خواطر باحثة علمية

امتحان !

وها هو أول امتحان على الأبواب، وموعده قد تعين منذ بداية الدوام وهو امتحان واحد في نهاية الفصل الدراسي، الغريب في الأمر إنه خلال المحاضرة الوحيدة المقررة علينا يوميًا كطلاب ماجستير والتي تتناول الأحياء الجزيئية إبتداءً من مكونات الخلية، الحمض النووي الرايبوزيى DNA، المرسال RNA، البروتين، وطرق التواصل بين خلية وأختها .. إلخ، كان الحضور ليس إجباريًا وكان هناك بعض الطلاب نيام، حيث كنت أنا وبعض الأجانب متيقظين لفهم الطلاسم الجزيئية، سألت ذات مرة زميلتي ( لماذا فلان نائم؟ كيف سيفهم المحاضرة) إبتسمت وقالت: ( المشكلة ليس بكونه نائم بل إنهم يعيدون ما تعلمناه في البكالوريس وهذا فعلاً ممل ).

وحانت لحظات التحضير للامتحان وأمسكت كتاب الخلية والأحياء الجزيئية المقدس لألدريش Molecular Biology of the Cell   وبدأت معسكرا دراسياً، أخذت أمسك كل عنوان محاضرة موجودة لدي (حيث بإمكاننا تحميل جميع المحاضرات التي ألقاها الأستاذة على شكل شرائح عرض Power point  من موقع الكلية الإلكتروني) وبدأت أدرس موضوع المحاضرة من هذا الكتاب وكان جهدًا جهيدًا حيث كمية المعلومات والتفاصيل هائلة في هذا الكتاب وأحسست بالإعياء لكثرة تكدس المعلومات في رأسي.

مما زاد استفزازي في فترة الدراسة إن زميلتي الألمانية إتصلت بي وقالت (نريد أن نجتمع في مطعم ونحتفل بإنهاء أول فصل دراسي في يوم كذا) قلبت الأمور في رأسي وإنتبهت إنه يوم واحد  قبل الإمتحان المقرر، فقلت لها (عزيزتي .. بعده يوم الامتحان ..) قالت (عادي .. إنه مجرد إمتحان و سهل).

رباااه ما بالهم دائمًا كل شيء لديهم عادي وسهل، السيمنار لم يمثل لهم رعبًا مثلي، إلتزامهم في المحاضرة ليس بمشكلة، والإمتحان أيضًا!

إعتذرت منها بأدب متحججة بأطفالي وقلة الوقت ووعدتها أن الأيام قادمة وسنلتقي كثيرًا في الفصل القادم.

وحانت الساعة وتقدمت للإمتحان، وبدأ توزيع الأوراق وكان الإمتحان عبارة عن خمسين سؤال اختيار من متعدد، أخذت النظر إلى الأسئلة وقرأتها حتى أخرها  ومحاولة استراجاع ما كدسته في رأسي خلال إسبوع من الزمن ، بعض الإجابات لم أستطع تبين هويتها رغم إنه بإمكاني تخيل الإجابة كالسراب باهتة الملامح لكني لم أستطيع تبين الجزء المهم فيها، أخذ الطلاب بتسليم أوراقهم في الدقيقة العشرين وهم يبتسمون فيما بينهم وأنا كذلك سلمت ورقتي وفي داخلي كنت سعيدة نوعاً ما.

تسألني زميلتي (كيف الإمتحان ؟)

أرد عليها (سهل ممتنع !)

وجاء موعد النتائج سريعًا وعلقت في بهو الكلية ولكن بدون أسماء بل بأرقامنا الجامعية وأخذت أبحث عن رقمي والعلامات الكاملة ١٠٠٪ تتلألأ أمام عيني من كثرتها ووجدته .. وكانت علامة ناجحة لكنها متدنية جداً إذا ما قورنت إنه نسبة من حصلوا على ١٠٠٪ هم الجل الأعظم.

أي إحباط أصابني في تلك اللحظة، وأي ألم، أنا درست بجد و قدمته بشكل جيد جدا وأستحق علامة عالية لماذا هكذا؟ أين هو الخلل؟

سألت زميلتي التي حازت على ٩٧٪ :

كيف وجدت الإمتحان وكيف درست؟

ردت ( الإمتحان سهل جدًا وكل الإجابات موجودة في الشرائح التي درسونا إياها في المحاضرات )

أصابني الذهول وقلت لها مستغربة(يعني لم تدرسي كتاب ألدريش؟ )

ضحكت وقالت ( لا ولماذا وكل شيء موجود في الشرائح ! )

سامح الله أساتذتنا في الجامعة وفي المدارس على طريقة تدريسهم، هذا هو نتاج تكديس المعلومة والحفظ عن ظهر قلب، هذا نتاج عدم إعطاء مساحة للطالب للتعبير عن فهمه خلال إمتحان ، فكم من إمتحان كان في مرحلة البكالوريس لم نستحق فيه علامة ممتازة لإننا لم نكتب تلك الجملة الموجودة في دوسيه لأستاذ معين يجبرنا على شراءها من مطبعة الجامعة.

جملة تذكرتها عندما راجعت أستاذًا لي في مرحلة البكالوريس وقد خصم علي نصف علامة سؤال ، فرد علي متعجرفاً لم تكتبي بالضبط ما كتبته لكم في الدوسيه ولا يهمني فهمك للموضوع المهم تطبيق ما كتبت حرفياً….

وفعلاً قمت بمراجعة الامتحان ووجدت الإجابات في الشرائح، لم يكن هناك سؤالًا صعبًا لتعقيد الطلاب وعدم مقدرتهم على نيل العلامة الكاملة، وإبراز عضلات الدكاترة بإنه لا يوجد طالب ينجح لديهم بسهولة ولكن الهدف من الإمتحان هو قياس قدرة الطالب على فهم المعلومة بطريقة مبسطة لإنها حجر أساس لما بعده و كل أسئلة الإمتحان كانت بحاجة إلى قليل من الدقة والفهم فقط.

أردت الإنسحاب من الماجستير وأخذت أقنع نفسي أين أنا من علم تعلمته وعلم متقدم موجود هنا؟ لماذا علي القبول بكل هذه الإخفاقات التي في كل مرة يتبين لي فيها ضعف تدريسنا، وإتخذت قراري وذهبت إلى بروفيسوري المسؤول وشرحت له وطلبت منه الإنسحاب من برنامج الماجستير، نظر إلى هذا العالم القدير من خلال نظارته التي ترتكز على طرف أنفه و الذي لديه مئات الأبحاث والكتب وقال: هذا بعينه هو الفشل؟

نظرت إليه وقلت: ماذا أفعل لا أستطيع مقارنة نفسي بزملائي ولم أتعود على هذا الفشل المتتابع؟

قال لي: مشكلتك يا علياء إنك ذكية ولديك الكثير في رأسك ولكن …ليس لديك المقدرة على ربط العلوم التي تعلمتها ببعضها البعض ، نصيحتي لك أن تبدأي في الفصل القادم بحضور محاضرات مع طلاب البكالوريس من إختيارك أنتي وعمل المختبرات العملية الأساسية في علم الأحياء الجزيئية معهم من ثم تابعي طريقك في الماجستير .. 

ماذا كان قراري برأيكم .. تابعوا معنا المقال القادم على زدني .. 

علياء كيوان

طالبة دكتوراة في الأحياء الجزيئية وناشطة اجتماعية. مقيمة في ألمانيا، أم لثلاث أطفال، أعمل في بحوث السرطان، هوايتي الكتابة والقراءة، همي هو النهوض بالمرأة العربية في المجتمعات الأوروبية ويكون لها بصمة ومكانة، أسست مجلة المرأة العربية في ألمانيا وهي أول مجلة إلكترونية ناطقة باللغة العربية في ألمانيا تهتم بشؤون المرأة والأسرة العربية بشكل عام.
زر الذهاب إلى الأعلى