صوت المعلم

تعليمنا أنثوي!

لا تفرق المناهج الدراسية الحديثة في معظم دول العالم بين الذكور والإناث، كما أن اهتمام المدارس بالهوايات وتنمية المهارات الفردية والميول الجنوسية قد تضاءل إلى حد كبير. الأمر الذي على العكس تماماً في عقود قليلة مضت، حيث كانت للإناث نصيب أكبر من دراسة الآداب واللغات والعلوم النظرية، بينما في المقابل كان للذكور نصيب أكبر من دراسة الرياضيات والمواد العلمية. وفي حصص الهوايات كان التركيز على تعليم البنات (في حصص التربية النسوية) مهارات خاصة بهن كالحياكة وأشغال الإبرة والتريكو والموسيقى والطبخ .. بينما يتعلم الأولاد أعمال الزراعة والنجارة والرياضات البدنية.

فأيهما كان أصلح رؤية في تربية وإنشاء الجيل، العهد القديم المبنية مناهجه وطرق تدريسه على احترام الفروق بين الجنسين، أم تلك الحديثة التي حاولت أن تتخطاها ببناء مناهج تتعامل مع كليهما بذات البنية العقلية والنفسية؟
يؤكد كثير من الخبراء التربويين إلى أن نسبة تفوق الإناث على الذكور في جميع الميادين الأكاديمية عالية، مما يُعيدينا لسؤال آخر: هل حقاً مناهجنا ساوت بين الفروق أم أنها راعت جانب وأغفلت آخر؟
في ثمانينات القرن العشرين، كان عدد الفتيات البريطانيات اللاتي اخترن دراسة المستوى المتوسط من الرياضيات والفيزياء والكيمياء يتساوى مع عدد الفتيان، أما في المستوى الرفيع فقد كن يمثلن 20%_37% فقط من إجمالي عدد الدارسين. أي انه كلما ازدادت صعوبة هذه العلوم كلما عزفت الفتيات عن دراستها واتجهن إلى دراسة اللغات والآداب وعلم الاجتماع. وإذا نظرنا إلى الأعمال التي تمثل فيها النساء الأغلبية، وجدنا أن الرجال يشغلون معظم وظائفها العليا. فإذا كانت النساء يمثلن 96% من هيئة التمريض في المستشفيات في الولايات المتحدة فإن معظم المسئولين في المستشفى يكونون من الرجال. وبينما تمثل المدرسات في المرحلة الابتدائية 83% من أعضاء هيئة التدريس، فإن 81% من مديري هذه المدارس من الرجال.
ويقول عالِم اجتماع: “إن المرأة تبدع في الأعمال التي تتطلب تعاملاً مع الناس، وكذا الأعمال التي تتطلب ذاكرة قوية واهتماماً بالتفاصيل، كأعمال السكرتارية التي تكون فيها المرأة عوناً لرئيس رجل، فهي تقوم بالاتصالات وتجميع البيانات وترتيب المواعيد وتزيل العقبات حتى يتفرغ للأمور الإستراتيجية والقرارات الحاسمة ولا ينشغل بالتفاصيل المعوقة”.
وبنظرة منطقية للمناهج خاصة في دولنا العربية تجد أنها تميل للحفظ والتلقين وإعادة سرد المعلومة، وتفتقر إلى الأنشطة والمهارات العملية والتجريب والاكتشاف. ولو أعدنا أهم الفروقات الموجودة بين الذكر والأنثى لوجدنا أن تعليمنا “أنثوي” بامتياز!
لم نُصارع ضد الفوارق الطبيعية الفطرية بين الرجل والمرأة، ونخالف الفطرة الإنسانية والطبيعة البيولوجية؟ بينما مراعاتها وفهمها والعمل على تنمية كل منهما لما ميز به من خصائص ومزايا يراعي طبيعته الأولى مما يجعله أكثر قدرة على العطاء والتواصل وإفادة نفسه والمجتمع!
كل محاولات الهندسة الاجتماعية سقطت وجثمت بآثارها السلبية على مجتمعاتنا، وفيما حدث في “مجتمع الكيبوتسات في دولة الاحتلال الصهيوني” دليل جلي وواضح على الحنين للعودة للفطرة، حيث تربى هناك كل من الذكر والأنثى بذات الأساليب والقوانين، لكننا في النهاية وجدنا أن المرأة تتجه إلى كل ما من شأنه أن يُعلي من عاطفتها وأمومتها سواء في التعامل اليومي أو في اختيارهم للتخصص الجامعي.
تلك الفوارق النوعية بين الجنسين والتي تجاهلتها مناهجنا التعليمية التي نحّت جانب العمل والجهد والمهارة والبحث جعلت للإناث حظاً أكبر في التفوق لأن ما يطرح يناسب بناهم البيولوجية التي هيَّ أقدر على الحفظ والتركيز والنظرة الشمولية للأمور والتفكير التكتيكي، وجعلت من أولادنا أقل قدرة على العطاء لأنها لم تعطهم حقهم من التجريب والتجديد والتفكير الإستراتيجي. وما أحوجنا إلى فهم عميق لكل تلك الاختلافات وبناء منهجي قويم قادر على إعطاء كل منهما حقه في تنمية جوانبه واختيار طريقه بنفسه، دون فروض تأتي من رؤية مجتمعية خاطئة للفوارق وتكمل بمناهج تدريسية عقيمة لم تزد على أن تكون عبئاً على كل منهما بطرح القديم البالي والجديد المعقد في آن واحد دون تمحيص ودون روية في تناول المواضيع التي تطرحها، ودون حفظ جمالية ما للاختلافات العقلية والنفسية والجمالية ما بين الجنسين قادرة على أن تخلق لها مجتمعاً متوازناً لا متناحراً على أيهما الأفضل؛ ولا يتأتى ذلك إلا بعودة البرامج التي تخدم كل منهما وتراعي تطوره العقلي والنفسي على السواء، مع التأكيد على عدم حرمان أي من الأطراف من التجربة والدخول إلى عالم الآخر واكتشافه للوصول إلى أقصى حالات الإشباع العقلي وفتح كافة الطرق أمامهم من بحث وتجريب واكتشاف من أجل اختيارات مستقبلية سوية تؤكد قيمتهم في ذاتهم، وتنعكس على مجتمعاتهم بالخير والإصلاح.

معلمة ابتدائي – غزة 

زر الذهاب إلى الأعلى