إلا أن أنصار التمييز بين ولد آدم يزعمون أن العلم يسند دعواهم! فهل حقًا يسند العلم أباطيل التمييز بين البشر، انطلاقًـا مـن اختلاف لون جلودهم؟! وهل هناك دليـل علمي على أن الإنسان الأبيض أرقى مـن أخيه الأسود؟!
الإجابة على هذه الأسئلة، وأشباهها، تأتي – عَرَضًا – من أبحاث الجينات.
أربعة جينات:
من النتائج الطريفة التي توصلت إليها أبحاث الجينات أنّ جسم الإنسان – أيّ إنسان – يحتوي على مائة ألف ( 100000) جين.
وكلمة “جين” “gene”، هي اللفظة التي تطلق على ” ناقلات الصفات الوراثية “. هذه الجينات المائة ألف عند كل إنسان، هي التي تحدد كل ما يتعلق ببِنْيَة الإنسان: طول قامته، حجم جسمه، لون عينيه، لون شعره، لون جلده، شكل أصابعه، طبيعة بَشَرته (ناعمة أم خشنة) إلى غير ذلك من سائر الصفات الجسمانية التي يضيق المقام عن حصرها. والجينات تحدد كذلك ما إذا كان إنسانٌ بعينه يمكن أن يصاب بمرض معين أم لا، مثل البول السكري، والنَّقْرِس وارتفاع ضغط الدم، والتهاب القولون، وانفصام الشخصية، والاكتئاب، والتهاب المفاصل الروماتيزمي، و … مما لا حصر له إلا في مراجع الطب وعلم الجينات.
أول دليل يقدمه علم الجينات على بطلان دعوى التمييز العنصري، هو أنّ أربعة (4) جينات فحسب ( من بين مائة ألف ) هي التي تحدد لون جلد الإنسان! وقد ظهر من أبحاث الجينات التي أجريت على مئات حالات الزواج المختلط بين البيض والزنوج) أن الجينات الأربعة التي تتحكم في لون الجلد، هي المسؤولة عن ظهور الدرجات الأربع التي يتلون بها جلد الإنسان، والتي تقع بين اللون الأسود في طرف، واللون الأبيض في الطرف الآخر (درجتا اللون الواقعتان بين ذلك هما اللون الأسمر واللون الأصفر أو القمحي).
فيتامين “د”:
من المعلومات الطريفة التي يقدمها علم الجينات كذلك أن لون جلـد الإنسان لا علاقة له بالرقي أو التخلف، وإنما يرتبط بفيتامين “د” ( فيتامين “دال” Vitamin D)! فكيف ذلك؟!
هناك ثلاثة صور (أو أنواع) من فيتامين “د” تعرف باسم “د1″، “د2″، “د3” والصورة (أو النوع) من فيتامين “د” الموجـودة في جسم الإنسان (والحيوان) هي “د3″.
فيتامين ” د3 “، يُصْنَعُ في جسـم الإنسان، تحت تأثير الأشعة فـوق البنفسـجية الموجودة في أشـعة الشـمس، مـن أحـد مركبـات الكوليسترول. وبعد تكوّن فيتامين “د3” تحت الجلد، يُعَالج في الكبد ثم في الكُلْيَتين لتحويله إلى مادة نشطة. [تضاف إلى المركب في الكبد مجموعة “هيدروكسيل”، ثم تضاف في الكليتين مجموعة “هيدروكسيل” ثانية، ليتحول المركب إلى مادة فعالة بيولوجيًا. ومجموعة “هيدروكسيل”hydroxyl group، اسم كيميائي يطلق على جزيء مكون من ذرة من الهيدروجين وذرة من الأكسجين، ويكتب رمزًا هكذا: “يد أ” “OH”].
فيتامين “د3” (في حالته النشطة أو الفعالة بيولوجيًا) لازم لامتصاص الكالسيوم (الذي يتناوله الإنسان في الطعام) من الأمعاء. والكالسيوم “calcium” واحد من أهم الأملاح المعدنية في جسم الإنسان. فهو مادة بناء (أو تكوين) العظام والأسنان. ثم إنه لازم لعمل عضلة القلب، ولعمل الخلايا العصبية، ولتجلط الدم، فضلًا عن دخول الكالسيوم في عشرات العمليات الحيوية في الجسم. إذن الكالسيوم ضرورة حياة للجسم. لهذا يحرص الجسم على توفير فيتامين “د3” اللازم لامتصاص الكالسيوم من الأمعاء. فبدون هذا الفيتامين لا يُمتص أيُّ مقدار من الكالسيوم في الأمعاء. وبالتالي، فإن فيتامين “د3” ضرورة حياة كذلك.
لكنْ ماذا يحدث إذا كوَّن الجسم مقدارًا كبيرًا من هذه المادة عظيمة النفع : فيتامين “د3” ؟! العجيب بشأن الجسم الحي أنه يحتاج إلى ما يحتاج إليه من مختلف المواد بمقدار محدد دون زيادة أو نقصان – حتى وإن كانت تلك المادة ضرورة حياة! وعلى ذلك ، إذا زاد مقار فيتامين “د” في الجسم عما يحتاج إليه الجسم ، حدث ما يسمى “التسمم بفيتامين د” “hypervitaminosis D” . ويؤدي التسمم بفيتامين “د” إلى الشعور بالغثيان والقيء والإمساك والدوخة .
لـون الجـلـد:
ذكرنا سلفًا أن فيتامين “د” يتكون في جسم الإنسان بتأثير أشعة الشمس. وحتى لا يحدث التسمم بفيتامين “د”، يتعين حماية الجسم من التأثير المفرط لأشعة الشمس في المناطق المشمسة من العالم. والاستجابة الطبيعية لذلك أن يكون لون الجلد داكنًا، لأنه في هذه الحالة (أيْ عندما يكون الجلد داكنَ اللون) سوف يمتص مقدارًا قليلًا من أشعة الشمس، هو فحسب المقدار اللازم لتكوين ما يحتاج إليه الجسم من فيتامين “د”!
فانظر إلى إحكام الصنعة وإبداع الخِلْقَة. ليس في الطبيعة شيء عشوائي، وإنما كل شيء له حكمة، وكل شيء بمقدار! وسبحان “الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى”.
والناظر إلى ارتباط لون جلود البشر بالطبيعة الجغرافية للمعمورة، يدرك بسرعة صدق التفسير الذي يقدمه علم الجينات. فكلما اقتربنا من خط الاسـتواء (وهو خط وهمي يقسم الأرض أفقيًا إلى نصفين شمالي وجنوبي) حيث يصل إشراق الشمس إلى أقصى مداه، وجدنا أن لون جلد البشر يزداد دُكْنَة (أي يصير أغمق) رويدًا رويدًا إلى أن يصبح أسود قاتمًا. وبالمثل، لو ابتعدنا عن خط الاستواء إلى شمال الأرض، وجدنا لون جلد البشر يصير أفتح فأفتح إلى أن يصبح أبيض تمامًا. وسبب ذلك – مرة أخرى – أن مقدار أشعة الشمس الذي يصل إلى الإنسان الساكن في شمال الأرض قليل جدًا، بحيث يلزم أن يُمتص كله ليستطيع الجسم تكوين المقدار الذي يحتاج إليه من فيتامين “د”. وتحقيقًا لذلك يصير لون الجلد فاتحًا تمامًا ( أبيض ).
على ذلك، فإن لون جلد الإنسان مرتبط بحاجة جسمه إلى فيتامين “د” من ناحية، وبالطبيعة الجغرافية للمكان من المعمورة الذي يعيش فيه من ناحية أخرى. ولا توجد صلة من أي نوع بين لون جلد الإنسان وبين رقيّه أو تخلّفه عقليًا أو جسمانيًا!
تَحوّر الجينات:
يُستدل من تغير لون جلد الإنسان بتغير الطبيعة الجغرافية لبيئته، على أن الجينات تهيئ الجسم للتكيف مع البيئة وتتحوّر وفقًا لذلك، بما يحفظ للإنسان صحته ويضمن استمرار وجوده. يؤكد صحة هذا الاستنتاج عدد آخر من الأدلة يسوقها علم الجينات.
وكمثال على تحور الجينات، وجود جين معين عند بعض القبائل الأفريقية يؤدي إلى تغييــر شكل خلايا الـدم الحمراء بحث تأخذ شكل مِنْجِل (sickle cell) بـدلًا من شكلها الطبيعي، الذي هـو قرص مقعر السطحين (biconcave disc). وعند دراسة سـبب وجود هذا الجين عند هؤلاء القوم خاصة، اتضح أن تلك القبائل تعيش في مناطق موبوءة بالملاريا، وأن تحور خلايا الدم الحمراء إلى شكل المِنْجَل يجعلها عالية المقاومة للإصابة بالحيوان الأولي المسبب للملاريا!
جدير بالذكر أن تحور الجينات لا يحدث بين يوم وليلة، ولا يظهر أثره في جيل واحد. فالطبيعة تعمل ببطء شديد. إلا أن العامل الحاث (مثل أشعة الشمس الشديدة أو الملاريا) إذا استمر موجودًا في بيئة الإنسان لزمن طويل (عدة سنوات) واستمر تعرض الإنسان للعامل الحاث بصورة مستمرة، فسوف يؤدي ذلك على المدى البعيد إلى حدوث تحور تدريجي، تكون نتيجته ظهور صفة جسمانية جديدة في الأجيال التالية لتحمي الإنسان من الأثر الضار للعامل الحاث.
توافق الأنسجة:
من الظواهر التي تجدر الإشارة إليها، لأهميتها في حسم الجدل حول التمييز العنصري، الظاهرة المسماة ” توافق الأنسجة ” “histocompatibility”، والتي اكتشفت نتيجة لعمليات زراعة الأعضاء.
فقد لوحظ في أول العهد بزراعة الأعضاء أن جسم الإنسان المستقبِل يرفض العضو المزروع فيه، ويهاجمه بعنف في معركة حامية الوطيس، تكون فيها أجسام المناعة السلاحَ المستخدمَ ضد العضو الغريب. وظاهرة الرفض – كما تسمّى في لغة الطب “rejection ” – تؤدي إلى قتل خلايا العضو المزروع، ثم إلى موت الإنسان المُستقبِل (نتيجة وجود عضو ميت داخل جسمه).
دراسة ظاهرة الرفض أدت إلى اكتشاف وجود مواد بروتينية على أغشية (أو أغلفة) الخلايا الحية، أطلق عليها اسم “مُولّدة الأجسام المضادة ” (أو العامل الحاث لتكوين أجسام مضادة) “antigens”. وعلى الرغم من وجود هذه المواد البروتينية على سطح (أو غشاء أو غلاف) كل خلية حية عند كل إنسان، إلا أن تركيبها الكيميائي يختلف من إنسان إلى آخر!
أوضح مثـال (أو تطبيق) لوجود هذه العوامل الحاثـة لتكوين أجسـام مضادة، هـو تصنيف خلايا الـدم الحمراء إلى فصائل “أ”، “ب”، “صفر” (ABO blood groups). فهذا التصنيف مبني على وجود مواد بروتينية على سطوح خلايا الدم الحمراء، تؤدي – عند دخول تلك الخلايا إلى جسم إنسان غير متفق في الفصيلة – إلى تكوين أجسام مضادة (ينتجها جهاز المناعة) للخلايا الغريبة. وهذا هو السبب في ضرورة توافق فصائل الدم بين شخصين، قبل نقل دم من أحدهما إلى الآخر.
خلايا الدم الحمراء ليست إلا نموذجًا واحدًا من عشرات أنواع الخلايا الحية في جسم الإنسان. وكما يلزم توافق خلايا الدم الحمراء قبل عمليات نقل الدم من متبرع إلى مستقبِل، كذا يلزم توافق الخلايا بين أنسجة المتبرع بعضو ما (مثل القلب أو الكُلْيَة) وأنسجة المستقبِل، قبل زراعة ذلك العضو. وهذا هو المقصود بتعبير “توافق الأنسجة” Histo – compatibility.
تحقيق توافق الأنسجة يجري في معامل (مختبرات) متخصصة، من خلال عملية تسمى “تصنيف الأنسجة” “tissue typing” (مثلما يجري تصنيف فصائل الدم في المختبر باختبار معين). وقد أظهرت اختبارات تصنيف الأنسجة أن تحقيق توافق الأنسجة بين اثنين من البشر أمر بالغ الصعوبة. فخلايا البشر تختلف من إنسان إلى آخر، تمامًا مثلما تختلف بصمات أصابعهم! بتعبير آخر، فعلى الرغم من أن التركيب التشريحى للبشر واحد، والوظيفة البيولوجية لأي نوع من الخلايا واحد، إلا أن كـل إنسان كائـن فريـد، لا تتـطابق خلاياه مع خلايا إنسـان آخر، مثلما لا تتطابق بصمات الأصابع!
الآن نذكر أن سبب هذا الاختلاف في فصائل خلايا البشر هو الجينات. فالجينات هي التي توجه وتتحكم في التركيب الكيميائي لتلك المواد البروتينية على سطوح الخلايا الحية، المولدة للأجسام المضادة (والتي على أساسها يقوم تصنيف الأنسجة).
هذا التنوع في الجينات (وبالتالي التنوع في تركيب المواد البروتينية على أسطح الخلايا) أكبر بين الأفراد منه بين الشعوب أو الأجناس البشرية المختلفة! فإذا نظرت – مثلًا – إلى شعب أفريقي، وجـدت سِماتٍ كثيرةً مشتركةً بين أبنـاء ذلك الشعب، ووجدت فوارقَ بسيطةً بينهم. ونفـس النتيجة تصل إليها إذا نظرت – مثلًا – إلى شعب السويد.
ففي المثال الأول تجد أن شعب الكاميرون – كمثال من أفريقيا – له جلد أسود اللون، وعيون سوداء، وشعر خشن، وطول قامة متوسط، وقـوام نحـيـف (على الجملة). ثم إذا نظرت إلى شــــعـب الســـويد في المثال الثـاني (كنموذج لشعب أوروبي) وجدت الناس لهم بَـشَــرة بيضاء وشــعـر ناعم قليل الصبغ (أبيض أو أصفر قليلًا) وعيون زرقاء، وطول قامة متوسط وقوام نحيف (على الجملة). ثم إذا نظرت إلى شعبين من جنس واحد، كالشعب السويدي والألماني من الجنس الأوربي، أو شعب نيجيريا والكاميرون من جنس الزنوج، وجدت كذلك أن الفوارق بسيطة بين الشعبين من أي جنس.
علم الجينات يصوغ هذه الملاحظات – أو الحقائق – بلغة الأرقام، فيخبرنا أن اختلاف الجينات بين أي شعبين لا يتجاوز سبعة ونصف في المائة (7.5 %) من مجموع اختلاف (أو تنوع) الجينات الممكن. وكذا فإن اختلاف الجينات بين أي جنسين من البشر لا يتجاوز سبعة ونصف في المائة (7.5 %). بينما اختلاف الجينات بين أي اثنين من البشر من أي جنس أو شعب يصل إلى خمسة وثمانين في المائة (85 %)!
ولما كانت الجينات هي التي تحدد جميع الصفات الخِلْقية لأي إنسان، فإننا نخلص من الكلام السابق إلى أن الزعم بوجود جنس بشري أرقى من جنس آخر (عقليًا أو بدنيًا) زعم باطل ليس له سند علمي. بل إنَّ الحقيقة العلمية تدحض التمييز العنصري وتهدمه من أساسه.
ذكرى للعالمين:
يقول الحق تبارك وتعالى: ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعـوبًا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله اتقاكم، إن الله عليم خبير” [13 : الحجرات ].
قال العلامة ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة: ” فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية، وهي طاعة الله تعالى ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم”. انتهى كلامه رحمه الله.
وروى الإمام البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ الناس أكرم؟ قال: ” أكرمهم عند الله أتقاهم”.
وروى الإمام أحمد في مسنده، من خطبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، في وسـط أيام التشريق، قال فيها: “يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد. أَلاَ لا فضـل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى”.
وعلى ذلك فإن اختلاف ألوان البشر ليس مدعاة للتفاضل بينهم، ولا يصح سببًا للتمييز بينهم، بل هو آية من آيات الله تبارك وتعالى، تدل على كمال قدرته وبديع صنعته، كما بيّن الحق جل وعلا في محكم التنزيل: “ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمراتٍ مختلفًا ألوانُها، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود. ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك، إنما يخشى الله من عباده العلماء، إن الله عزيز غـفـور” . [27 – 28 فاطر] .