تحقيقات زدنيقضية الشهر

باحث في علم الجنس: الاختلاط وراء العنف والرسوب في المدرسة الجزائرية

تَزدادُ نِسبُ العنف والرسوب في المدرسة الجزائرية عامًا بعد عام، فعلى الرغم من كل التدابير التي تعلنها الوزارة سنويًّا للتقليل من ذلك، تبقى النتائج دائمًا دون التطلعات، لكن الحل بالنسبة للباحث في علم الجنس إسماعيل بولبينة يوجد في القضاء على الاختلاط في المؤسسات التربوية، وإيقاف الجريمة التي ترتكب في حق التلاميذ تحت حجة واهية عنوانها التمدن والانفتاح.

ويتحدث بولبينة لفريق “شبكة زدني للتعليم“ بنبرة واثقة من وقوف الاختلاط وراء معدلات العنف المتزايدة في الوسط التربوي الجزائري، فهو لا يتكلم من فراغ مثلما يقول، إنما حديثه نتيجة توصل لها بعد قرابة 50 سنة من متابعة تطورات المدرسة والمجتمع الجزائريين من خلال عمله سابقًا طبيبًا في المستشفيات قبل أن يتقاعد اليوم، وكذا اهتمامه بتأثير الغرائز الجنسية في سلوك التلاميذ تجاه زملائهم وفي تحصيلهم الدراسي الذي لا يزال متواصلًا حتى اليوم.

أرقام ودراسات علمية

وقال الدكتور إسماعيل بولبينة لفريق “زدني للتعليم“ إن ما توصل إليه لا يختلف عما توصلت إليه عدة دراسات في دول في الغرب التي تقول إن تعليم الجنسين في أقسام منفصلة بعضها عن بعضه يرفع من نسب نجاحهم وتفوقهم في مسارهم الدراسي، خاصة في مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط (الإعدادي) والثانوي، في حين أن الاختلاط يقلل من ذلك.

ويستشهد بولبينة بتراجع نسب نجاح الذكور في المدرسة الجزائرية في كل الأطوار، خاصة في الامتحانات الرسمية.

وتظهر نتائج النجاح في الجزائر في امتحان البكالوريا للسنة الدراسية المنقضية التي اطلع عليها فريق “شبكة زدني للتعليم“ أن 65.29٪ من الناجحين من الإناث مقابل 34.71٪ فقط من الذكور بفارق يقابل الضعف.

ولا تختلف ظاهرة التباين في النجاح بين الجنسين في امتحان شهادة التعليم المتوسط عن البكالوريا حتى وإن اختلفت النسب، فقد شكلت الإناث 59.20 بالمائة من إجمالي الناجحين في هذا الامتحان، واكتفى الذكور بنسبة 40.79 بالمائة فقط.

وفي ديسمبر كانون الأول من سنة 2011، ذكرت صحيفة الأهرام المصرية أن دراسة بريطانية توصلت إلى أن نسب التفوق الدراسي لدي الفتيات في المرحلة الثانوية بمدارس البنات تكون أعلى من النسب في المدارس المختلطة‏، وهذا التوجه نحو تشجيع الفصل في المدارس بين الجنسين لا يقتصر على بريطانيا فقط مثلما يشير الدكتور إسماعيل بولبينة، فدراسات كثيرة في ألمانيا وأستراليا حتى في أمريكا أثبتت ذلك.

ويدعو بولبينة وزارة التربية الجزائرية إلى ترك الاختيار للتلاميذ وأوليائهم مثلما حاصل في بعض المدن الأمريكية، مثلما يقول لفريق “زدني للتعليم“.

الاختلاط وراء العنف في المدارس الجزائرية

يلفت إسماعيل بولبينة إلى أن بحثًا أجراه لمركز الاقتصاد التطبيقي بالجزائر أجري في 2009 توصل إلى أن العنف في المدارس سببه الاختلاط.

وحسب بولبينة، فإن الفرق في البلوغ بين الجنسين الذي قد يبدأ عند البنت في 9 سنوات وعند الطفل في 11 سنة يشكل اختلافًا بين الجانبين، ما يتسبب في حدوث اعتداءات جنسية وجسدية، حتى وإن كان بعضها يتم التغطية عليها.

ويشير بولبينة إلى أن المقابلات التي أجراها مع الأساتذة وعدد من مديري المدارس أكدوا أنهم مضطرون في بعض الحالات لحراسة مراحيض الفتيات مخافة حدوث اعتداءات وتحرشات بهن من قبل الذكور في مرحلتي التعليم المتوسط والثانوي، في حين يكون الذكور عرضة للتحرش من قبل زميلاتهم في مرحلة التعليم الابتدائي؛ لأنهن يكن قد وصلن سن البلوغ في حين لا يزال التلميذ الذكر طفلًا، ولا يعرف جسده أي تحول هرموني أو غريزي.

وفي فبراير 2017، قال المفتش العام لوزارة التربية الوطنية، نجادي مسقم في مقابلة مع الإذاعة الجزائرية الحكومية: “إن الجزائر تحصي نحو 40 ألف حالة عنف مدرسي سنويا عبر مختلف المؤسسات التربوية.“

وحسب مسقم نجادي فقد سجلت وزارة التربية وقوع حوالي 260 ألف حالة عنف خلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 2014 في الوسط المدرسي، وقعت بين المتمدرسين أنفسهم أو بين الأساتذة والمتمدرسين أو ما بين الأساتذة أنفسهم.

ويتسبب هذا العنف الناتج عن الاختلاط، حسب الدكتور إسماعيل بولبينة في رسوب التلاميذ والميل لمغادرة مقاعد الدراسة.

وتشير الدراسة سالفة الذكر التي أجرتها وزارة التربية عبر 400 ثانوية ومست 400 ألف تلميذ أن 63 بالمائة من التلاميذ يفضلون الانقطاع عن التعليم بدل الدراسة في محيط عدائي.

مخاوف الوزيرة

حسب الدكتور إسماعيل بولبينة، فإن وزيرة التربية نورية بن غبريت على الرغم عن  ميولها العلمانية، هي من المقتنعين بأن المدارس المنفصلة قادرة على تقديم مردودية جيدة للتلاميذ أحسن من المدارس المختلطة، ومع ذلك فهي لا تمتلك الجرأة للقيام بقرار كهذا؛ مخافة أن توصف بالرجعية ومعاداة الانفتاح.

ويعود بولبينة في حديثه مع فريق “زدني للتعليم“ إلى الهجمة والانتقاد الذي تعرض له بعد تنشيطه في 2016 محاضرة بالمكتبة الوطنية بعد أن دعا إلى وقف الاختلاط في المؤسسات التربوية؛ لأنه من بين الأسباب الرئيسة في ارتفاع نسب الرسوب والعنف.

وقال: “لقد تلقيت انتقادات عديدة ووصفني بعض الناس بالرجعي والأصولي دون أن يستمعوا لي، أنا أتحدث من منطلق علمي ومن واقع المجتمع الجزائري، فأغلب الجزائريين مع فصل الجنسين في المؤسسات التربوية، فكيف نجبر التلاميذ على أن يعيشوا واقعا لم يتربوا عليه في أسرهم ويرفضه الشارع الذي يقطنون به“

وذكر بولبينة أنه حتى في فترة الاستعمار الفرنسي كانت توجد أقسام منفصلة حسب الجنس، فالاختلاط غزا المدرسة الجزائرية في السبعينيات مع انتهاج البلاد النهج الاشتراكي الشيوعي فقط.

ويلفت الدكتور بولبينة إلى أن التعليم الجزائري يعيش تناقضًا واضحًا، كونه يسمح بالاختلاط لدى الفئات الصغرى، ويمنعه في الجامعات بعد ما تم القضاء على الإقامات الجامعية المختلطة، و هذا “قرار خاطئ لأنه في الجامعة يصبح الطالب والطالبة راشدين ويتحملان أفعالهما، ومسؤوليتهما تكون فردية على عكس الفئات الصغرى التي تكون فيها المسؤولية جماعية للعائلة والمدرسة معًا“.

ويرى بولبينة أن الاختلاط في الطور الجامعي ضروري، لأن الطالب وصل حالة من الوعي والمسؤولية تجعله يقرر الزواج إن أراد إقامة علاقة جنسية مع زميلة له.

والأكيد أنه مع الحجج التي يقدمها إسماعيل بولبينة ومن يؤيدونه فإن مطلبهم يبقى بعيدًا عن التجسيد والتنفيذ في الجزائر في مدرسة لا زال تسييرها ونظامها تحكمه الإيديولوجية السياسية، وليس البحث العلمي المجرد.

زر الذهاب إلى الأعلى