ثلث طلاب العراق محرومون من التعليم
لم تعد صابرين (١٦ عامًا)، تكترث كثيرًا لعدم ذهابها الى المدرسة، فمثل شقيقها سعد (١٩ عامًا) الذي ترك المدرسة هو الآخر قبل ثلاثة أعوام، وانشغل بمهنة حرة لمساعدة أسرته، نتيجة فقر الحالة المادية وزحمة عدد الطلاب في الفصل الدراسي، وهو كذلك ما جعل صابرين تترك مواصلة تعليمها.
تقول صابرين كنت أتمنى أن أكون معلمة لكن حلمي تلاشى عندما تركت المدرسة، فأصبحت أسيرة حيطان منزلنا المتهالك، واليوم لا أرى نفسي غير أني ضحية يشبهني الكثير من أقراني في بلدنا، الذي قالت عنه معلمتنا يومًا إنه بلد العلم والعلماء.
أم أنس واحدة من عشرات – إن لم يكن مئات – الأمهات اللاتي أجبرن على إرغام أبنائهن على ترك الدراسة، تقول لـ”زدني”، كنت أرغب أن يتخرج أبنائي الثلاثة من الجامعات العراقية لكن ظروفًا كثيرة أجبرتني على حرمان اثنين منهم من مواصلة تعليمهم، فما نحصل عليه من مال لا يكفينا ونحن نقدم الأهم على المهم، والأهم عندنا أن نسترزق ونبحث عن قوت يومنا لنعيش فقط، حيث إن زوجي يعمل بأجر يومي وابني أنس سافر ليقيم عند بيت عمه في بغداد ليكمل تعليمه، أما ابنتاي زهراء وسمية اكتفيت بتخرجهما من الابتدائية، فلا يمكنني إرسالهن لمدارس تبعد عشرات الكيلومترات عن قريتنا، كذلك الوضع الأمني المتردي في محافظتنا (ديالى) لا يساعد على المخاطرة بحياة أبنائنا طالما ليست هناك ضرورة قصوى.
وتقول أم أنس
“بنتاي تتمنيان مواصلة تعليمهما لكن الظروف لا تسمح، كما لا يمكن تحميل عمهما المقيم في بغداد مسؤولية ثلاثة أبناء، لذا فإن إحدى البنتين أصبحت تعاني نفسيًا كلما شاهدت بعض صديقاتها ممن سنحت لهن الظروف بمواصلة تعليمهن”.
انهيار أمن الطلبة
أما الطالب دريد حسين (٢٠ عامًا)، يقول لـ”زدني”، إن “الوضع الأمني أثر تأثيرًا كبيرًا على الدراسة، حيث عزف الكثير من زملائي الطلبة عن الدراسة بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة”.
ويشير حسين، إلى أن الانفجارات والقتل على الهوية وكذلك عمليات الخطف التي تقوم بها عصابات إجرامية دفعت بأولياء أمور الطلبة لإجبار أبنائهم على ترك الدراسة، خوفًا على حياتهم من أي حدث أمني قد يودي بحياتهم. لافتًا النظر إلى أن بعض أولياء الأمور باتوا يفضلون جلوس أبنائهم أمامهم على فقدانهم بسبب تدهور الوضع الأمني.
وبحسب حسين، فإن الكثير من أصدقائه أجبروا على ترك الدراسة بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، وكذلك بعد المدارس عن المساكن وعدم بناء مدارس جديدة، واستبدال قسم منها بما يعرف بمدارس بالكرفانات والتي تفتقر إلى أبسط مقاومات السلامة الضرورية، كما لا تقي الطالب من حر الصيف وبرودة الشتاء، فضلًا عن العمل بنظام الدوام الثلاثي في المدرسة ما يؤثر في المستوى الدراسي ويؤدي إلى إرهاق الطلبة بسبب الزحام، فيضطر الطلبة إلى الانتقال لمدارس بعيدة جدًا عن منطقة سكناهم أو ترك مواصلة الدراسة، مبينًا أن التعليم لم يعد من أولويات الأسرة العراقية في الوضع الراهن، فأمام الجوع والفقر يصبح التعليم كمالية لا حاجة لها.
ثلث طلاب العراق تركوا المدارس
من جهتها تقول التربوية منال عباس لـ”زدني”، لا توجد إحصائيات دقيقة عن حجم الطلاب التاركين للدراسة أو المحرومين من إكمال الدراسة والمتسربين عن الدراسة في محافظات العراق
“باعتقادي أن ثلث الطلاب تركوا المدارس ومواصلة الدراسة، وقد أصبحت ظاهرة حقيقية وخطرة، وبالأخص للفتيات اللاتي يعتبرن من أكبر ضحايا هذه الظاهرة”
وتشخص عباس بعض الأسباب التي أدت إلى انتشار ظاهرة ترك الدراسة، قائلة “إن من أهم الأسباب التي فاقمت هذه الأزمة هو قلة أعداد المدارس وبعدها عن مناطق سكناهن، وبالأخص في المناطق البعيدة عن مراكز المحافظات والتي تقع في القرى والأرياف، حيث يقطعن يوميًا عشرات الكيلومترات من أجل الوصول للمدرسة، الأمر الذي يؤدي إلى تأخر الطلبة عن الوصول الى المدرسة وتدني مستواهم الدراسي وبالتالي يشكلون نسبة رسوب أعلى، مما يضطر أولياء الأمور لمنع ابنائهم من مواصلة واكمال الدراسة، أما السبب الآخر فهو خوف الآباء من الظروف الأمنية والتي أدت إلى ترك مئات من الطلبة الدراسة بسببها، وبالأخص الفتيات، وذلك لخوف أولياء الأمور على أبنائهم وبناتهم”.
وتبين عباس أن هناك أسبابًا كبيرة وخطيرة أدت الى قيام العشرات من العوائل بحرمان أبنائهم من إكمال الدراسة، هو ظاهرة الدروس الخصوصية في المدارس، والتي أخذت تثقل كاهل شريحة أخرى غير شريحة العوائل الفقيرة، بل وصلت إلى الشرائح متوسطة الدخل.
أسباب ارتفاع عدد المحرومين من التعليم
في عدة نقاط يعلل المشرف التربوي داود الجبوري لـ”زدني”، الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أعداد المحرومين من الدراسة، من وجهة نظر تربوية:
- قلة الدعم الاقتصادي للعملية التربوية في العراق، مثل توفير المستلزمات من وسائل تعليمية وأثاث للقاعات، ومن جانب آخر عدم وجود دعم للطلبة الذين يعانون من عدم القدرة الاقتصادية لمواصلة دراستهم.
- ضعف الإمكانية العلمية لدى بعض الكوادر التدريسية؛ وضعف عملية تأهيل تلك الكوادر من قبل وزارة التربية لمواكبة التغيرات في المناهج الدراسية.
- عدم بناء المدارس وفق متطلبات العملية التعليمية الحديثة في العالم، أي بناء القاعات على أسس علمية.
- وجود بعض القوانين التي يجب إعادة النظر فيها لأنها ﻻ تواكب العملية التربوية، ومن جانب آخر يجب العمل على تفعيل بعض القوانين الأخرى الموجودة.
- ومن الأسباب المهمة التي تواجه العملية التربوية وتعيقها بشكل كبير جدًا هي الأوضاع الأمنية المتردية في البلد، والتي أصبحت ذات تأثير كبير على قطاع التعليم من نواحي عديدة، وأهمها ظاهرة النزوح والتهجير التي تعرض لها الطلبة، فضلًا عن قلة الوعي الثقافي في المجتمع العراقي في بعض المناطق لعدم وجود برامج تتبناها الدولة؛ مع وجود معوقات نفسيه لدى الكثير من الطلبة ومنها شعور الطالب بالإحباط نتيجة عدم وجود نوع من التوعية النفسية، مثل عدم الحصول على فرصة عمل تنسجم مع التخصص الذي حصل عليه الطالب بعد إكماله للدراسة.
- عدم تفعيل دور بعض الاختصاصات في العملية التربوية، مثل الإرشاد التربوي في المدارس، أو تولي بعض اﻻختصاصات من قبل اختصاص مغاير لها، وهذا يحسب أيضًا على الوظائف الإدارية في وزارة التربية مما يعيق عملية تطور المسار التربوي، إضافة الي عدم وجود عملية تحفيز لكثير من حاﻻت الإبداع لدى الطلبة، وإن وجدت فهي محدودة وفي بعض المناطق، هذا بالنسبة للطلبة، وكذلك الحال للكوادر التعليمية. وبالتالي تم الاستهانة بالتعليم الذي كان من أولويات العائلة حتى أصبح في ذيل اهتماماتها.
غياب التخطيط
فيما يرى الدكتور أمجد الجنابي أستاذ جامعي، أن البلدان المتقدمة حضاريًا ومدنيًا يولون اهتمامًا كبيرًا بالتخطيط الاستراتيجي لاستيعاب النمو السكاني فمثلًا في موضوع المدارس لا يتركون بناءها للظروف ولا للحاجات الآنية، وانما يتم التعامل مع الموضوع وفق دراسات معمقة مستعينين في ذلك بخبراء، ويشركون معهم وزارات أخرى لها علاقة بالتربية والتعليم، ومشكلتنا في العراق مركبة ومعقدة فمن جهة ينعدم التخطيط الصحيح المبني على أساس منطقي ووفق دراسة ميدانية، ومن جهة أخرى هناك فساد إداري ومالي مستشرٍ في كل الوزارات بلا استثناء، والنتيجة أن من يبلغ سن الدراسة لا يجد مكانًا يدرس فيه ولا مدرسة تؤويه، وجميع الحلول التي تطرح آنية عاجلة لا تداوي جرحًا ولا تبني تعليمًا صحيحًا.
وفي أثناء حديثه لـ”زدني”، يطرح الجنابي، حلولً من وجهة نظره كمختص في التعليم، الحل الأمثل يكمن في ثلاث خطوات رئيسة:
الخطوة الأولى: إحصاء عدد الطلبة في كل محافظة وأعمارهم وهذا ما تفتقر إليه العراق، إذ لا توجد إحصائيات دقيقة أو غير دقيقة يمكن الاعتماد عليها.
الخطوة الثانية: تحديد عدد ونوع المدارس التي تغطي أعمارهم وتوفير الدعم اللازم لبنائها.
الخطوة الثالثة: تشكيل لجنة وزارية دائمة لتوفير الدعم من كتب وقرطاسية ورحلات وغيرها من احتياجات المدارس.
ويؤكد الجنابي على أهمية المدرسة وحث الإنسان العراقي – وخاصة الأميين منهم – على تحمل التزاماتهم ومسؤوليتهم بإرسال أولادهم وبناتهم إلى المدارس، وتفعيل قانون التعليم الالزامي، وقيام وزارة التربية وباقي مؤسسات الدولة بتوفير مقعد دراسي لكل طفل وذلك ببناء المدارس وتجهيزها بكافة المستلزمات الصحية والنفسية والمناهج المتطورة، لتكون بيئة صحية لجذب الأطفال، وكذلك توفير الكادر التدريسي الملائم وتطويره على الدوام، وذلك بفتح دورات لمتابعة الجديد في التربية والتعليم واستخدام الوسائل والطرق الحديثة فيها، وختامًا توفير ميزانية كافية للقيام بهذه المهام والتخطيط والإرشاد في كيفية صرفها.