تحقيقات زدني

السرقات العلمية في الجزائر (٢) .. كيف ضربت مصداقية التعليم؟

يروي الباحث والمحلل السياسي و الأستاذ الجامعي في جامعة وهران غرب الجزائر العاصمة، محمد قنطاري، البالغ من العمر 51 عامًا، استياءه من سرقة أجزاء من أطروحاته، وأبحاثه العلمية، وروى المتحدث في تصريحات خص بها ” فريق زدني” تفاصيل السرقة التي طالت أبحاثه وأطروحاته التي لها علاقة بالثورة الجزائرية، قائلًا إنه تعرض لسرقة من طرف ديوان المطبوعات الجامعية، وتتعلق الأطروحة التي سرقت من طرف الديوان بحرب العصابات الاستنزافية ودورها في قتال المدن والشوارع.
وذكر قنطاري محمد “لفريق زدني”، إنه تقدم لإيداع شكوى رسمية إلى الجهات المعنية ومصالح الشرطة الجزائرية، إلا أنها رفضت الاستماع له بحجة أنه لا يخول لها التحقيق في مثل هذه الحوادث، مشيرًا الى أن القضية بقيت حبيسة أدراج وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بسبب غياب إجراءات ردعية تحد من هذه الظاهرة، مضيفًا أنها ليست السرقة العلمية الوحيدة التي تعرض لها في مشواره التعليمي.

السرقات العلمية تضرب مصداقية التعليم العالي

من دون تأنيب للضمير ولا رقابة ذاتية، يمارس عديد الأساتذة الجامعيين “الفاشلين” في الكثير من الجامعات الجزائرية فضائح كبيرة ومتعددة، من أهمها وأخطرها فضيحة السرقة العلمية لأعمال منجزة من جامعات جزائرية أخرى أو من جامعات العالم العربية أو الدولية، سواء بالنقل الحرفي أو بالترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية، فحتى البحوث والأعمال الفردية والجماعية التي تقدم للطلبة في الأعمال الموجهة أو التطبيقية لم تسلم من السرقة هي الأخرى، فكثيرًا ما ضبطت طلبة في إطار الأعمال الموجهة يقومون بعمليات النسخ واللصق والسحب لمقالات تقدم على أساس أنها بحوث أو بطاقات مطالعة لكتب، وحتى في إطار علميات الإشراف على مذكرات التخرج ضبطت سرقات لأعمال ومذكرات تخرج ورسائل ماجستير ودكتوراه من جامعات عربية من خلال عمليات المسح والرقابة الإلكترونية حتى أصبح الكثير منهم يعترفون بما يقوم به زملاؤهم في كل ما يقدم لهم في الأعمال الموجهة أو عند إعداد مذكرات التخرج.

سرقات علمية تدخل العلاقات الجزائرية الخارجية في متاهات

عرفت الجامعات الجزائرية تجاوزات خطيرة مست في بعض الأحيان، بعلاقة الجزائر مع بعض الدول الشقيقة، واضطر عمداء الجامعات إلى تقديم اعتذارات رسمية، وقدمت مؤخرًا جامعة الجزائر 1، بن يوسف بن خدة، اعتذارًا رسميًا لوزير الخارجية المغربي السابق سعد الدين العثماني، بعد تقديمه لشكوى بتعرضه لسرقة أدبية من طرف أحد الباحثين بالجزائر.

واعترفت الجامعة -في مراسلتها التي يحوز فريق ” زدني ” نسخة منها- صحة شكوى وزير الخارجية المغربي السابق بعد تعيين لجنة خبرة حول الموضوع، التي أثبتت بعد مقارنة الصفحات، حيث تمت السرقة من بوعبد الله بن عطية، بجامعة حسيبة بن بوعلي بولاية الشلف، الذي سرق أغلب ما ورد في كتابه “تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة”، وقام بنشره في مجلة الجامعة في مقال علمي دون الإحالة لصاحب الكتاب. وأكدت جامعة الجزائر 1 أنها لا تقبل مثل هذه التصرفات، بل وتحاربها بكل الوسائل المكنة، مؤكدة أنها قامت بإرسال ملف كامل لوزارة التعليم العالي من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية المنصوص عليها وتطبيق العقوبات الردعية.

أما محليًا، وفي نهاية شهر نوفمبر المنصرم، ألغى المجلس العلمي لكلية الحقوق فرع تأمينات بالجزائر، 3 رسائل ماجستير، بعد أن تبين أن مذكرات التخرج ووفقًا لتقارير علمية منسوخة من أعمال أخرى، ما استدعى إقصاء أصحابها من التسجيل في طور ما بعد التدرج، وأحالتهم إلى المجلس الأخلاقي للجامعة بتهمة السرقة العلميةـ تطبيقًا لأحكام المادة 24 من أحكام القانون المتعلق بالبحث العلمي، في الفصل الثامن المتعلق بالتأديب في الجزائر، والتي تنص على ما يلي” يعتبر خطأ مهنيًا من الدرجة الرابعة قيام الأساتذة الباحثين ومـشاركتهم في عـمل ثابت للانتحال وتزوير النتائج أو غـش في الأعمال العلمية المطالب بها في رسائل الـدكتوراه أو في أي منشورات علمية أو بيداغوجية أخرى”.

وعرفت جامعة سعب دحلب بالبليدة، سرقة علمية خطيرة، سنة 2013، بطلها أستاذ قام بنسخ أبواب وفصول من 3 كتب مختلفة ومن أطروحة دكتوراه للباحثة المصرية، نعمت عبد اللطيف مشهور، بشكل حرفي، ونقلها إلى رسالة الدكتوراه الخاصة به، التي دار موضوعها حول الزكاة في الجزائر، وقام الأستاذ بسرقة الفصل المتعلق بتجربة بيت الزكاة الكويتي وتجربة اليمن، من كتاب “الإطار المؤسسي للزكاة: أبعاده ومضامينه”، لكاتبيه الجزائريين بوعلام بن جيلالي ومحمد العلمي، كما نقل حرفيًا في أطروحته “تجربة اليمن” من الكتاب نفسه وذلك من الصفحة 150 إلى الصفحة 160 دون الإشارة إلى صاحب المرجع!

رفض وشجب لواقع البحوث ومطالب بالتحرك

يقول عميد كلية الإعلام والاتصال، أحمد حمدي، في تصريحات صحافية لفريق ” زذني ” إن البحوث العلمية في الجزائر تحوم حولها العديد من السلبيات، والسياسية الوطنية للبحث العلمي، لم تحقق أهدافها بشكل دقيق، حيث بقي البحث العلمي في الجزائر يراوح مكانه، فلم تعمل هذه السياسة على جعل البحث العلمي ضمن عجلة التنمية الوطنية مواكبًا ومؤطرًا ومندمجًا في مختلف دواليب الاقتصاد الوطني حسب التخصصات.

وقال المتحدث، إن الباحث الجزائري أيضًا لا زال يراوح مكانه، بل رفع الراية البيضاء واستسلم أمام ظاهرة السرقة العلمية، فلم يعد يلعب الدور المنوط به فلم يعد يقيم ويثمن، وأصبح يتجاهل كل البحوث العلمية المسروقة، ومن بين الأسباب التي ساهمت في انتشار هذه الظاهرة قال عميد كلية الإعلام والاتصال إن الميزانية المخصصة للبحوث العلمية ضعيفة مقارنة بالدول الأخرى، رغم أن المنجزات العلمية والثقافية تعتبر أداة من أدوات صناعة المستقبل.

وأوضح عميد كلية الاعلام والاتصال لـ”زدني” إنه يجب تجريم هذه الظاهرة، فهي تتنافى مع أخلاقيات البحث العلمي، ومن بين العوامل التي ساهمت في تفشي هذا الوباء داخل الجامعة الجزائرية، استدل المتحدث بتكنولوجيا وسائل الإعلام والاتصال وبروز ظاهرة “انسخ والصق” لكن تبقى ظاهرة فردية، وفي أغلب الأحيان يكون ضحيتها الأساتذة المشرفون قبل غيرهم، مشيرًا الى أن هذه الظاهرة لم تمس فقط الجامعة الجزائرية فقط بل طالت كبرى الجامعات في العالم العربي، ويجب أن تكون مكافحتها بكل حزم وصرامة.

ومن جهته، قال الدكتور الجامعي الجزائري، محمد لعقاب، في تصريحات صحافية لفريق ” زدني ” إن بعض الباحثين الجزائريين يسطون على منجزات الآخرين، بغية الحصول على شهادات أو تولي مناصب عليا وكسب المال، بالإضافة إلى استسهال البعض عدم توثيق المقتبسات العلمية، ما يجعلها عرضة للسرقة”.

تفشي السرقات العلمية

وفي وقت تفشت هذه الظاهرة في أوساط الجامعة الجزائرية لا زالت وزارة التعلم العالي والبحث العلمي تتعامل بأسلوب التعليمات التي بقيت مجرد حبر على ورق، وعجزت عن إيجاد حلول للقضاء على هذا الوباء الذي تفشى في الجامعة الجزائرية، واكتفى وزير التعليم العالي والبحث العلمي الجزائري، الطاهر حجار بتوجيه دعوة إلى كافة الشركاء، مطالبًا إياهم بالتحرك إلى مواجهة ظاهرة السرقات العلمية عن طريق تفعيل آليات الوقاية والرقابة أو تسليط العقاب إن استدعت الضرورة.

ورفض وزير التعليم العالي الجزائر، في أخر تصريح أدلى به بخصوص هذا الموضوع، تقديم إحصائيات عن هذه الظاهرة، واكتفى بالقول إن السرقات العلمية في الجزائر ليست سوى بعض السرقات التي لا تكاد تذكر إذا ما قارناها بما يحدث في العالم.
ومن بين التعليمات التي أصدرتها وزارة التعليم العالي الجزائرية التعليمة التي تحمل رقم 194 يوم 21 أبريل 2015، طالبت فيها بضرورة تطبيق أقصى درجات الصرامة ومراقبة التربصات بالخارج وتضمنت التعليمة شروطًا جديدة، كما وجهت الوزارة أمرًا لجميع الجامعات بالعمل عبر الوسائط الإلكترونية ذلك لتقييم المهمات والتربصات بصفة منتظمة ومباشرة.

وفي ظل غياب أرقام رسمية بخصوص الرسائل الجامعية المستنسخة، كشفت دراسة أعدّها الأستاذ الجامعي خالد عبد السلام من جامعة سطيف2، أنّ “نسبة النسخ واللصق للمذكرات والبحوث العلمية في مختلف التخصصات بلغت أزيد من 75%”، وقد وصل الباحث إلى هذه النتيجة بعد إجراء استطلاع مسّ عيّنة مكونة من مائة طالب يدرسون الماجستير والدكتوراه، كما شملت الدراسة سبعة تخصصات بعدة جامعات، وذلك في الفترة الزمنية بين 2008 و2012.

الجامعات الجزائرية تتذيل التصنيفات العالمية

وشوهت ظاهرة السرقات العلمية سمعة الجامعة الجزائرية، وخلت التصنيفات الأخيرة التي نشرتها عدد من المعاهد الدولية للجامعات من اسم أية جامعة جزائرية، كتصنيف ” شنغهاي الدولي للجامعات ” الذي لم يتضمن اسم أية جامعة جزائرية ضمن أفضل 500 جامعة على المستوى العالمي، حسب الترتيب الصادر في فبراير/شباط 2016، ويعتمد هذا التصنيف على الأداء الأكاديمي في ما يتعلق بالبحوث العلمية وكذا حجم الدراسات والأبحاث المنشورة في المجلات.

وأسقطت مؤسسة “تايمز هاير إيديوكيشن” البريطانية المتخصصة، جميع الجامعات الجزائرية في تصنيف أفضل 800 جامعة في العالم لشهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، ويقوم الترتيب على معايير التدريس والبحث ونقل المعرفة.

وقيم تصنيف “ويبومتريكس” العالمي للجامعات، الذي يصدر من إسبانيا عن المجلس العالي للبحث العلمي ويغطي 25 ألف جامعة، جامعة جيلالي ليابس بسيدي بلعباس غربي الجزائر في المرتبة 1733 عالميًا و الـ21 عربيًا كأفضل ترتيب لجامعة جزائرية وفقًا لتنصيف شهر يناير/كانون الثاني الماضي، واحتلت جامعة سعد دحلب بالبليدة المركز 3760 عالميًا و89 عربيًا، فيما جاءت جامعة خنشلة شرقي الجزائر(جرت فيها أكثر وقائع السرقات) في المرتبة 14393 عالميًا والـ 389 على الصعيد العربي.

زر الذهاب إلى الأعلى