دراسات

بفضله تعدل معلمة عن فكرة التقاعد.. التعليم عن بُعد يُدهش “الإيجابيين” بنتائجه

تبدو ختام الخطيب حانقةً على المعلمين “الكُثر” الذين يحاربون نظام التعلم عن بعد، ممن يحاولون تعميم رأيهم بفشل التجربة على الجميع، فقد ثبت لها أن الأمر ليس معقدًا لمن عزم على النجاح في حالة الطوارئ، أما الذين لا رغبة لهم في بذل الجهد أو العطاء فسيضعون حتمًا الذرائع والعقبات، من دون أن يكلّفوا أنفسهم شرف المحاولة.

بعد أن تعاملت المعلمة الفلسطينية بعقليةٍ إيجابية مع الأزمة الراهنة في ظل تفشي وباء كوفيد-19؛ باتت تتباهي بمستوى طلابها في الصف الأول الابتدائي الذين تتحدى بهم طلبة الصفوف الأعلى ليصبحوا في مستوى عمر الصف الرابع على حد قولها، مختصرةً ما خلصت إليه “لقد حصدتُ أجمل وأعزّ ثمار على قلبي في هذه الفترة“.

ترتكز ختام الخطيب في التعليم عن بعد على التواصل مع الأمهات اللاتي بدورهن تَشجّعن كثيرًا لمتابعة الدروس وحل الواجبات مع أبنائهم، مؤكدةً أنها لم تكن لتنجح في التعليم الإلكتروني لولا أنها كانت قد وضعت الأساسات بشكلٍ صحيح، وأنهت مع صغارها معظم الحروف والتدريبات اللازمة.

وتوضح ما تعنيه بالقول: “لو أن حالة الطوارئ حدثت في بداية العام فمن المؤكد أن التعليم عن بعد لم يكن ليحالفه النجاح، لقد كان الطريق ممهدًا ولم يتبقَّ إلا بعض التتمات، كنت كمن طهى أكلة، ووقع على عاتقه الاعتناء باللمسات الأخيرة“.

وإيمانًا منها بمقولة “التعليم لا يتوقف أبدًا خلال الظروف الصعبة“، فإنها لا تدخر وسعًا لتوصيل المعلومة عبر فيديوهات الشرح التي تنشرها في مجموعتها، فيما تعيد الأمهات شرحها على المنوال نفسه، بالاطلاع على تسجيلاتها الصوتية لشرح الكتاب بالتفصيل ناهيك عن أوراق العمل، ومن ثم تطمئن “مِس ختام“ إلى أن العملية تسير على أكمل وجه بالتواصل مع كل طالب على حِدة.

كل الشكر للأمهات

السعادة تترنَّم في صوتها عندما تقول: “أصبح هاتفي المحمول لا يتحمل ضغط الفيديوهات الكثيرة التي تصلني من أمهات الأطفال لا سيما في تدريبات الإملاء والقراءة، وكم أستمتع في أثناء المتابعة مع كل طفل سواء بالتسميع أو الكتابة، “برفعو الراس“ حقًا أنا فخورة بهم جميعًا؛ فقد أصبحوا بحمد الله قادرين على استخراج كل ما علَّمتهم إياه من لامٍ شمسية وقمرية وفعل ماضٍ وتحويله إلى فعلٍ مضارع، وإجادة بعض التفاصيل الصعبة مثل الهمزة حين تُكتب منفردةً أو على كرسي“.

وتتحدث ختام بإسهاب لــ “شبكة زدني للتعليم“ قائلة: “سأكون صريحة معك؛ في البداية لم أتقبل الفكرة، لطالما كنت أظن أنه بالكاد أُوصل المعلومة وجهًا لوجه لطلاب الصف الأول وعلى وجه الخصوص الذكور، وبالكاد أضبطهم من خلال مراقبتهم ومتابعهم ثانية بثانية؛ وبصعوبة أبقي كلًّا منهم على مقعده وأنوِّع في طرقي لأشد انتباههم حتى لا يملُّوا؛ ومن هنا أخذت أتساءل كيف سأفعل ذلك كله عن بُعد!”.

ما الذي جعلك إذن تغيرين رأيك؟.. تقول: “خشيت أن يتدهور مستواهم؛ ووقتها كان قد تبقى من المنهج أربعة أحرف، لقد جافاني النوم أكثر من ليلة وأنا أفكر وأسأل نفسي “تُرى سأنجح أم لا“، مضى أسبوع على قرار الحَجْر وبعدها توكلتُ على الله، وقررتُ إنشاء مجموعة للأمهات، ولحسن الحظ أني كنت نشيطة في نشر دروسي سابقًا على صفحتي الشخصية، مما سهل انضمام المعظم، وهكذا بدأنا العمل معًا“.

إذا كانت المعلمة قد شعرت بالارتباك في البداية فما بالنا بالأمهات!

 تحكي عن ذلك: “شعرت الأمهات بالصدمة، ولم تتقبلن الفكرة بتاتًا، وتساءلن بصوت واحد “كل هذا كيف سننجح في شرحه لأبنائنا“، بكل صراحة كُنَّ يعتمدن تمامًا عليَّ لا سيما في كتابة الإملاء على “السَّبُّورة“ من دون الحاجة إلى التدريب من قِبلهن، فقط كنت أطلب منهن أن يدرِّبن على القراءة“.

“ختام“ التي تقدمت مؤخرًا بمبادرة لوزارة التربية والتعليم، وأسمتها “طالب متميز في ظل جائحة الكورونا“؛ وأدرجت فيها فيديوهات تُظهر النقلة النوعية لمستوى الطلاب، تقول إن الأمر اختلف كليًا بعد الجائحة فقد وجدت الأمهات أن الحِمل كله يقع على عاتقهن، موضحةً: “قبل “الطوارئ“ كنا قد بدأنا حديثًا بحرف الهمزة، وهو من أصعب الدروس لما فيه من تفاصيل، وكما نعرف “الهمزة“ تأخذ صورًا مختلفة مثل الألف المقصورة والألف الممدودة.. إلخ، وكان يجب أن نتعاون جميعًا لإكمال الشرح عقب قرار الالتزام بالبقاء في البيوت“.

أخذت ختام ترسل التسجيلات الصوتية تِباعًا لتشرح للأمهات متى تُكتب الهمزة على ألف أو واو، ومن ثم واصلت الشرح على الورقة، بالإضافة لنشرها فيديوهات سبق وأن نُشرت في منصات إلكترونية تتناول كيفية كتابة الهمزة.

وتتابع حديثها: “بالتأكيد واجهتهن صعوبة في جعل الأولاد يكتبون كلمات على النحو الصحيح، مثل عزرائيل وتساءل، ومسؤول”، مضيفةً: “أخبرتهم أني واثقة من قدرات طلابي، وكل ما عليهن اتبّاع آلية الشرح، فرحتي كانت لا توصف عندما استقبلت فيديوهات تقوم فيها الأم بدورها في إملاء كلمات معينة على طفلها، ومن ثم تعطيه كلمات جديدة وبناءً على القاعدة فإنه يكتبها صحيحة ومن دون سابق تدريب.

وتشير إلى أن تلك التجربة شجعت الأمهات على الاستمرار عندما رأوا إنجازهم سريعًا، حتى هن استفدن على الصعيد الشخصي في تفادي الأخطاء الشائعة.

كان لا بد لــ “زدني“ أن تتواصل مع إحدى الأمهات، واخترنا أم الطفل محمد الطباخي التي نجحت بجدارة في التكيف مع التعليم الإلكتروني خلال الفترة الماضية، لتحكي لنا عن تعاملها مع ابنها في الصف الأول مطلع الأزمة، مؤكدةً أن القلق ساورها حينها خوفًا من أن لا تؤدي مهمتها كما يجب وكونها مرحلة تتسم بالحساسية وتمهد للطفل المراحل التعليمية التالية، فبحسب رأيها أنه: “مهما كانت الأم جيدة في شرح المعلومات فإنها لن ترتقي إلى مستوى المعلمة وقدراتها في هذا الجانب، لذا توقعت أن أفشل“.

إلا أن أم محمد أفرخ روعها بمجرد أن انشأت “المعلمة ختام“ المجموعة، وأخذت تتجاوب بحرص مع كل ما ترسله من فيديوهات، مثمنةً جهدها المضاعف، وتزيد بالقول: “كنت صبورة جدًا في توصيل المعلومات لولدي بطريقةٍ مبسطة، وأنا سعيدة وراضية عن النتيجة“.

ولحسن الحظ – كما تقول أم محمد– إن طفلها كان مُؤسسًا بشكل متين، ولمستواه المتميز صار يقوم بدور المعلم الصغير بناءً على توصية “مس ختام“ بظهوره في الفيديوهات يشرح الدرس لزملائه بكل ثقة، بعد أن تكون والدته قد شرحته له“.

وتبدو فرحةً بإجادة محمد لقراءة القصص والترجمة على الشاشة بعد أن أنهت معه منهاج اللغة العربية، فيما تعرب عن أسفها إزاء تقصير الكثير من الأمهات ممن لم يقتنعن بجدوى التعليم الإلكتروني ظنًا منهن أن الطالب بالكاد يستوعب في الصف “لقد ارتكبن خطأ في حق أبنائهن، برأيي أن كل أم يجب أن تبذل ما في وسعها حتى لو لم تحقق النتيجة المرجوة“.

وتشير إلى أن الضمان لنجاح التعليم عن بُعد، توفير الحب والحنان والرعاية والهدوء والراحة النفسية من قِبل العائلة للطالب، ناهيك عن المتابعة الحثيثة مع المعلم.

هديل عطاالله

كاتبة صحفية فلسطينية مهتمة بإجراء الحوارات التي تغوص في تجارب الشخصيات المميزة. صاحبة كتاب (حوارات في الفكر والحياة)
زر الذهاب إلى الأعلى