تحقيقات زدني

جامعات إسبانيا.. تكاليف دراسية تحوِّل حلم الطلبة العرب إلى جاثوم

يحلم كل طالب علم بالارتقاء إلى مستويات عليا والحصول على أعلى الشهادات من الجامعات العالمية، وهو الحال نفسه بالنسبة للطلاب العرب، خاصة على مستوى المغرب العربي والشرق الأوسط، الذين تستهويهم فكرة إتمام دراساتهم في الجامعات والمعاهد الأوروبية.

غير أن تكاليف الدراسة ومتطلبات المعيشة في أوروبا، مقارنة مع الوضعية الاجتماعية للطلاب العرب في بلدانهم؛ يجعل المعادلة صعبة تستدعي التفكير جيدًا، غير أن الذين تمكنوا من الوصول إلى الجامعات الأوروبية يعانون من ارتفاع التكاليف، ومنهم من تمكن من مواجهة هذه العراقيل بعد دخولهم عالم الشغل لدفع المستحقات، بينما قررت فئة أخرى هجرة مقاعد الجامعة والعودة إلى أوطانهم لإتمام الدراسة، وفيما طَلَّق آخرون الدراسة، وفضلوا العمل بعد حصولهم على وثائق الإقامة.

الطلبة العرب في إسبانيا.. بين طلب العلم والمعاناة

لم يكن “أحمد“ -الطالب الجزائري بجامعة “اليكانت“ الإسبانية، واحدة من 74 جامعة في إسبانيا- يتوقع أن يجد نفسه يصارع من أجل إتمام دراساته الجامعية، وهو الحاصل على شهادة الليسانس من جامعة “بوزريعة“ بالجزائر العاصمة، التقيناه بإحدى مقاهي حديقة “مانيلا“ وسط مدينة اليكانت، وروى لـ“شبكة زدني“، كيف التحق بالجامعة هنا في إسبانيا، وقال: إنه كباقي زملائه الطلبة الجزائريين انتقلوا إلى أوروبا طلبًا للعلم، وأن الجميع يتذكر مشهد تدفق الطلبة على المركز الثقافي الفرنسي بالعاصمة الجزائرية، للحصول على شهادة إتقان اللغة الفرنسية الضرورية، من أجل إتمام الدراسة بالجامعات الفرنسية والكندية والجامعات الأوروبية، التي جعلت إتقان الفرنسية شرطًا للقبول.

وأنه اضطر إلى البقاء في طوابير الانتظار؛ لضمان التسجيل مباشرة في المركز، خاصة أنه لا يقطن خارج العاصمة الجزائر، وأوضح أنه اضطر لاستئجار غرفة في فندق صغير بالعاصمة، حتى يكون قريبًا من المركز يوم التسجيل، يقول: ورغم حضوري عند الساعة السادسة صباحًا، إلا أنني فوجئت بأعداد هائلة من الطلبة الذين قضوا الليلة بجوار المركز، يضيف “أحمد“، الذي أبرز معاناته بعد انتقاله إلى إسبانيا، وتمكنه من التسجيل في جامعة اليكانت، حيث وقف على صعوبة الدراسة بسبب التكاليف المطلوبة للإقامة والعيش، وأوضح أنه رغم إحضاره معه بعض المال الذي سمح له بالتسجيل في الجامعة، إلا أن متطلبات الحياة صعبة، بعد نفاد المبلغ الذي استقدمه، الأمر الذي يدفع حتمًا إلى البحث عن طريقة للخروج من المأزِق.

“كمال كشيدة“ المهتم بشؤون المهاجرين المغاربة في إسبانيا، تحدث لـ“شبكة زدني“ بخصوص الطلبة العرب في الجامعات الإسبانية، وقال: “إن الدراسة في الجامعات أو الكليات الإسبانية فرصة فريدة من نوعها، وتجربة سيقدرها الطالب طول حياته، بسبب التعليم المميز؛ لكن التكاليف متعبة، مضيفًا أن تكاليف الحياة في إسبانيا تعتمد على المكان الذي ستعيش فيه، ونمط الحياة الذي تعتاد عليه. فالحياة في إسبانيا يمكن أن تكون رخيصة قابلة للتحمل، أو يمكن أن تكون مكلفة جدًا، وأن الطالب إذا أراد الدراسة في أوروبا، فعليه اختيار حياة يمكنه تحمل تكاليفها، وعليه في هذه الحالة الخروج عن المدن الكبرى، واللجوء إلى الضواحي أو الأرياف، فالحياة في الريف هي أكثر قابلية للتحمل، لكن كل الطلبة يريدون المدينة، وهنا يقع الخطأ وتبدأ المعاناة.“

التكاليف المرتفعة أكبر عائق أمام الجامعيين:

إن تكاليف السكن والإقامة في إسبانيا هي أكثر الأشياء التي ستنفق أموالك عليها أثناء دراستك هناك، ورغم أن العديد من الكليات والجامعات تقدم غرف السكن الجامعي للطلاب، إلا أن ذلك ليس موجهًا للجميع؛ وإنما تمنح الأولوية لدول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى دول تربطها بالجامعات اتفاقيات، ليبقى الطالب الحر عالقًا في مواجهة البحث عن سكن على حسابه الخاص، يضيف “كشيدة“، الذي  أشار إلى أن تكاليف الدراسة في الجامعات الإسبانية معقولة، مقارنة مع بقية البلدان الأوروبية، لكن هناك عوامل تحدد التكاليف المستحقة لإتمام سنوات الدراسة، خاصة أن هيئة التعليم الإسباني لا تقوم بتقديم مساعدات مالية للطلاب الأجانب، فهناك الكتب ولوازم الدراسة بمعدل 900 يورو للسنة، المأكل والملبس، الهاتف، النقل بمتوسط لا يقل عن 1200 يورو، تضاف كلها إلى مستحقات المسكن التي تتراوح بين 3000 يورو إلى 5500 يورو.

خفايا تكاليف الدراسة:

وانتقلت “شبكة زدني“ إلى جامعة “اليكانت“، لمعرفة المزيد من الخفايا حول التكاليف، وكذا الطلبة العرب، حيث استقبلنا مسؤول البيداغوجيا “انطونيو شانجيز“ بمكتبه، وقال لـ“شبكة زدني“: “إن النظام التعليمي في إسبانيا منظم بشكل جيد، ويعمل بشكل ممتاز، فهو مصمم لتزويد الطلاب من كافة المستويات بأقصى فرص التعليم، فإسبانيا هي ثالث أكثر بلد شائع للدراسات الأجنبية، فعندما تختار الدراسة في إسبانيا فستكون واثقًا بأنك ستحصل حتمًا على أفضل أنواع التعليم خلال دراستك، مشيرًا إلى انخفاض التكاليف مقارنة بالدول الأوروبية، حيث إن شهادة البكالوريوس تتراوح رسومها بين 680  و1280 يورو للسنة الدراسية في الجامعة الحكومية، بينما تتراوح من 5500 إلى 18000 يورو في الجامعات الخاصة، وتابع، أنه بالنسبة للماجستير والدكتوراه؛ فإن رسوم الجامعة الحكومية تتراوح بين 22 إلى 36 يورو للساعة الدراسية.“

وأضاف مسؤول البيداغوجييا بجامعة “اليكانت“ لـ“شبكة زدني“ أن الطلبة العرب يعانون من بعد السنة الدراسية الأولى، خاصة منهم القادمون من دول المغرب العربي، أين يجدون أنفسهم استهلكوا كل المبالغ المالية التي استقدموها معهم، ويصبحون مضطرين إلى البحث عن مصادر لتموين سنتهم الدراسية الثانية، وقال: “إن الطلبة العرب -وفي محاولة منهم لسد المتطلبات- يبحثون عن العمل في أي مجال، خلال أوقات فراغهم والعطل الدراسية، وهو حال العديد من طلبة شمال إفريقيا، مشيرًا إلى أنهم يقبلون بأية أجرة تدفع لهم، على اعتبار أن نصاب الشغل قليل بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إسبانيا، حتى إن وجدت فالأولوية للإسبان العاطلين عن العمل“.

العمل خارج أوقات الدراسة يهدد نجاح الطلبة:

بينما تتجول “شبكة زدني“ في شوارع مدينة “برشلونة“ وأزقتها، صادفت الشاب المغربي “فارس“ الذي قصد إسبانيا لإكمال دراسته الجامعية والحصول على الماجستير، حيث كشف عن معاناته لـ“شبكة زدني“، فقال: “إن الدراسة في إسبانيا تتطلب تخطيطًا جيدًا ومحكمًا بسبب التكاليف التي تتطلبها الخطوة، مضيفًا أنه استهلك كل المبلغ المالي الذي استقدمه معه من بلده “المغرب“ خلال السنة الأولى، خاصة بعد الزيادات التي أقرتها الحكومة الإسبانية، وكذا ارتفاع الأسعار بسبب الأزمة الاقتصادية التي مست البلاد، الأمر الذي “دفعني إلى العمل في إحدى المطاعم ببرشلونة، وإن تعلمي اللغة الإسبانية اختصر لي طريق الحصول على وظيفة“، وأوضح أن هذا العمل يفتح لي آفاق مواصلة الدراسة ومواجهة تكاليف العيش.   

وبعد أن تركنا “فارس“؛ التحقنا بأحد المطاعم لتناول الغداء، وهناك حالف الحظ “شبكة زدني“ التي التقت بطالب مغربي آخر يدعى “وليد“، يعمل بالمطعم نفسه، وهو طالب “علوم سياسية“ سنة ثانية بـ“جامعة برشلونة“، تحدث والابتسامة لا تفارق محياه، أنه بعد حصوله على البكالوريوس اتجه مباشرة إلى إسبانيا، وبدأت مغامرته الدراسية، وقال: “لا أنكر أنها مغامرة مليئة بالمصاعب، لكن هدفي هو الحصول علي شهادتي الجامعية“، وواصل، أن الدراسة والمعيشة في الوقت نفسه ليس بالأمر الهين، أدرس صباحًا وأعمل مساءً بهذا المطعم، ثم ساعتين بالليل في أحد الكازينوهات أنظف دورات المياه لأضمن عيشي وتكاليف دراستي، بحسب تعبير “وليد“. 

عمل الطلبة العرب لا يقتصر على الذكور؛ بل الإناث أيضًا تعانين من أجل إتمام دراستهن في إسبانيا، وهو ما وقفت عليه “شبكة زدني“ بـ“مخبز“ دلنا عليه الشاب المغربي “وليد“، ووجدنا طالبات من أصول عربية تعملن بداخل المحل، وكان حديثهن نفسه مع ما قاله “وليد“ و“فارس“. 

ومع تزايد أعباء المصاريف الدراسية على الطلاب الدوليين، الباحثين على شهادة أكاديمية مميزة من إحدى الجامعات الأوروبية، يكون العمل بدوام جزئي أحد أهم الخيارات أمام الطلاب، بشكل يُسهم في تقليل الأعباء، سواء الدراسية أو المعيشية، ما يجعل الطالب أمام احتمالية تضييع داسته من خلال قضاء وقته في العمل بدل المراجعة والمطالعة، لكن بالمقابل: العمل خارج أوقات الدراسة يرى فيه الطلاب العرب فرصة التقرب من أهالي البلاد وتدعيم لغتهم، بالإضافة إلى الحصول على أموال لأغراض الترفيه والرحلات والتنقلات.

ارتفاع تكاليف الدراسة:

وكشفت “حورية سهيلي“ رئيس جمعية تهتم بالمهاجرين الجزائريين بإسبانيا، أن الحكومة الإسبانية رفعت رسوم تسجيل الطلبة الأجانب، في مختلف جامعاتها لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة، التي تعاني منها البلاد، الأمر الذي أثَّر بشكل كبير على الطلبة الجزائريين، والأجانب أيضًا البالغ عددهم أكثر من 50 ألف، وتابَعَت، أن الزيادة التي بلغت 6 مرات؛ دفعت الطلبة من خارج الاتحاد الأوروبي إلى التفكير في مصيرهم الجامعي، واعتبرت أنه ليس من المعقول أن تواجه الحكومة الإسبانية الأزمة الاقتصادية على حساب مستقبل آلاف الطلبة، وتعريضهم لمصير مجهول، وأشارت إلى أن الطلبة العرب سيضطرون إلى مغادرة إسبانيا إلى بلدان مجاورة، أو العودة إلى بلدانهم الأصلية، أو دخول عالم الشغل قبل الأوان، ما يعني أنهم سيتعرضون إلى تعقيدات اجتماعية وإدارية ونفسية.   

وأوضحت “سهيلي“، أن ارتفاع التكاليف دفع طلبة المغرب العربي والأفارقة إلى شن حملة لجمع التوقيعات في الانترنت؛ بهدف الاحتجاج على ما اعتبروه تمييزًا بين الطلبة الأجانب خارج الاتحاد الأوروبي وبين نظرائهم الإسبان والأوروبيين، وأيضًا خرقًا لمبادئ المساواة بين جميع المواطنين في مجال الحق في التعليم. 

رفع مستوى الجامعات العربية.. أهم الحلول:

إذا قرر الطلبة العرب خوض تجربة إتمام الدراسة في الخارج؛ فعليه بالتخطيط جيدًا، تقول “حورية سهيلي“ لـ“شبكة زدني“، وأول الأمور أن تكون المبالغ المالية كافية لمواجهة كل الظروف، ووضع برنامج للمطالعة والمراجعة، وأن لا تترك العمل الذي تمتهنه يستحوذ على أغلب وقتك بشكل يؤثر على مستواك الدراسي، وأضافت أنه يجب أن لا تنفق كل راتبك في أمور ليست ضرورية، حتى تتمكن من الادخار لمواجهة أيام ترك العمل خلال فترة الاختبارات مثلًا.

واقترحت “سهيلي“ على الطلبة التقديم للحصول على منحة دراسية للخارج، انطلاقًا من وزارة التعليم العالي في بلدانهم الأصلية، بدلًا من تحمّل تكاليف لا يقدرون عليها، وأوضحت أن المنح الدراسية تقدم مساعدات مالية للطالب المتفوق أثناء فترة الدراسة، وبذلك يكون قد ضرب عصفورين بحجر، انضمامه لجامعة مميزة تمنح شهادة أكاديمية مرموقة، وفي الوقت نفسه الحصول على دعم مادي يساعده على التركيز أكثر لتحقيق هدفه الرئيس وهو الدراسة.

وفي ظل هذه الأوضاع، صرح “كمال كشيدة“ لـ“شبكة زدني“، أنه بات من الضروري تحسين التعليم في المنطقة العربية، من خلال اعتماد سياسات من شأنها رفع مستوى التحصيل العلمي، ومنافسة الدول الغربية، مبديًا امتعاضه من انتقال الطلبة إلى أوروبا وأمريكا لدراسة تخصصات متوفرة في الجامعات والمعاهد العربية، وعبر عن تفاؤله بالقول: “إن الواقع الذي يعانيه الطلبة العرب قد يكون بادرة خير لتحسين الجامعات في الدول العربية، ما قد يَحُدُّ من هجرة الطلبة نحو أوروبا“.

زر الذهاب إلى الأعلى