رأي الوالدين

تعليمنا وتعليمهم!

دائمًا وكما هو الحال لمن لديه أطفال في المدارس يبقى حديث الأمهات العام هو فنون التدريس البيتي ومتابعة الواجبات المدرسية، وكأم جديدة ما زالت تتعلم من خبرات الآخرين في هذا المجال كنت أشعر أحيانًا بكم المبالغات الهائل في ذلك وكأنها مبارازات بالأفضل والأقوى والأطول ساعات في المذاكرة، وفي قانون الحياة العام لمن يكن الكم أبدًا ليتغلب على الجودة. وانطلاقًا من معاناتي في مرحلة الماجستير واكتشاف حجم الهوة التعليمية بين نظام التعليم في بلادنا ونظام التعليم الألماني، ولأني أنظر إلى الطفل من زاوية أخرى وهي أن عقله الصغير في مرحلة بناء تدريجي، وليس كرة من القماش كلما انفتقت نقبل على حشوها أكثر وأكثر لتبقى صلبة وتقاوم الصدمات.

لكن على كل حال كنت أسأل الأمهات العربيات من حولي وأقارن بين هذه وتلك وأجد العامل المشترك بينهن هو تطبيق نظام التعليم الذي تلقينه في مراحلهن المدرسية على أطفالهن، في إشارة إلى أنهن كن متفوقات في تعليمهن وحصلن على معدلات كذا وتخصصات كذا وكذا، وأجد ذلك أبعد ما يكون عن المنطق وخصوصًا بعد التجربة، فلن أقول إنني كنت من ذوي المعدلات العالية وأختم الكتب من (الجلدة للجلدة)! ولن أقول إنني كنت أدرس حتى ما بعد منتصف الليل، ولن أقول إنني كنت من الأوائل على مستوى المملكة، ولكن كل هذا لم يسعفني في دراستي للماجستير.

والمحزن في الموضوع من أحاديث الأمهات العام أنهن يتفقن على أن نظام التعليم الألماني في المدارس مختل! لأنه يبدأ متساهلًا وبطيئًا في المرحلة الأساسية وخصوصًا صفي الأول والثاني، وبالتالي تزيده بعض الأمهات العربيات إلى تعليم الأطفال في البيت مواد إضافية مستواها أعلى بصف أو صفين وربما أكثر، ظنًا منهن أنه يحقق تفوقا أعلى من النظام المدرسي وأن الولد سيغدو مميزًا في صفه وأذكى من الألمان! ولكن الحقيقة موجعة، والألمان لا يتعاملون مع هذا الموضوع بتساهل أبدًا إلا إذا كان الطفل فعليًا وبامتحانات موثقة ثبت أنه فائق الذكاء، وقتها يعتبر من ذوي الحاجات الخاصة ويجب أن يولى اهتماما مميزا بإرساله إلى معاهد متخصصة وإعطاءه بعض التمارين الإضافية حتى لا يشعر بالملل.

عند سؤالي للأمهات الألمانيات عن طبيعة تدريس الأطفال في البيت ومراجعة الدروس والواجبات المدرسية، كانت الإجابة أنهن يتبعن مخطط المعلمة وهي ستشرح ذلك بالتفصيل في اجتماع أولياء الأمور لاحقًا.

وجاء موعد الاجتماع الذي كنت أنتظره بشوق لأعرف على الأقل كيف أبدأ مع ابني بداية صحيحة دون أن أخلق في داخله انفصامًا تعليميًا وأن يكون بناؤه التعليمي استراتيجيًا متناسبًا مع نظام التعليم الألماني، ليكون يومًا ما مثل زملائي الألمان ولا يعيش تجربتي المريرة.

أخذت المعلمة تشرح في الاجتماع عن طبيعة المواد الدراسية وأهمها اللغة الألمانية والرياضيات، أما باقي المواد فهي عبارة عن مواد بسيطة سأتكلم عنها فيما بعد.

أهم ما في الألمانية التركيز على صحة مخارج الحروف سواء للألمان أو الأجانب على حد سواء، ونطق الكلمة باستخدام نظام صوتيات وجدته ذكيًا ومبهرًا، حيث فيها يستخدم الطفل عينيه ولسانه ويديه، أي تشترك حواسه كلها في نطق كلمة من خلال تقطيعها إلى قوارب.

مثل : Garten ينطقها الطفل من مقطعين  Gar – ten والكلمة تكون أمامه على اللوح بخط كبير وكل مقطع له لونه Gar – ten، ويرسم الطفل بإصبعه وهو ينطقها قاربين، لترسيخ الكلمة بمعناها بكل ما تحمل من حروف في عقله ويبدأ بناء المفردات للقراءة والكتابة.

أما الرياضيات فالأعداد التي يدرسونها في الصف الأول هي من 1 إلى 20 وهذه الأعداد تكون فقط ضمن العمليات الحسابية من جمع وطرح ولا يزيد العدد عن 20 في أي مسألة مهما كان شكلها، أنا متأكدة إن الكثيرين يضحكون وهم يقرأون ويقولون (ما هذا التخلف؟ فقط للـ 20! عجيب).

العجيب ليس في شكل الرقم 20 بل العجيب هو الأساس المتين لجميع هذه الأعداد؟ بالإحساس فيها كمًا ونوعًا! وماذا سُيبني على ذلك في السنين القادمة، وكيف سيحسب الطفل في رأسه دون الألة الحاسبة أو استخدام العداد أو أصابع يديه وقدميه وربما أصابع كل من في البيت! لحل مسألة فيها رقم كبير نوعًا ما.

في نهاية الاجتماع والتعرف على البناء الهرمي للمنهاج الذي وضحته المعلمة لكلا المادتين باستخدام الـ power point  توضحت الأمور لدي ولكن بقي سؤال كيف أدرس ابني في البيت؟

سألتها وكانت الإجابة مفاجئة من خبرتها الطويلة في التعليم وخصوصًا بوجود الأجانب:

قالت لي: نظرًا لاختلاف التعليم بين ما تعلمتموه كأهل وبين نظامنا الألماني والذي سيعتاد الطفل عليه حتى المراحل العليا، أفضل أن تسألي طفلك يوميًا ماذا تعلم؟ دعيه يشرح لك ما شرحته له أنا وبالتالي هو سيتعود الاعتماد على نفسه وسيقوي ذلك من ،وتكوني أنتِ في أغلب الأحوال مراقبة وليس معلمة، وألا يتعدى وقت حل الواجبات أو مراجعة الدروس  الساعة يوميًا لأن الطفل يكفيه ما يتعلمه في المدرسة يوميًا، ولا نريد أن يشعر بالملل والنفور، دعيه يستمتع ببعض ساعات اللعب والجلوس مع الأهل بدون ضغوطات، فكل طفل له قدراته.

الكثير من النساء العربيات ممن شرحت لهن ما قالت لي المعلمة سخرن من هذا الأسلوب، قائلات إنه غبي وأنه يجب أن يتم إجلاس الطفل ساعات طوال لحل الواجبات ومسائل إضافية مطبوعة من الانترنت، أو باستخدام كتب مدرسية إضافية لمراحل متقدمة في بعض الحالات.

لن أكتب الكثير عن أسلوب التعليم و لكن سأطرح مثالا صغيرا جدًا..

جاء ابني وقد كتب على دفتر واجباته، أنه في يوم الغد لديه إملاء في صفحة كذا وهي قطعة مكونة من سطرين، تلقائيًا أعطيته ورقة وقلم وهيا أكتب. وأعيد وأزيد بالكلمات حتى تأكدت أنه يكتبها صحيحة، فعاد ابني في اليوم التالي وسألته: كيف الإملاء؟

قال لي ممتاز ولكن هناك لدي حرف خطأ.

سألته بسرعة: لماذا ألم نتدرب عشر مرات على ذلك؟

قال لي: نعم ولكن لم تعمل المعلمة كما قلتِ أنتِ!

أعطاني الورقة وكانت الصدمة!

كانت القطعة مكتوبة كاملة في الورقة والمطلوب هو تصحيح الكلمات المغلوطة إملائيًا! ولكم التعليق!

علياء كيوان

طالبة دكتوراة في الأحياء الجزيئية وناشطة اجتماعية. مقيمة في ألمانيا، أم لثلاث أطفال، أعمل في بحوث السرطان، هوايتي الكتابة والقراءة، همي هو النهوض بالمرأة العربية في المجتمعات الأوروبية ويكون لها بصمة ومكانة، أسست مجلة المرأة العربية في ألمانيا وهي أول مجلة إلكترونية ناطقة باللغة العربية في ألمانيا تهتم بشؤون المرأة والأسرة العربية بشكل عام.
زر الذهاب إلى الأعلى