اقتباساتقضية الشهر

بين الكُتّاب والمدرسة تكثُر التفاصيل..!

(علاقة المعلم بطلابه) أو (علاقة الطلاب بمعلمهم)
تلك قصة تكثُر تفاصيلها، وتختلف أحوالها، وتتغير بتغير الظروف، والأزمنة؛ فكل حقبة زمنية ترافقها ظروف خاصة، وباختلاف العصور تختلف الأخلاقيات، وحدود التعامل بين المعلم وطلابه، فتجد أنه قد اختلفت العلاقة بين الطلاب ومعلميهم في زمن كان يقتصر فيه التعليم على الكتاتيب عن زمن سُميَّ بعصر التكنولوجيا فشتّان بين الاثنين.
فإذا استرخينا قليلاً وحاولنا تذكر القصص التي كانت تُحكى لنا أو كنا نقرأها عن ظروف التعامل بين الطالب ومعلمه وكيف كان للمعلم هيبته واحترامه ويحسب الطالب ألف حساب قبل أن يفكر في سؤاله أو مناقشته في مسألة ما وكيف كانت للمعلم مكانة مقدسة
وفي مقارنة سريعة بين طبيعة العلاقة بين المعلم وطلابه قديمًا داخل الكتاتيب وطبيعة التعليم في الوقت الحالي فإنه من المؤكد وجود كمّ هائل من الاختلافات فلنسردها سويًا..
فكان للتعليم قدسيته وللمعلم هيبة، ومكانة لا تسمح لأي أحد التطاول عليه، فكان يناديه الطلاب بلقب (سيدنا، أو مولانا) لهيبته التي كانت تجعل له مكانة خاصة في المجتمع، وانعكس ذلك بشكل تلقائي على تعامل الطلاب مع معلمهم فلا تجد منهم غير احترام، وتقديس للمعلم كما لمهنة التعليم.
وعلى الرغم من كون التعليم في الكُتَّاب يقتصر على بدائيات العلوم من حروف هجائية، وأرقام، ومبادئ التعاليم الإسلامية؛ إلا أن هذا لم يؤثر على سير العلاقة بين المعلم وطلابه في احترام تام.
ربما يكون ذلك الاحترام ناتجًا عن رهبة الطالب من معلمه خوفًا من عقاب يُوَقع عليه، أو ضرب يتعرض له جسده؛ لكن في المجمل العام كانت العلاقة قائمة على الاحترام؛ ولم تشهد أي تجاوزات مبالغ فيها أو بشكل أصح لم تصلنا تجاوزات.
وهذا يختلف شكلاً وموضوعًا عن الحالة التي تعيشها المدارس في الألفية الأخيرة من انفتاح يؤثر بشكل سلبي على العلاقة بين الطالب ومعلمه؛ فتجد التجاوزات في العلاقة من جانب المعلم تارة ومن جانب الطالب تارة أخرى ومن المعروف أنه لم تحدث تلك التجاوزات عبثًا أو دون سبب..!
لسوء العلاقة بين المعلم وتلميذه أسباب كثيرة نذكر منها على سبيل المثال تراجع بشكل عام في الجانب القيمي والأخلاقي في المجتمع بشكل عام نتيجة الانفتاح دون ضوابط والحُرية إلى حد الفوضى.
بالإضافة إلى متغير هام في مسيرة التعليم وهو ظاهرة الدروس الخصوصية -التعليم بمقابل مادي خارج حدود المدرسة- التي اتبعها المعلمون سعيًا وراء توفير حياة كريمة في ظل عدم تقدير الدولة لدوره داخل المجتمع ولذلك أثر سلبي على مكانة المعلم وهيبته حيث ينظر الطالب لمعلمه بتعالي حيثُ أنه يتعلم بماله فليس له سلطان عليه..!
ساعد على تثبيت الصورة الذهنية السيئة عن المعلم بعض الأفلام والمسلسلات في السينما والدراما المصرية وكان من أشهرها مسرحية (مدرسة المشاغبين)، وفيلم (رمضان مبروك أبو العلمين حمودة)، ومسلسل(مسيو رمضان مبروك أبو العلمين حمودة)، وغيرها من الأعمال الدرامية التي تساهم في تثبيت الصورة الذهنية السيئة وتبرير التجاوزات ضده!
بالإضافة إلى استخدام المعلم العقاب بالضرب داخل المدارس، بعد تكرار أكثر من حادثة عنف داخل المدارس المصرية؛ تعالت الأصوات المطالبة بمنع الضرب في المدارس، واستجابت الحكومة المصرية وأصدرت قرار منذ أكثر من عقد مضى بمنع الضرب داخل المدارس المصرية.
وقف من هذا القرار كل من الطالب وبعض أولياء الأمور مؤيدين له، والمعلم في الجهة المعارضة للقرار وذلك لما يُفقِد المعلم وسيلة كان يحسبها في صالحه للسيطرة على الوضع داخل الفصل المدرسي.
وهو الآن لا يستطيع أن يُرهب طالبًا بالضرب وذلك لأنه يجد الطالب يقول له “ممنوع الضرب في المدارس يا أستاذ”!
تكثُر الأسباب وراء سوء العلاقة بين المعلم وطلابه ربما كلٌ منهما يُلقي التهمة على عاتق الآخر؛ لكن في الحقيقة تَكمُن الأسباب الجوهرية في بيتٍ هو الذي ينتجُ الطالب الصالح، والمعلم الأب، وهو أيضًا من ينتج غير ذلك

زر الذهاب إلى الأعلى