رؤية مثقف

الغاية الأولى والأساسية من التعليم

تبادر إلى ذهني العديد من الأسئلة حول المواضيع التي يمكنني أن أكتب فيها، بناءً على تجربتي المتواضعة في التوجيه والإرشاد المدرسي في الجزائر. فلم أجد خيرًا من موضوع الغاية الأولى والأساسية من التعليم، كون هذا الموضوع لا يزال محور أخذ ورد بين أصحاب النظريات التربوية على المستوى العالمي، كما يزداد النقاش حول هذا الموضوع حدة، إذا ما تعلق بالمجتمعات العربية.

لقد تعددت الكتابات والبحوث فيما يتعلق بالتعليم والتربية وغايتهما المنشودة، والفائدة التي يجب أن تجنى منها، لكنني أكتفي من خلال هذا المقال بتقديم شهادة واحدة فيما يتعلق بتعريف العلم وتحديد غرضه للخبير البريطاني في مجال التربية والتعليم (Sir Percy Nunn) من مقال له كتبه لدائرة المعارف البريطانية.

“لقد سلك الناس مسالك مختلفة في التعريف بالتربية، ولكن جميعها تلتقي عند فكرة جوهرية مفادها: أن التربية هي الجهد الذي يقوم به آباء الشعب ومربوه لإنشاء الأجيال القادمة على أساس نظرية تشمل تراثً ومعتقدات ومبادئ يؤمنون بها، إن وظيفة المدرسة التأثير في التلميذ وجدانيًا بصورة تجعله يتحمس ويؤمن بتلك المعتقدات والمبادئ، وتربّي التلميذ تربية تمكن من استمرار تواتر مختلف القيم التي تميز شعبًا بعينه، وتمد يده إلى الأمام، بمعنى تحفظه من الاندثار والانحلال والتأثر بقيم ومعتقدات الشعوب الأخرى.

ما هي غاية التربية؟

مهما استرسلنا في التفكير والتدبر حول الغاية من التربية وما يُراد بها؟ فإن الإجابة الوافية على هذا السؤال تكون بالنظر لسبب دفع المجتمعات الرائدة في هذا الميدان للمواهب الفنية على التعليم، وإنفاقها بسخاء وعلى طريقة منظمة، قصد تجنب حدوث فجوة بين الأمة وما تعتز به من معتقدات وأغراض، وتراث حضاري وعلمي، وتصورات كالعدل والمساواة وفصل الدين عن الحياة وغيرها من المبادئ التي تتبناها المجتمعات الغربية في عصرنا الحالي، وسواء كان ذلك مما ينبغي الاعتزاز به أم لا، لكن الشيء الذي تحبه والمعتقدات التي تعتز بها والتصورات والقيم والمثل والعقائد والأفكار التي تتغنى بها والتراث الذي توارثته من آبائها وأسلافها، بعد ما يعرف بعصر التنوير أو عصر النهضة، ينبغي أن يكون ربطه بالأمة والأجيال القادمة الهدف الأساسي والمحوري لعملية التعليم.

إن مسؤولية التعليم هوأن ينقل التراث للأجيال اللاحقة، ذلك التراث الذي ربما قاتلت تلك الأمة في سبيله وحاربت وجاهدت، وضحت بعزها وشرفها

يجدر التنويه والتأكيد أن عملية التربية والتعليم يكون دورها عقيمًا، في حال ما إذا اقتصر دورها على نقل وتصدير القيم والمبادئ والتراث، ولم يتم تعميقه في قلوب وأذهان النشء ويجعل القلوب والعقول تستسيغه وتتذوقه، ولا يعود نابيًا أوأجنبيًا لديها بحيث تترفع عنه، بل يعود مألوفًا لديها محبوبًا عندها ويصير طبيعة لها.

أما اذا كان التعليم يزعزع عقائد التلاميذ عن شعور أومن غير شعور عن قصد عن خطأ أوعن خطة مدبرة ويزعزع جذور قيمهم في قلوبهم، ويفكك عراها ويمزقها: ويثير في قلوبهم شكوكًا وشبهات لا تزول، وصراعًا نفسيًا يؤدي الى حروب دامية شعواء بين تلك المفاهيم والتصورات والمعتقدات والأفكار. فينبغي هنا الوقوف وقفة رجل واحد ضد تلك الأنظمة التعليمية التي يكون عدم وجودها خيرًا من الاعتماد عليها في مدارسنا وجامعاتنا العربية الحبيبة.

فإذا كان تلميذنا أومثقفنا اليوم لا يتحمس لمبادئ الأمة، ولا يقاتل في سبيلها، ولا يدافع عنها ولا يغامر من أجلها إذا دعت الحاجة إلى ذلك، إذا كان ذلك فإن هذا التعليم عدو لدود لمن يحصله، يجب أن يفر منه فرار الإنسان من الأسد بل أكثر من ذلك.

علي قدور

قدور علي مستشار التوجيه المدرسي و المهني أستاذ مساعد كلية العلوم الانسانية و الاجتماعية قسم الارطفونيا جامعة الجزائر 2
زر الذهاب إلى الأعلى