تحقيقات زدني

بالصور.. هكذا تحولت المراكز التعليمية إلى ثكنات عسكرية في اليمن

لم يكن أمام الطالب في جامعة تعز “زكريا” أي خيار آخر لكتم شعوره، وكبح ذهوله المُخيف، وتقليل معدل قلقه وخوفه الذي يظهر  سريعًا على ملامح وجه  أثناء قدومه إلى محافظة تعز، وذهابه الى جامعته، بعد عام عن غيابه عنهما نتيجة نزوحه، وتوقف عجلة التعليم.

حيث يحكي الطالب زكريا لفريق شبكة “زدني” عن جامعة تعز، وهو يتأمل واجهتها.. وما أصابها  من دمار وخراب وتناثر لبقايا صراع وحرب، طال أقسامها كافة نتيجة الحرب الدائرة في البلاد وتعز خصوصًا منذ أكثر من عام.

إذ تحدث قائلًا “لم أكن أتوقع أن أرى الجامعة بهذا الشكل وبهذه الحالة عندما أعود… منظر مخيف للغاية يعكس نظرتنا التي تخيلناها في ذاكرتنا اتجاه التعليم.. حيث رأيت آليات عسكرية ودمار وعبث وبقايا رصاص وبارود في أروقة الجامعة بشكل كامل.

يمكنك الاطلاع على

ميليشيا الحوثي تستخدم الطالبات في الصراع السياسي باليمن

من مراكز تعليمية الى ثكنات عسكرية

الطالب زكريا يقول “تعرضت الكلية والجامعة والمدارس في تعز الى قصف وعبث ودمار، حيث تحولت معظمها إلى ثكنات عسكرية، وأصبحت عرضة للقصف والاستهداف العسكري الذي استمر أكثر من عام.

ويضيف إن الجامعة تعرضت لعملية نهب وتخريب مفتعلة، إضافة إلى أنها تحولت إلى ثكنة عسكرية بدلًا ما كانت صرحًا تعليميًا،  وهو ما استخدمها أطراف الصراع في المدينة أثناء حربهم الدائرة منذ أكثر من عام والتي لم تستثنِ أحدًا أو موقعًا أو مكانًا بما في ذلك المراكز التعليمية على حد قوله.

بدوره تحدث الأكاديمي في جامعة تعز الدكتور “خالد الوصابي” لفريق شبكة “زدني” عن أن معظم جامعات تعز ومدراسها أيضًا تعرضت إلى الدمار وتأثرت نتيجة الحرب والاقتتال.

إذ يقول إن المباني التعليمية أصبحت عبارة عن ثكنات عسكرية استخدمها أطراف الصراع في المدينة، مما جعلها عرضةً للاستهداف والذي أدى إلى إلحاق الدمار والخراب بها، واستقبال نيران القذائف والقصف بدلًا من استقبال الطلبة والتعليم.

رئيس مركز الدراسات والإعلام التربوي ” أحمد البحيري”  أشار إلى أن ذلك حدث في غير مرة، وما تعرض له ولا زال عدد من المدراس والجامعات والمراكز التعليمة في المحافظة من استهداف وتلغيم وقصف نتيجة استخدمها من أطراف الصراع لثكنات عسكرية وتخزين سلاح وتجمعات ومراكز تدريبية.

وهو ما تطرق  إليه كثير من الأكاديميين والطلبة أثناء قدومهم إلى الجامعة، والمدارس، والنظر إلى مشاهد الخراب والدمار المطبوع على واجهتها.. فضلًا عن انعكاس ذلك على مستقبل الطلبة ونفسيتهم وهم ينظرون إلى بقايا نيران التهمت جامعتهم وآليات عسكرية مدمرة لأروقة الجامعة.

أرقام توثق الدمار

يشير تقرير حديث أصدره مركز الدراسات والإعلام التربوي وأطلع عليه فريق شبكة “زدني” عن أن 225 مدرسة تعرضت للاستهداف والتدمير في عموم المحافظات، منها 134 تحولت إلى ثكنات عسكرية ومراكز تدريبية للأطراف المتصارعة.

إذ أخذت مدينة تعز تحديدًا نصيب الأسد من تلك التركة؛ فكان لها نصيب يفوق الـ 50 مدرسة من بين 134 في الجمهورية والتي تحولت إلى ثكنات عسكرية.

إضافة إلى ذلك فقد تحولت كبرى الجامعات في المحافظة وهي جامعة تعز الحكومية إلى ثكنة عسكرية بكل ما تتمحور فيه من أقسام وكليات، استخدمها طرف المليشيات الحوثية.. وقد عرّضها ذلك للاستهداف العسكري، والقصف المباشر من قبل الطيران أو من قبل القوات الأخرى على الأرض.

كما أنها لا تعد الجامعة الوحيدة التي تعرضت إلى ذلك. إذ صاحبتها جامعات ومراكز ومعاهد تعليمية أخرى إلى جوارها، فكان لها نصيب من الاستهداف والقصف.. وذلك يعود إلى طرف الحوثي وصالح الذي استخدم التعليم والبيئة التعليمية موضع استهداف وحولها إلى ثكنات عسكرية.

ويقول رئيس مركز الدراسات والإعلام التربوي أن مدينة تعز تأتي في المرتبة الأولى من حيث الانتهاكات الجسيمة التي تعرضت لها البيئة التعليمية في المحافظة. من حيث تدمير وتفجير المئات من المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية والعبث بها. وتحويل بعضها إلى ثكنات عسكرية.

وزارة التعليم الخاضعة لسيطرة قوات الحوثي وصالح ألقت اللوم في أكثر من مرة في تبريرها لحجم الانتهاكات بحق التعليم، وتحويل المراكز التعليمية إلى ثكنات عسكرية وتعرضها للاستهداف إلى أنه ناتج عن قصف طيران التحالف العربي الذي تقوده السعودية.

تبرير ذلك وبحسب تربويين وأكاديميين يأتي برهانًا لمدى استهداف الطيران لمواقع عسكرية، استحدثتها قوات الحوثي وصالح وأقدمت إلى عسكرة التعليم والمدن والمحافظات.. وهو ما جعلها عرضةً للاستهداف والقصف.

منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” أفادت في تقريرها التعليم تحت النار الصادر في نوفمبر من العام الجاري بأن الصراع في البلاد أدى إلى إغلاق أكثر من 3600 مدرسة، في المدن التي شهدت مواجهات عسكرية.

وإلى جانب توزيع تلك الانتهاكات والإحصائيات بين التوقيف والقصف والتدمير والتفجير، واتخاذها مركزً لإيواء النازحين، أدرجت “اليونيسيف” في تقريرها أن من ضمن تلك الإحصائية تحويل بعض المدارس إلى ثكنات عسكرية بالنسبة للمسلحين وأطراف الصراع.

يمكنك الاطلاع على

ماذا فعل الحوثيون بالتعليم في اليمن؟

ضرب التعليم في تعدد أساليب الانتهاك

يوضح خبير عسكري في الجيش والذي فضّل عدم ذكر اسمه أن ما يجعل الأماكن التعليمية عرضة للاستهداف بالنسبة للأطراف المتصارعة، هو التمركز فيها ونصب معدات وآليات عسكرية فيها، وتموضع ثكنات عسكرية.

وتحدث الخبير العسكري لفريق شبكة “زدني” أن الأمر لا ينحصر عند ذلك فحسب بل تخزين أسلحة وذخائر في المباني التعليمية، وتجنيد أفراد فيها، وتحويلها إلى مسكن للجنود والمقاتلين، مما يجعلها موضع هدف بالنسبة للطرف اآخر، ويدفعه إلى استهداف تلك الآليات والأسلحة والتجمعات التي تقطن أروقة ومباني تعليمية.

يكشف الأكاديمي في كلية العلوم الإدارية بجامعة تعز “معاذ المقطري” إن استهداف المباني التعليمية لا يقتصر على القصف فحسب، بل إلى الخراب والاستهداف الممنهج من ناحية نهب الكليات، والمدراس، والوثائق، وملفات الطلاب وحرقها. والعبث بمستلزمات ومحتوى الكليات وأقسامها.

إذ يقول: إن جامعة تعز  _ وهي نموذج ضربه على معظم الجامعات والمدارس في المحافظة  _ تعرضت إلى نهب وعبث ممنهج، أدى إلى إحراق كل ما يخص التعليم والطلبة في الجامعة، إلى جانب تحويلها لثكنات عسكرية، وزرع ألغام وقنابل في محيطها   بهدف إعاقة حركة التعليم، وبث الخوف والرعب في نفسية الطلبة والتعليم بشكل عام في المحافظة.

ويعود الدكتور المقطري إلى تلك المعطيات أنها ناتج عن عمل طرف الحوثي وصالح بهدف تكريس كل العبث والخراب باتجاه البيئة التعليمة لضرب معضلة التعليم في تعز التي تعد منبع العلم والمعرفة والثقافة والمدنية، وهدمهم، وتكريس حالة الخوف والقلق واليأس والانهيار النفسي للطلبة ولمستقبل البيئة التعليمية.

بينما يستطرد أحد الآباء وهو ولي أمر لولدين يدرسان في المرحلة الأساسية إلى أن الحرب أجبرته على النزوح إلى مكان آخر بعد توقف التعليم واتساع دائرة الحرب التي طالت كل أحياء المدينة، ولم تستثنِ أي حي أو موقع أو مبنى.

ويقول: إن المدرسة التي كان يدرس فيها أبناؤه حولتها مليشيا الحوثي وصالح إلى ثكنة عسكرية، وبعد ذلك قامت بتفخيخها، إذ أنه لم يستطع إخبار ولديه بذلك إلا بعد مدة وبطريقة غير مباشرة حتى لا يتعرضا إلى حالة نفسية أو صدمة نتيجة ذلك.

الآثار المترتبة على مستقبل الطلبة والتعليم

“ياسين ثابت” وهو تربوي في إحدى المدارس بتعز قال لفريق شبكة “زدني”:  إن غياب التعليم وتفجير المدارس وتعرضها للضرب والاستهداف العسكري، وتحويلها إلى ثكنات عسكرية سيخلق انقسامًا في البيئة التعليمية وفي عقلية الطلبة.

وبحسب حديث ياسين فإنه يستوحي من ذلك إلى أنها ستحدث تصدّعًا في النسيج الاجتماعي والتعليمي، ويعيق حركة التعليم فور انتهاء الحرب والاقتتال وخصوصًا عندما يشاهد الطلاب الخراب والدمار والعبث الذي لحق بمدرستهم، وجعلها عرضةً للاستهداف العسكري.

حيث يستند إلى ذلك الأمر كونه قد يؤثر بشكل كبير على حياة الطلاب ومستقبلهم، والتريبة والتعليم في المحافظة والجمهورية بشكل عام، وهو ما قد يتسبب في إعاقة حركة التعليم وإزالة تبعات الحرب. فضلًا عن إعاقة الطلبة إما ذهنيًا أو نفسيًا أو حركيًا.

رئيس مركز الدراسات والإعلام التربوي تحدث عن أن تلك الانتهاكات الجسيمة للتعليم في تعز وخصوصًا من تحويل الصرح التعليمي إلى ثكنات عسكرية وتفجيرها وتدميرها، سيؤدي إلى تأثير الطابع النفسي بالنسبة للطلبة، وكذلك مستقبل البيئة التعليمية.

إذ يشير إلى أن ذلك يعكس تباينات مخيفة بالنسبة لمقارنات حجم الانتهاكات والتأثير بين مختلف المراكز التعليمية في المحافظة، والتي تعرضت إلى انتهاكات صارخة سواء من قصف أو تدمير أو جعلها مركزًا للتدريب القتالي وتخزين للأسلحة المتنوعة، ونصب المعدات العسكرية فيها.

وهو ما يعرضها إلى الاستهداف بشكل مستمر.. وينتج عنه تبعات مخيفة، في توسيع دائرة الانتهاك، وامتداد تموضع ونطاق القتال، وعسكرة التعليم باستخدامه من قبل المسلحين كعامل أساسي في معركتهم الجارية.

وذلك يفاقم من احتقان الوضع التعليمي بصورة كبيرة، وينعكس سلبًا على حاضر ومستقبل البلاد في وقف أمد الحرب، وعودة الحياة وعجلة التعليم إلى نصابهما الطبيعي، وإزالة آثار الحرب الدائرة في البلاد وتعز خصوصًا منذ أكثر من عام.

اقرأ أيضًا

حرمان التّعليم في “تعزّ”: كبح التّنمية وتلغيم مستقبل الطّلبة

راكان الجبيحي

كاتب وصحفي يمني من تعز- ومراسل متعاقد ومعد تقارير ومقالات وتحقيقات واستطلاعات واخبار لعدد من المواقع والصحف المحلية والخارجية.
زر الذهاب إلى الأعلى