المكتبات الجامعية في الجزائر … بعضها تصارع من أجل البقاء وأخرى منتهية الصلاحية
“ كل حضارات الأمم تقاس بثقافتها، وتلك الثقافة تهمس لك وأنت تدخل أي مكتبة سواء جامعية أو خاصة حين ترى كتبًا مصطفة في رفوف وزوايا، فالمكتبة تلقب بمعقل الكنوز، لكن للأسف تحولت معظم المكتبات الجامعية في الجزائر، إلى مجرد مكان تجتمع فيه كتب منتهية الصلاحية أكل عليها الدهر وشرب، فهي مجرد تقليد بالنسبة لي وللكثير من زملائي“.
هكذا علقت “ث. حاكم“ طالبة جزائرية بكلية الطب بالجزائر العاصمة، على واقع المكتبات الجامعية.
وتقول الطالبة في تصريح لشبكة “زدني“: “لا تخلو جامعة في الجزائر من مكتبة مركزية، لكن للأسف تفتقر أغلبها إلى المراجع الجديدة، ولا تزال تستعمل الطرق التقليدية في البحث وإعارة الكتب، زيادة على هذا محدودية النسخ رغم العدد الهائل للطلبة، إضافة إلى المشاكل الإدارية التي تفرض على الطلبة، كشروط الإعارة فهي محددة بفترة قصيرة جدا تحدد بيومين، ومنع استخراج كتب ومذكرات الدكتوراه رغم عدم وجودها في المكتبات الخاصة:.
وتضيف المتحدثة أن معظم المكتبات الجامعية تفتقد للهدوء والانضباط وحتى التنظيم، فمعظم الطلاب يفضلون عدم اللجوء إلى المكاتب لإنجاز البحوث العلمية التي تتطلب هدوءًا كبيرًا.
المكتبات الجامعية في الجزائر تصارع من أجل البقاء
ويقول في الموضوع الأستاذ الجامعي في كلية الأدب واللغات جامعة حمة لخضر بمحافظة الوادي، عبد الرشيد هميسي، في تصريح لشبكة “زدني“ إن المكتبات الجامعية توفر شطرًا من الكتب التي يحتاجها الأستاذ الباحث فقط، ولذلك يضطر الطالب الجامعي إلى البحث عن الكتب في المكتبات الخاصة أو الولوج إلى الإنترنت. ويضيف: “المكتبات الجامعية تتوفر على التحديث موجود، لكنه لا يواكب سرعة نشر الكتب، وأيضًا هناك نقص في الوفرة، فالطالب يضطر لتصوير صفحات من الكتاب، ثم تلخيص ما يحتاجه منها وإعادة كتابتها على الكمبيوتر لطباعتها وإدراجها مع حلقة البحث المطلوبة“.
ومن جهته يرى الأستاذ الجامعي، عبد الحميد ديلوح، أن الكتاب الرقْمي أثر في الطريقة التقليدية كثيرًا؛ فالتدفق العالي للإنترنت سمح بمعطيات جديده كليا في آليات البحث يجب أن نستفيد منها وننخرط فيها بقوه، فمعظم المكتبات الكلاسيكية تصارع من أجل البقاء، والأمر ذاته ينطبق على الصحافة التقليدية الإلكتروني فكثير من الصحف ستنتهي حتما لصالح الصحف الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي. ويقترح المتحدث في تصريح لشبكة “زدني“ تحديث الكتب وتدعيم المكتبات بعناوين جديدة، وهذا طبعًا مشكل إداري فالإدارة لا تنفق كثيرا على شراء الكتب، ويشير إلى أنه في ظل استمرار أغلب الجامعات الجزائرية بالعمل بنظام المكتبات التقليدية وعدم لجوئها للرقمية، ويضطر الكثير من الطلبة والباحثين للجوء إلى مواقع بحث عالمية بهدف انجاز بحوثهم العلمية، أبرزهم طلبة الدكتوراه والماجستير.
كتبها لا تفي بالغرض المطلوب
وأمام استمرار أغلب الجامعات الوطنية بالعمل بنظام المكتبات التقليدية وعدم لجوئها للرقمية، قرر عدد معتبر من الأساتذة مقاطعة هذه المكتبات ويقول في هذا الصدد الأستاذ الجامعي ابراهيم صحراوي، في تصريح لشبكة “زدني“: “أنا شخصيًّا لا أرتاد المكتبات الجامعية في الجزائر لعدة أسباب أبرزها أن معظمها لا تملك لحد الساعة مكتبة رقمية، ما يجعل مقتنياتها قديمة جدًا وعتيقة لا تفي بالغرض المطلوب، مؤكدا أن المكتبة الحالية لم تعد تقدم الخدمة المطلوبة نظرا لصعوبة عملية الاستعارة بالطرق التقليدية، والالتزام بوقت قصير جدا لإعادة الكتب التي تعتبر في حد ذاتها نادرة جدا“.
المعاناة نفس نقلها الطالب الجامعي “رمزي ، د“ طالب في السنة الثالثة ماستر في تخصص أدب بجامعة بوزيعة لشبكة “زدني“، قائلًا أن الطلبة يعانون كثيرًا نتيجة عدم لجوء الجامعة إلى رقمية المكتبة، وهو المشروع الذي لا يزال حبيس أدراج الوزارة الوصية لسنوات.
وأكد أن الكثير من الطلبة الجزائريين يضطرون إلى التنقل لساعات كاملة بغية الحصول على الكتب التي تفي بالغرض المطلوب، بينما كان بإمكانهم البقاء في بيوتهم لو توفرت المكتبة الإلكترونية.
وأبدى المتحدث استغرابه من التصريحات التي أدلى بها وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الطاهر حجار، دعا فيها الطلبة الجزائريين وأساتذة الجامعات إلى الإقبال بقوة على استخدام الإنترنت وكذا تكنولوجيا الإعلام والاتصال في دراساتهم وبحوثهم من خلال الولوج إلى المكتبة الإلكترونية العالمية التي تشترك فيها الجزائر وتدفع مقابل ذلك أمولا باهظة، غير أن عدم إقبال الطلبة عليها حال دون استفادتهم منها.
رحلات للبحث عن المراجع
الأمر نفس أكده الطالب الجامعي، بن زخروفة محمد، في تصريح لشبكة “زدني“، وقال إن المكتبات الجامعية في الجزائر من ناحية المجال الأكاديمي نراها غنية بعناوين جديدة، لكن هناك عدة معوقات تحول دون حصول الباحث أو الطالب الجامعي على الكتب أبرزها عدم توفر نسخ كثيرة من العنوان الواحد، وأيضا عدم اهتمامها بالكتاب خارج الحقل الأكاديمي، وبخصوص المكتبة الإلكترونية يقول الطالب الجامعي إنه يفضل المكتبة الورقية من حيث قدرة الادراك والاحتفاظ بالمعلومة ومن إيجابياتها أيضا أنها في متناول الجميع.
وفي وقت يقطع العديد من الطلبة المئات من الكلومترات للحصول على مراجع لدراستهم، يضطر الكثير منهم لدى وصولهم إلى المكتبة الجامعية المقصودة للجوء إلى العلاقات الشخصية من أجل كتاب يفي بالغرض المطلوب، نظرا للفوضى التي تعم فيها إضافة إلى عدم اعتماد المكتبة على الرقمية لتسهيل أمور الطلبة.
وتقول في الموضوع “كهينة . أ“ طالبة جامعية في كلية علوم الإعلام والاتصال، في تصريح لشبكة “زدني“ إن مدة استغلال الكتاب محددة بيومين أو ثلاثة أيام فقط، وهي مدة غير كافية لقراءة الكتاب، ما يجعل الكثير من الباحثين والطلبة الجامعيين يلجؤون إلى الإنترنت لاقتباس المطلوب أو الاستعانة بالأصدقاء من جامعات أخرى لتبادل الكتب والمذكرات، فيما يضطر آخرون للتواصل مع عمال من مكتبات جامعية أخرى من أجل الحصول على تصريح يسمح لهم بالدخول للمكتبة والاطلاع على المراجع المتاحة التي قد تساعدهم في إنجاز بحوثهم العلمية.
مشاريع الرقْمية لا تزال تراوح مكانها
ويطالب عدد من الباحثين بضرورة رقمية المكتبات الجامعية في الجزائر، باعتبارها ظاهرة جديدة برزت في العالم منذ أزيد من 15 سنة تقريبًا، ويقول في الموضوع الأستاذ في جامعة الجزائر، بوداود إبراهيم، خلال فعاليات ملتقى وطني حول موضوع مكانة الكتاب الرقمي في المكتبات شارك فيه باحثون جامعيون ومديرون مكتبات جامعية، إن عهد الكتاب الورقي قد انتهى وحل مكانه الكتاب الرقْمي والذي هو مطلب الفئات الشبانية التي تتطلع لاستغلال التكنولوجية بصفة فعلية، وأنه سيكون حسبه تحول أكيد وحاسم وأنه يتوجب على الجميع مسايرة التغيرات الواقعة في المجتمع واستيعاب الدروس لتفادي فوات القطار.
ولا تزال مشاريع الرقمية التي أطلقتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حبيسة الأدراج، تحمل أسماء متعدده كـ “سنجاب“، “البوابة الوطنية للتوثيق الإلكتروني“ أو ما يعرف بنظام “آس أن دي آل“، “البوابة الوطنية للإشعار عن الأطروحات“ أو نظام “بي آن أس تي“، فرغم عددها وللأسف إلا أن المئات من الطلبة مختلف الجامعات يدخلون في رحلة بحث يومية عن فرصة نادرة للظفر بكتاب، في وقت قاطع أساتذة وباحثون المكتبات الجامعية باعتبارها منتهية الصلاحية.
وتوجد عدة أنواع من المكتبات الجامعية في الجزائر تنقسم إلى مكتبة مركزية، مكتبة الكلية، مكتبة الأقسام والمعاهد، ومكتبة المخابر العلمية. ومن أكبر المكاتب الجامعية، تلك الموجودة بوهران، جامعة قسنطينة، والتي لا تزال خارج مجال “الرقمية“، وجامعة الجزائر أيضا التي أعلنت في وقت سابق عن إطلاق مشروع لمكتبة إلكترونية تضم 1540 مذكرة ماجستير باللغة العربية و330 عنوانًا بالفرنسية، بينما وصل عدد العناوين بالعربية في الدكتوراه إلى 476 عنوانًا، وقدر عدد الكتب بأكثر من 8 آلاف كتاب.