تحقيقات زدني

تعليم الفتيات في المغرب : من الهدر المدرسي إلى غياب الإنصاف

بعد حصول المغرب على الاستقلال بسبع سنوات، أحدث ظهير 13 نوفمبر 1963، الذي ينص على إجبارية التعليم بالنسبة للأطفال بين سن 7 و13 سنة. كما جرى إحداث مجموعة من الإصلاحات في المنظومة التعليمية، أهمها خطة 1957– 1959، والمخطط الخماسي 1960 – 1964، وإصلاح 1980، إضافة إلى المخطط الخماسي 1992 – 1998، ملاحظًا، في الوقت ذاته، أنه رغم كل ذلك، فإن نسبة دراسة الذكور ظلت مرتفعة بالمقارنة مع الإناث، خصوصًا في العالم القروي.

وبذلك فقد عرفت المنظومة التعليمية بالمغرب العديد من الإصلاحات منذ الاستقلال إلى الآن، كان آخرها تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين. إلا أن التصنيف الأخير للمغرب فيما يخص الوضعية التعليمية، يفرض التساؤل بإلحاح عن واقع التعليم وآفاقه، خاصة من ناحية الهدر المدرسي للفتيات، وغياب الإنصاف بين الإناث والذكور.

إحصاءات تصرخ وأرقام تستغيث حول إجحاف الإناث في التعليم

الإناث أكثر عرضة للهدر المدرسي من الذكور: بلغ عدد حالات الهدر المدرسي في السلك الابتدائي من التلاميذ المسجلين الذين انقطعوا عن الدراسة: 216 ألفًا و176، وعدد الإناث: 114 ألفًا و 674، في حين وصل مجموع معدل الهدر المدرسي إلى 5.6%، بنسبة 6.8 % من الإناث.

وبلغت حالات الهدر المدرسي بالسلك الإعدادي برسم الفترة ذاتها: 167 ألفًا و929، منها: 67 ألفًا و391 حالة تخص الإناث، أما من ناحية المعدل؛ فإن الذكور يمثلون 13.2%، والإناث 11.8%.

أما عدد حالات الهدر المدرسي على مستوى التعليم الثانوي التأهيلي؛ فبلغت في مجموعها: 75 ألفًا و861، بينها: 35 ألفًا و981 تهم الإناث. وناهز معدل الهدر في هذه الشريحة 12.3 % بالنسبة للذكور، و12.1% بالنسبة للإناث.

يبين أطلس اليونسكو المتعلِّق بأوجه التَّفاوت بين الجنسين في مجال التَّعليم الذي صدر قبل الاحتفال باليوم العالمي للمرأة 8 مارس 2016، أن الفتيات أكثر عرضة للحرمان من حقهن، وذلك رغم كل الجهود المبذولة والتقدم المحرز خلال السنوات العشرين الماضية.

وبينت مجمل الأبحاث، التي تناولت إفرازات غياب الإنصاف، المؤدي عمومًا إلى الهدر المدرسي، أن أول ضحايا هذه الظاهرة بالمغرب هن الفتيات، بنسبة 58.4%، فما تزال النساء في المغرب تعاني من الأمية، فقد أشار تقرير المنظَّمة الدولية (36) بأن نصف المغربيات فوق سن 15 عامًا تعاني من الأمّية.

نسبة التهميش التربوي للإبداع النسائي 100 في المائة:تصل نسبة التهميش التربوي للإبداع النسائي إلى 100 في المائة في كل من المستوى الأول و الثاني، وتقتصر على نسب هزيلة في المستويات الأخرى.

وإذا كان العدد الإجمالي للنصوص القرائية (21) في كتاب اللغة العربية للمستويات الستة هو 134 نصًا، فإن عدد النصوص التي أبدعها الذكور هو 121 نصًا، مقابل 13 نصًا فقط، مجموع النصوص المبدعة من قبل الإناث.

فالفاعلية الإبداعية النسائية مهمشة في الكتاب المدرسي، عكس ما نجده على أرض الواقع، إذ ليس هناك غياب للمرأة في المجال الإبداعي المغربي. ومن شأن هذه المفارقة أن تنعكس على مستوى تمثلات التلاميذ والتلميذات، على اعتبار أن الكتاب المدرسي من بين الأدوات الأساسية، التي تؤثر بشكل كبير في التلميذ(ة)، في تصوره للحياة الدراسية خاصة، والحياة العامة عموما.

إجحاف في تمثيل الإناث في الكتب المدرسية:أفاد بحث حول مقاربة النوع في المنظومة التربوية أنه، من خلال جرد لمجمل الأدوار وتوزيعها بين الذكور والإناث، يستنتج طغيان الدور الذكوري في الحياة الاجتماعية، والانفراد بمجموعة من الأدوار، ويستند ذلك إلى النزعة الذكورية المتجذرة في الثقافة الشعبية، وتمثلات المجتمع الذكوري.

وخلص البحث إلى أن هناك إجحافًا في تمثيل الإناث، فرغم صعوبة التحديد الدقيق لعدد صور تمثيل كل من الذكور والإناث، لوجود صور تمثل الكثير من الأشخاص يصعب عدّهم، إلا أن البحث تمكن من إنجاز هذه العملية في كتاب التلميذ للمستويين الأول والرابع.

ففي المستوى الأول، نجد 208 صورة للذكور، و181 صورة للإناث، أما في المستوى الرابع، فهناك 83 صورة للذكور، و17 صورة فقط للإناث.

وتعكس صور المتن المدروس الأدوار نفسها بين الذكور والإناث، فتمثيل الذكور والإناث في الصور يشخص تموقعهما في فضاءات معينة، وبالتالي يحدد نوع الأدوار المنوطة بكل منهما.

إكراه ثقافي واجتماعي يُسهم في عرقلة نصف المجتمع من التّعلم 

يحدثنا “أبو فهيمة“ عن ثقافة المجتمع القروي المغربي وتقاليده المحافظة التي تعرقل تعليم الفتيات، حيث يقول:

“لا يمكنني إرسال ابْنَتَيَّ للدراسة بعيدًا عن منطقتنا، فالبيئة المحافظة لمجتمعنا لا تسمح بالمخاطرة بسمعة بناتنا طالما ليست هناك ضرورة قصوى“.

ويضيف: “بناتي الثلاث تتمنين مواصلة تعليمهن، لكن هذه الثقافة والتقاليد لا تسمح، كما لا يمكن تحميل عمهن المقيم في مدينة الرباط مسؤولية ثلاثة بنات؛ لذا فإن إحدى البنتين أصبحت تعاني نفسيًا كلما شاهدت بعض صديقاتها ممن سمحت لهن الظروف بمواصلة تعليمهن“.

لم تعد“ صابرينا“ 12عامًا، تكترث كثيرًا لعدم متابعتها للدراسة، فهي مثل شقيقتها “سعاد“ 14 عامًا التي لم تُنْهِ دراستها أيضًا، نتيجة البيئة الاجتماعية المحافظة، ورفض عائلتها أن تسمح للفتيات بالدراسة والعيش مستقلات، وهذا ما جعل صابرينا تترك مواصلة تعليمها.

تقول صابرينا لـ“زدني“: “كنت أتمنى أن أصبح أستاذة اللغة الإنجليزية، لكن حلمي تلاشى عندما توقفت عن الدراسة بمجرد إنهاء التعليم الابتدائي، فأصبحت أسيرة حيطان منزلنا المحافظ، واليوم لا أرى نفسي غير أني ضحية، يشبهني الكثير من قريناتي في مناطقنا القروية، التي قال عنها أستاذنا يومًا: إنها أنجبت العديد من الأطر والمثقفين والعلماء، ولكن للأسف لن أستطيع أن أكون منهم فقط لأنني امرأة“.

ويشرح الأستاذ والناشط الجمعوي “عمر الأحمدي“ رئيس جمعية “النهوض بالتعليم في المناطق النائية لـ“شبكة زدني“: “إن لمعظم قرى وبوادي المغرب خصوصيات في الحياة، وتؤثر فيها أخلاقيات وعادات وتقاليد تراكمت لدى الإنسان القروي المغربي عبر عقود طويلة، ولا يفهم هذه الخصوصيات إلا من كان من هذه المناطق، أو عاش فيها، أو درس ذهنيات الناس وسلوكياتهم، وغالبًا ما تؤثر بعض من هذه العادات والتقاليد سلبًا على دراسة الفتيات، ويحد من إقبالهن على الدراسة بعيدًا عن بيوت أسرهن، أو بعيدًا عن المنطقة التي ينتمين إليها، فما يزال عدد كبير من الآباء لا يشجعون بناتهم على متابعة الدراسة، وأحيانًا يرغمنهن على مغادرة قاعات الدرس، وتتعقد الأمور أكثر عندما تحصل الفتاة على شهادة الابتدائي، وتزيد تعقيدًا عند حصولهن على شهادة البكالوريا، حيث ما زالت العديد من الأُسَر تمنع بناتهن من الذهاب إلى المدن البعيدة عن مقر إقامتهن لمتابعة الدراسة الثانوية أو الجامعية. وفي أحسن الأحوال يسمح الآباء لهن بالدراسة لغاية إنهاء المستوى الابتدائي فحسب“.

ويتابع: “فبعض الأُسَر ما زالت تعتبر دراسة الفتاة بعيدًا عن المنطقة عيبًا، وأمرًا قد يجلب المشاكل للأسرة، وبعض الآباء لا يستطيعون تقبل وجود بناتهم بعيدًا عن أنظارهم، بسبب ما يصل أسماعهم عن الظواهر التي قد تنتشر في الثانويات والجامعات، ناهيك عن الصعوبات المادية التي تحول دون تمكن بعض الأُسَر من توفير الحاجيات الضرورية لمتابعة الدراسة في المدن، مما يتسبب في حرمان عدد مهم من الفتيات بينهم من هن جدّ متفوّقات من إتمام تعليمهنّ، يبقى الحل الأمثل للحد من هاذه الظاهرة وتشجيع الفتيات على الدراسات الثانوية أو الجامعية هو ضرورة توفير التعليم الثانوي والتعليم العالي في مناطق قريبة لسكنى الفتيات“.

“ فاطمة المرابطي“ فاعلة جمعوية وتأطر حملات تحسيسية بخصوص الهدر المدرسي للفتيات القرويات، تقول لـ“زدني“: “يبقى المتضرر الأكبر من الهدر المدرسي في العالم القروي هنّ الفتيات، وبالخصوص في المناطق النائية، فَجُلُّ الآباء لا يهتمون بدراسة الفتاة، وهي أمور تتحكّم فيها العادات والتّقاليد، حيث لا تزال دراسة الفتاة تُعَدُّ عيبًا في جُلِّ قرانا، بالإضافة إلى بعد البيت عن المدرسة حيث يحجم معظم الآباء عن إرسال بناتهم للدراسة خوفًا عليهن“.

وتضيف: “وخصوصًا أن هذه الظاهرة تسري على الفتيات أكثر منها على الذكور؛ لأن الآباء لا يأمنون أن تكون بناتهم من دون مراقبة، وبعض الفتيات يكنّ جدّ متفوّقات، ورغم ذلك يُحرمن من إتمام تعليمهنّ لهذه الأسباب أو تلك، وتزويج الفتيات في سنّ مبكّرة تصل في بعض الأحيان إلى الثالثة عشر أو الرابعة عشر سنة“.

تقول “نعيمة“ رئيسة جمعية ملتقى المرأة في تصريح سابق لها لـ“زدني“: “إن بعض العادات، والتّقاليد، والأفكار، والقيم الاجتماعية الخاطئة في المغرب، وخصوصًا في البوادي والأرياف؛ كانت من بين الأسباب التي أوجدت مشكلة الأمية، وزادتها حدة وتعقيدًا، فعلى سبيل المثال، لا يزال هناك اعتقاد لدى كثيرين بعدم أهمية تعليم الفتيات، وفي أحسن الأحوال فإنها تقبل على استكمالها مرحلة التعليم الابتدائي لتقف مسيرتها الدراسية عند هذا الحد، ما دام بيت زوج المستقبل هو مآلها، ولذلك استفحلت الأمية بين الإناث من سن 15 عامًا، فأكثر حتى وصلت في العام 1980 إلى 73,5%”.

وأيضًا في تصريح سابق لـ“زدني“ يقول “عادل أمزيان“ عضو في الحركة الثقافية الأمازيغية وباحث في الثقافة الأمازيغية وتقاليد الأمازيغ: “إن بعض التقاليد الموروثة عندنا تحرم الإناث من التعليم جراء عدم توافر الوعي الكافي عند بعض القبائل، لاسيما عند الآباء غير المتعلمين، وما زاد الأمر تفاقمًا، أن البعض أسبغ على الاعتقاد بعدم ضرورة التعليم للإناث طابعا دينيًا، وألبسه ثوبا إسلاميًا، على الرّغم من أن الإسلام جعل العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وهي دعوة صريحة للتّعلم، والسعي وراء المعرفة، والتحذير من الوقوع في براثن الأمية“.
ويضيف: “إن الإسلام ثورة على الأمية، وحرب على الجهل والفقر، ولا يجوز أبدًا ربطه بأي شكل من أشكال التّخلف“.

التمييز مستمر في التعليم، والإبداع النسائي مغيب من البرامج التربوية:

أما بالنسبة لتكافؤ الفرص بين الجنسين في التعليم، فقد أشار التّقرير العالمي لرصد التّعليم والّذي صدر حديثًا عن اليونسكو إلى أنه “على الرّغم من التّحسُّن في مجال تكافؤ الفرص بين الجنسين فيما يخص الولوج إلى التّعليم الابتدائي منذ عام 2000، فإن التحاق الفتيات بالتّعليم الثّانوي يبقى متخلّفًا، بسبب العقبات الثّقافية، وكذلك قضّية الوصول إلى المدرسة وجودتها بالأرياف“.

 يقول “محمد بن أحمد“ خبير تربوي: “في زمن أصبحت المساواة بين الرجل والمرأة أمرًا ضروريًا وعادلًا، ما زلنا نرى أن هنالك جوانب من التفرقة والتمييز على أساس الجنس، للأسف فإن التمييز ضد النساء يتّخذ أشكالًا يصعب التنبؤ بها، إذا تأملنا تعريفًا مبسّطًا للتمييز؛ فإننا نجد أن التمييز الجنسي هو ببساطة معاملة أحد الجنسين بطريقة مختلفة (إيجابية أو سلبية)، باعتباره مختلفًا عن الجنس الآخر بطريق أو بأخرى، بحيث يصبح التفضيل هو الآخر انعكاسًا لفكر قائم على أساس التمييز الجنسي، وبالإيمان أن النساء أقل قدرة من الرجال من الناحية البدنية و النفسية و العقلية“.

ويضيف: “وبالتالي فإن اعتقاد أنهن في حاجة إلى معاملة خاصة؛ يكمن في صميم العرف الذي ينص على حرمان الكثير من الفتيات من إنهاء تعليمهن، والولوج إلى مجال الوظيفة“.

وبحسب المؤشر الذي أعدّه المنتدى الاقتصادي العالمي لسنة 2015، فقد صرح عن نتائج سلبية، تلك التي حققها المغرب فيما يخص مؤشر المساواة بين الجنسين للعام الحالي، إذ احتل المرتبة 139 من أصل 145 دولة، متأخرًا، سواء على مستوى العالم العربي أو على مستوى المنطقة المغاربية، بمعدّل لم يتجاوز 0.59 على واحد، فيما احتلت المرتبة 123 بمعدل 0.914 في مجال التّحصيل العلمي.

والأمر نفسه بالنسبة لحضور الإبداع النسائي؛ يصرح لنا في هذا الشأن المفتش والباحث التربوي “محمد صلاح“: “نلاحظ سيطرة المبدعين الذكور على مجمل النصوص المقررة، مقارنة مع الحضور الإبداعي للإناث. ويكاد الحضور الذكوري يكون مطلقًا، رغم ما ينص عليه الميثاق الوطني للتربية والتكوين من مبدأ الإنصاف والمساواة، وأن تحترم في جميع مرافق التربية والتكوين، المبادئ والحقوق المصرح بها للطفل و المرأة، والإنسان بوجه عام، كما تنص على ذلك المعاهدات والاتفاقات الدولية المصادق عليها لدى المملكة المغربية، بالإضافة إلى تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص أمامهم، وحق الجميع في التعليم، إناثا وذكورًا، سواء في البوادي أو الحواضر، طبقا لما يكفله دستور المملكة“.

مضيفًا أن: “كل ذلك لا يعدو أن يكون من بين الشعارات التي اعتادت الدولة رفعها، من دون أن تتحقق على أرض الواقع وتدعو إليه، وبين ما تطبقه وتدعو إلى إجراءاته“.

ويظهر: “أنه من خلال جولة قصيرة في المؤسسات التعليمية، يتبين مدى جرأة مقاربة النوع “فالذكور يجلسون في الصفوف الأمامية، عكس الفتيات، اللواتي يجلسن في آخر الصف، وأوضح “صلاح“ أنه من خلال مسح سريع للكتب والمقررات الدراسية، تتأكد كيفية تطبيق التعليمات الرسمية في إدماج مقاربة النوع، فرغم الجهود المبذولة والتنقيحات العديدة للصور التقليدية والنمطية للمرأة، إلا أن “الكتاب المدرسي ما زال يروج صور وأدوار المرأة التقليدية المخالفة للواقع“، مضيفًا: “أن تعاملات وخطاب بعض رجال ونساء التعليم أنفسهم ما زالا يطغى عليهما التمييز“.

إرهاصات اللامساواة بين الجنسين في الفضاء التعليمي:

وحول موضوع استمرار إرهاصات اللامساواة بين الجنسين في الفضاء التعليمي، أفاد “عمر أفتاي“، أستاذ وباحث في مجال المنظومة التعليمية، في تصريح لـ“شبكة زدني“، “أن الإنصاف بين الجنسين يشكل أحد مرتكزات الإنصاف في الفضاء المدرسي، مبرزًا أن تحسين التعليم وتطويره، والإنصاف في الفضاء المدرسي: عنصران مترابطان في علاقة جدلية لا يتحقق أحدهما في غياب الآخر“.

ويضيف “أفتاي“، أن المقررات والعهود الدولية لحقوق الإنسان تؤكد ضرورة توزيع عادل للثقافة والتعليم بين الجنسين، وكذا بين الفئات، وبين البلدان والثقافات على اختلافها، مشيرًا إلى أن: “الإنصاف بين الجنسين لا يمكن أن يتحقق من دون استحضار إشكالية النوع الاجتماعي في الخطاب والواقع التربويين، أي في النصوص الرسمية، التي توجه المنظومة التربوية، وكذا في المقررات والكتب المدرسية، إلى جانب توفير الإمكانيات اللازمة، من أطر وفضاءات ومرافق، وتنمية جرأة الخطاب على مستوى الممارسة الصفية، والتفاعلات بين المتعلمين والمتعلمات في الفصول الدراسية، والفضاء المدرسي، بشكل عام“.

وبخصوص إشكالية النوع الاجتماعي في المنظومة التربوية بالمغرب، يقول “محمد بن أحمد“ (خبير تربوي): “إن التعليم بالمغرب كان تاريخيًا مرآة لمستويات وأنماط التفكير السائد داخل المجتمع، إذ كانت الصورة السائدة داخل المجتمع التقليدي تجاه المرأة والرجل، من حيث الأدوار والمسؤوليات مجحفة في حق المرأة، لأن هذه الصورة ظلت وثيقة الارتباط بالفكر الأبوي“.

ورغم ذلك، أوضح الخبير، أن فرص تعليم المرأة في المجتمع التقليدي لم تكن منعدمة، إلا أنها اقتصرت في غالب الأحيان، على المعارف الدينية.

ورغم التطور النسبي لنسبة دراسة الإناث مقارنة مع الذكور، يرى “محمد بن أحمد“ أن صورة الإناث من خلال البرامج والكتب المدرسية ظلت تعكس الأدوار التقليدية للمرأة في المجتمع، وتحمل أنماطًا وتمثلات غير منصفة.

من جهتها، ترى “فاطمة أكزناي“، مستشارة في التوجيه التربوي وناشطة جمعوية، أن هناك فرقًا بين النوايا الحسنة والشعارات المرفوعة وبين الواقع المعاش، وتقول: “هناك فرق بين ما تنادي به وزارة التعليم وتدعو إليه، وبين ما تطبقه وتدعو إلى أجرأته“.

وتعتبر أكزناي: “أن إدماج مقاربة النوع في المنظومة التربوية رهين بإرادة حقيقية لقبول هذه المقاربة، قائلة: “للوصول إلى هذه الغاية، لا بد من تغيير العقليات القروسطية والمتكلسة، الرافضة للتغيير“.

فما العمل إذن؟

“أشرف الميعادي“ رئيس جمعية “محاربة التمييز ضد النساء؛ يصرح لـ“شبكة زدني“: “إن من جوانب محاربة التمييز ضد النساء إلغاء أية ممارسات تفترض وتكرس وجوده فوارق بين الجنسين، فنحن عندما نقر بأن هنالك اختلافًا بين الذكور والإناث يوجب معاملة الإناث بشكل مختلف، فإننا نعود بالنضال من أجل حقوق المرأة إلى نقطة الصفر، فمثل هذا التفكير هو الذي حرم –و لا يزال يحرم– النساء من ولوج مهن تعتبر “رجالية“، إن النساء أثبتن أنهن قادرات على مجاراة الرجال، فنحن نرى الشرطية والعسكرية والطبيبة والوزير، و من المعيب و المسيء لنسائنا وبناتنا أن نستهين بقدراتهن العقلية، ونحرمهن من حقهن الأساسي وهو الحق في التعليم“.

ويضيف: “إن هذا الإجحاف في حق نسائنا في وطننا الحبيب ليس تكريسًا وإقرارًا لفكرة دونية الإناث فحسب؛ وإنما فيها ظلم للعنصر الذكري عندما يتحمل المسؤولية ومصاريف المعيشة لوحده، من دون مساندة المرأة له، خصوصًا في هذا العصر الذي يحتاج فيه الرجل إلى مساندة المرأة، ومن هذا المنبر المتميز ننادي بإلغاء هذه الممارسة غير العادلة“.

وأمام هذا الواقع الذي يعانيه نصف المجتمع؛ لا بد من أخذ قضية النهوض بالمرأة تعليمًا على محمل الجد، ما يسهم في النهوض بالمجتمع عمومًا، إذ تعليم النساء والفتيات على وجه التحديد؛ يمثل أداة قوية منقطعة النظير تتيح تحقيق التحولات الإيجابية، ذلك أنه يعزز من إمكانية حصولهن على فرص العمل، كما يمكنهن من الحفاظ على صحتهن، ومن المشاركة في حياة المجتمع، ويؤثر التعليم كذلك بشكل ملحوظ على صحة أبنائهن، ويعجل من انتقال بلدهن إلى معدلات نمو سكاني مستقر، وفق ما ذكر مرصد “التعليم للجميع“.

ورغم ذلك، حقق المغرب نتائج مشجعة فيما يتعلق بنسبة الدراسة والمساواة بين الفتيات والذكور، وعلى سبيل المثال: أنجزت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي –بتعاون مع منظمة اليونيسيف– بحثًا حول الفتيات والذكور، لاحظت من خلاله تراجع نسبة الهدر المدرسي بـ12 نقطة، بين 1997/98 و2002/03 على المستوى الوطني، وسجلت 22 نقطة على مستوى الوسط القروي، ورغم هذا النجاح المسجل؛ يبقى هناك الكثير من العمل للتقليل من هذه الظاهرة.

وأوضح مصدر حكومي؛ أن الحكومة المغربية عملت في سبيل التّغلّب على هذا الواقع، بوضع إستراتيجية لبناء مدارس متخصّصة ومرافق داخلية، كما حدّدت وزارة التّربية الوطنية والتّكوين المهني معايير لاستهداف المناطق الأكثر عزلة، وتلك التّي ترتفع بها نسب الفقر، قائلة: “إن 7% من السّكان يعيشون على أقل من 1.99 دولار في اليوم ما بين 2003 و2016″.

وأوضحت “فاطمة أكزناي“ لـ“شبكة زدني“: “أن المغرب يعمل جاهدًا لإلغاء جميع الفوارق بين الجنسين، في أفق 2020، في جميع مستويات التعليم الأولي والابتدائي والإعدادي، مع إعطاء الأولوية لدراسة الفتاة، وخاصة القروية“.

وقالت: “نحن في بداية الألفية الثالثة، وما زلنا نتحدث عن الأمية بلغة التأنيث في بلدنا“، مضيفة أن “نسبة الهدر المدرسي تمس هي الأخرى فئة الإناث أكثر من الذكور، وهذا من الآفات الوخيمة التي تنخر تعليمنا، إذ رغم كل الجهود المبذولة للحد منه؛ ما زالت نسبته مرتفعة، باعتبارها تناهز 5.7%، أي: ما يعادل زهاء 250 ألف طفل سنويًا يغادرون المدرسة، أغلبهم من الإناث، وزهاء مليون طفل تقل أعمارهم عن 15 سنة ليسوا طلابًا، و65% منهم من الإناث، أغلبهن من العالم القروي“.

واستشهدت الناشطة الجمعوية بالتعامل داخل المؤسسات التعليمية، إذ يلاحظ التمييز بين الجنسين، رغم أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين حدد حقوق أفراد الكادر التربوي وواجباته بالمؤسسة التعليمية، مؤكدة أنه “من المفروض أن ترتكز علاقة المدير بالأساتذة على الحوار والاحترام، وتفهم المشاكل، والمساعدة على حلها، من دون تمييز بين الرجال والنساء“. وأضافت، أن ما يلاحظ أحيانًا على أرض الواقع هو عكس ذلك، إذ هناك “بعض المديرين تطغى على علاقتهم بالأساتذة الذاتية والسلطوية، خاصة مع العنصر النسوي، كما أن بعضهم يميز بين الأستاذات المحجبات والأخريات“.

واستطردت أكزناي قائلة: “رغم كل الجهود المبذولة في إطار المساواة بين الذكور والإناث في التعليم، ما زال الفرق شاسعًا في نسبة الدراسة بين الجنسين، خصوصًا في العالم القروي، حيث يفضل الآباء الاستثمار في تعليم الأبناء، وتسخير البنات للأشغال المنزلية، ما يعتبر إجحافًا في حقهن وتهميشًا لهن“، مشيرة إلى أنه من بين ركائز التنمية البشرية المستدامة: مبدأ تكافؤ الفرص والحظوظ في جميع المجالات، ومنها مجال التعليم.

بشرى بلعلي

بشرى بلعلي باحثة وكاتبة مغربية, حاصلة على ماجستير في القانون الدولي والعلاقات الدولية, ونشر لي العديد من المقالات والابحاث على عدة مواقع إلكترونية ومجلات ورقية.
زر الذهاب إلى الأعلى