تعليم الفلسفة للأطفال .. الفلسفة المادة الدراسية التي تُحسّن سلوك الطلاب وأداءهم في القراءة والكتابة والحساب
المقال الأصلي:
Philosophy: the subject that improves children’s literacy, numeracy and conduct
مقرر تعليمي في الفلسفة سيكون جزءًا من مرحلة ما بعد الابتدائية، فوائده المنتظرة عديدة، لكن كيف سيجري تدريسه وتقييمه؟
بينما نعيش اليوم بعد عصر اليونانيين بحوالي 2500 عام، تجد الفلسفة طريقها أخيرًا إلى المناهج الدراسية في المدارس؛ إذ يتقدم المجلس الوطني للمناهج والتقييم (في أيرلندا) بخططه لتدريس مقرر تعليمي قصير في مادة الفلسفة، سيجري تقديمه بوصفه جزءًا من المنهج الدراسي الجديد لمرحلة ما بعد الابتدائية (Junior Cycle).
تتزامن تلك الخطوة مع تنامي تيار من الأبحاث تسلط الضوء على منافع تدريس الفلسفة للأطفال؛ ففي دراسة أجرتها جامعة دورهام على 3000 طالب من 48 مدرسة ابتدائية حكومية ونُشرت الشهر الماضي، عُقدت صلة بين تدريس الفلسفة للأطفال ومكاسب كبيرة تجلَّت في تحسين درجات الأطفال في الرياضيات والقراءة والكتابة، كما أنها حسَّنت من سلوكهم.
كما وجدت دراسة أميركية حديثة، أُجريت على طلاب تتراوح أعمارهم بين 13 و14 عام في ولاية تكساس، آثارًا مشابهة جرَّاء تدريس مقررات الفلسفة، قالت الدراسة إن:
“أثرًا ملموسًا على قدرات الطلاب المعرفية يمكن تحقيقه خلال حوالي 24 أسبوعًا من دروس الفلسفة”.
وهو أقل من نصف الوقت الذي دلَّلت عليه دراسة تاريخية حول تدريس الفلسفة للأطفال في اسكتلندا قبل عشرة أعوام.
يزور البروفيسور كيث توبنج –وهو واحد من مؤلفي تلك الدراسة الاسكتلندية- مدينة دبلن يوم الثاني والعشرين من أغسطس للمشاركة بمؤتمر ليوم واحد عن حضور الفلسفة في المدارس، كما من المقرر أن يجتمع الأكاديميون من جامعة دندي بمسئولين من المجلس الوطني للمناهج والتقييم لمناقشة أفضل السُبل لمباشرة العمل على خطط المناهج الدراسية المأمولة.
وقد أوضح أنه من أجل حصد فوائد تدريس الفلسفة للأطفال فلا يمكننا معاملتها مثل أي مادة دراسية أخرى؛ يقول توبنج: “إنها ثقافة مضادة في واقع الأمر، إنها خطوة ثورية في سياق التعليم الذي عهدناه في المملكة المتحدة أو أيرلندا، أعتقد أن الطريقة المناسبة للتعامل مع الأمر ليست بافتعال ضجة كبيرة حول ما يمثله من ثقافة مضادة، بل بربطه بأمور تشغل بال المعلمين بالفعل؛ لأن الحكومة تفرضه عليهم”.
وكما يقول توبنج إن لدى المعلمين “دوافع تقليدية للغاية” لتدريس الفلسفة للأطفال ضمن المناهج الدراسية ترجع لفوائدها المثبتة في تعزيز معرفتهم بالقراءة والكتابة والحساب، ومع ذلك فإن هناك “منافع إضافية ربما تغدو واضحة بمرور الوقت” بما فيها أثر تدريس الفلسفة للأطفال على بيئة التدريس ككل وعلى تفاعل التلاميذ داخل تلك البيئة، هناك كذلك بعض الأدلة تُشير إلى أن مذاكرة الفلسفة تُحسِّن من قدرة الأطفال على اتِّخاذ القرارات الأخلاقية، على الرغم من أن توبنج يقول أنه “يَحذر من ترديد ادِّعاءات كبيرة” حيال هذا الأمر.
السنوات المُبكِّرة
تُعد الفلسفة جزءً راسخًا من المناهج الدراسية في المرحلة الثانوية في كثيرٍ من الدول الأوروبية، من بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا؛ ومع ذلك يؤمن توبنج أن: “إدخال الفلسفة في المرحلة الابتدائية سيكون أمرًا جيدًا بدرجة كبيرة جدًّا لأيرلندا، وربما كذلك في العام الذي يليه بإدخالها في المرحلة الثانوية”.
يقول توبنج: “لا يرجع ذلك إلى أن تدريس الفلسفة للأطفال قد يكون أقل فعالية في المرحلة الثانوية؛ إنما ببساطة لأن المدارس الثانوية تُعتبر بيئات أكثر تعقيدًا بدرجة كبيرة كي تقوم بشيء ناجح فيها، واثنان من الأسئلة المباشرة التي تظهر إلى السطح هما (متى سيتم جدولة الأمر؟) و(مَن سيقوم بتدريسها؟) في المدارس الثانوية لديك مجموعة متنوعة من المعلمين جميعهم متخصصون في موادهم، ولا أحد منهم مُتخصص في الفلسفة”.
وهو يعتقد أن التدريب المطلوب للمعلمين ليس شاقًا، فبرامج تدريس الفلسفة للأطفال التي قام بتقويمها في اسكتلندا تضمَّنت تدريبًا لمدة يومين، مع أن تلاها تقديم دعم وإشراف على نحوٍ صارم.
لا يضطر المعلمون لمعرفة الكثير عن الفلاسفة الكبار “كل ما يهم هو أن يُدرك المعلمون فكرة الاستجواب السقراطي، وعليهم أن يتَّبعوا منهجًا عمليًّا ومُحددًا بصورة واضحة”.
في حين يوجد نماذج مختلفة من تدريس الفلسفة للأطفال تعمل في أميركا والمملكة المتحدة لكنها جميعًا تشترك في خيط ناظم يتمثل في استخدام قدر من التحفيز لإثارة نقاش يتَّسم بنهاية مفتوحة في نموذج سقراط، الذي يعتبر نفسه في قوة “قابلة” الحقيقة.
يستجوب المعلمون منطق التلاميذ ووجهات نظرهم، وتُخلق مساحة للتفكير النقدي، ويكمن التحدي في كيفية تقويم مادة الفلسفة في المدارس، ومثل المقررات الدراسية القصيرة الأخرى المخطط لها في مجالات مثل كتابة أكواد البرمجة أو العناية بالحيوانات.
سيتضمن مقرر الفلسفة 100 ساعة من انخراط الطالب على مدار مرحلة ما بعد الابتدائية، أي: ما يُعادل نصف معدل مادة دراسية تقليدية مثل التاريخ أو العلوم.
من شأن المقررات الدراسية القصيرة أن يتم تقويمها من قِبل المعلمين، بدلًا من إجراء ذلك عبر الامتحانات، وفقًا للإصلاحات التي دفعت باتحادَي المعلمين الثانويين أن يقوما بإضرابٍ العام الماضي، ومن المقرر أن تصوت كلٌ من رابطة المعلمين الثانويين في أيرلندا واتحاد معلمي أيرلندا على قبول مقترحات نظام التعليم ما بعد الابتدائي (Junior Cycle) تلك من عدمه، وذلك في فصل الخريف، إذا تم تجاوز تلك العقبة، حينها سيتبقى هناك بعض المهام لإنجازها، تدور حول كيفية قياس العملية التعلُّمية في مقررات الفلسفة.
“كيف لك أن تُقوِّم شيئًا هو نتاج الذكاء الاجتماعي؟ بعبارةٍ أخرى، عمِل الأطفال بنشاط وتفاعل مع معلمهم، ثم عملوا بتفاعل مع بعضهم البعض: كيف لك أن تُقوِّم هذا الأمر بمعزِلٍ عن ذاك؟”
“المسألة الأخرى هو كيف لك أن تُقوِّم ذلك بدون أن تلجأ للكثير من الكتابة؟ لأنك بمجرد ما تلجأ للكتابة فإنك تلقائيًّا تقوم بتقويم الكتابة فضلًا عن التفكير نفسه”.
يدفع توبنج بأن أفضل طريقة للتعامل مع تدريس الفلسفة للأطفال هي نموذج “تقويم الأقران“، والذي يُعد “شائعًا للغاية في اسكتلندا” ويتضمن استعراض أكثر عُمقًا للطالب، باختصار ينقسم التلاميذ إلى مجموعات ويقوِّموا نقاط القوة في منطق تفكير كل واحدٍ منهم. يقول توبنج: “سيصيح بعض الناس على الفور (لكن تقويم الأقران لا يمكن أن يكون بنفس جودة تقويم المعلم) لكنني أخشى أن الإجابة أن تقويم المعلم لا يمكن الاعتماد عليه بدرجة كبيرة وهو بالطبع ليس أكثر وثوقية من تقويم الأقران”.
تقول البروفيسور شارلوت بليز -وهي باحثة زميلة في قسم الفلسفة بكلية دبلن الجامعية وقد قامت بتنظيم مؤتمر اليوم الواحد- إنه من المهم التأكيد على أن “المرء بإمكانه تدريس الفلسفة بدون فرض توجه فلسفي ما، وأن هذا الأمر يشكِّل خطرًا”.
درَّسَتْ بليز بنفسها الفلسفة في مدارس بشمال أيرلندا، وتقول “إن أهميتها لا تأتي من نتيجة الاختبارات، أو في تحسين جداول اتحادات المدارس، إن تدريس الفلسفة للأطفال ليست محض وسيلة لغاية ما … الفلسفة هي – أو ينبغي أن تكون – جوهر التعليم الذي يحصل عليه كل طفل، الفلسفة هي تدريب على كيفية التعلُّم، كيف نُصغي لتفكيرنا، وكيف لنا أن نتحدى -بكل احترام- منطق الآخرين في التفكير”.
“أعتقد بالطبع أن هناك فرصة حقيقية لتقديم شيء مختلف تمامًا في المدارس الأيرلندية أبعد من مجرد أن يُملي المعلم أفكارًا ومعتقدات مفكرين رحلوا عن عالمنا”.
لقد علَّمَتْها خبرتها في مباشرة برامج تدريس الفلسفة للأطفال في كلٍّ من المدارس البروتستانتية والكاثوليكية في مدينة بلفاست درسًا آخرًا – أن الفلسفة والتعليم الديني (RE) ينبغي أن يبقيا بعيدًا عن بعضهم البعض.
إذ أعلنت حكومة ويلز خططها في وقتٍ مبكرٍ من هذا الشهر بمراجعة مناهج التعليم الديني كي تُغطي المجالات الواسعة “للدين والفلسفة والأخلاق” إلا أن بليز تعتقد أن هذه مُقاربة خاطئة للمسألة؛ فقد شاركت في ورش عمل بشمالي البلاد قصدت إلى تقديم الفلسفة لمناهج الدراسات الدينية وقد “عانى” المعلمون من أجل التغلب على موانعهم الداخلية.
التعارض مع الدين
تقول بليز: “إن فكرة تقديم الفلسفة عبر الحديث عن الإله والدين ليست بداية جيدة في رأيي؛ فهي تُغضب الجميع، وينتهي بك الحال منفِّرًا الجمهور منك -من خلال تجربتي- أجد من الأفضل أن تبدأ بتقديم فلسفة الفن والسياسة والأخلاق – أي أفكار كوَّن الأطفال عنها قبلًا آراءً، وهي التي يمكن صقل الحديث فيها وتعقيده من خلال التأمل”.
يتفق توبنج مع الأمر ويحذِّر من إشعال منافسة زائفة بين الفلسفة والتعليم الديني؛ إذ يقول: “ربما يكون من الجيد للأطفال أن يفكروا قليلًا في الأديان، لكن هذه ليست الطريقة التي من شأني أن أبدأ بها تدريس الفلسفة للأطفال على الإطلاق، سأقوم بعرض الفلسفة بوصفها شيئًا منفصلًا تمامًا، لكنها تحمل تأثيرات على أي مادة دراسية أخرى، بما في ذلك التدريب البدني والأعمال الخشبية”.