تحقيقات زدني

جامعات غزة في مهب الأزمات السياسية

تبخرت أحلام الطالب الفلسطيني محمد عبد الخالق في الحصول على وظيفة بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) في قطاع غزة، بفعل عدم اعتراف المؤسسة الدولية بشهادته الجامعية التي حصل عليها من إحدى الجامعات المحلية، التي ترفض السلطة الفلسطينية الاعتراف بها بالرغم من اعتراف حكومة غزة السابقة التي كانت تديرها حركة حماس، قبل تشكيل حكومة الوفاق الوطني يونيو 2014.

ويعاني مئات الطلاب من خريجي الجامعات الغزية التي لا تعترف بهم وزارة التربية والتعليم التابعة للسلطة الفلسطينية من عدم تمكن الكثيرين منهم من الحصول على وظائف في المؤسسات الدولية، فضلًا عن صعوبة الحصول على منحة خارجية في الجامعات الأوروبية وبعض الدول العربية.

ضرر مالي ومعنوي

ويقول عبد الخالق لـ “فريق زدني” إنه قبل تشكيل حكومة الوفاق الوطني أدرجت بعض المؤسسات الجامعية واعترفت بها، إلا أنه وبعد تشكيل الحكومة أعادت هذه المؤسسات ومنها الأونروا سحب الاعتراف والتعامل مع المؤسسة الأكاديمية، تحت ذريعة عدم اعتراف السلطة الفلسطينية بها.

ويضيف عبد الخالق أن المئات من الطلاب خريجي الجامعة وغيرها من الجامعات أصبحوا عاجزين عن الوصول إلى حلول تنهي أزمتهم، كونهم أنفقوا مبالغة مالية طائلة تصل إلى أكثر من 3 آلاف دولار أمريكي للحصول على شهادة البكالوريوس، إلا أن الواقع السياسي والانقسام الفلسطيني أسهم في تفاقم معاناة الخريجين.

وتخرج مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية سنويًا حوالي 30 ألف طالب وطالبة وتبلغ نسبة العاملين منهم 25%، والعاطلين عن العمل 75%، فيما يقدر عدد العاطلين عن العمل بنحو 213 ألف عاطل عن العمل وفق إحصائيات مركز الإحصاء الفلسطيني.

ويوضح عبد الخالق أن تأثر القطاع الحكومي في غزة بالانقسام الفلسطيني وعدم فتح باب التوظيف بسبب الضائقة المالية جعل فرصة الحصول على وظيفة حكومية حلمًا بعيد المنال أيضًا في المرحلة الراهنة مع الانتظار ضمن قوافل البطالة إلى حين تبدل الأحوال السياسية.

ويتابع عبد الخالق: “لا بد من أن يجري تحييد القطاع التعليمي وكافة المؤسسات التعليمية عن المناكفات السياسية بين أطراف الانقسام التعليمي، كونه يتحكم في مصير مستقبل آلاف الطلاب خريجي الجامعات والكليات والمعاهد المعترف بها من التعليم بغزة”.

ورقة بلا قيمة

أما الطالبة غدير أحمد فتقول لـ “فريق زدني” “إن عدم اعتراف السلطة الفلسطينية بشهادة جامعتها كبدها ضررًا نفسيًا وماديًا، كونها لم تتمكن من التقدم للمنافسة على وظائف المعلمين الخاصة بالأونروا وبعض المدارس الخاصة في القطاع وتحول الشهادة الجامعية لمجرد ورقة لا قيمة لها.

وتبين أنها أتمت دراستها في مجال التعليم الأساسي منذ أكثر من ثلاث سنوات، وحصلت لمرة واحدة على عقد من وزارة التربية والتعليم، إلا أن غياب التوظيف في المؤسسات الحكومية بغزة نظرًا لأزمة الانقسام فاقم معاناتها، في الوقت التي ترفض الأونروا إدراج جامعتها ضمن الجامعات المعترف بها.

وتؤكد أحمد أن الانقسام الفلسطيني ألحق الضرر بشكل كبير بآلاف الطلبة الخريجين، لا سيما خريجي الجامعات التي تعترف بهم وزارة التربية والتعليم في غزة وترفض نظيرتها في رام الله الاعتراف بها، تحت ذريعة عدم شرعية الأولى وكونها لا تتبع السلطة الفلسطينية.

وتوضح أنها سعت إلى الالتحاق للعمل بحقل التعليم في إحدى دول الخليج العربي، إلا أن رفض السفارة الفلسطينية التابعة للسلطة الفلسطينية تصديق شهادتها لعدم الاعتراف بأختام الوزارة في غزة حال دون تمكنها من الظفر بفرصة العمل وحرمها من مغادرة القطاع.

وتطالب الخريجة الغزية، المسؤولين الفلسطينيين والفصائل الفلسطينية بضرورة العمل على إخراج العملية التعليمية ومستقبل آلاف الخريجين الغزيين من أتون الصراع السياسي المحتدم بين حركتي فتح وحماس منذ الانقسام الفلسطيني عام 2007.

ويقدر عدد المؤسسات الأكاديمية العاملة في قطاع غزة بنحو 30 مؤسسة، تنقسم بين جامعات تمنح درجة البكالوريوس والماجستير وأخرى تمنح درجة الدبلوم، ووفقًا لإحصائيات وزارة التربية والتعليم فإن نحو 25 ألف طالب يتخرجون من هذه المؤسسات سنويًا في الوقت الذي يوجد نحو 150 ألف خريج جامعي بلا عمل.

الكيل بمكيالين

من جانبه يقول وكيل وزارة التربية والتعليم في غزة الدكتور زياد ثابت إن حكومة التوافق ورثت حكومة في غزة وأخرى في الضفة الغربية لكنها تعاملت مع المؤسسات المعترف بها في القطاع على أنها غير شرعية، فيما اعترفت بكل المؤسسات التعليمية في الضفة الغربية التي حصلت على الاعتراف في فترة الانقسام.

ويقول ثابت لـ “فريق زدني” إن القطاع المحاصر منذ عام 2006 أصبح مليئًا بعدد كبير من المؤسسات التعليمية والبرامج الأكاديمية غير المعترف بها من قبل السلطة الفلسطينية، ولا يجري الاعتراف بخريجيها في الوقت الذي ترفض السفارات الفلسطينية في الخارج كذلك اعتماد هذه الشهادات.

ويضيف: “لا يوجد مستقبل أو صيغة واضحة للتعامل مع مؤسسات التعليم العالي وهي مشكلة كبيرة، وهناك ضرر كبير على مؤسسات التعليم وحتى المعترف بها من الضفة الغربية. لا توجد متابعة حقيقة وتم رفض التنسيق معنا في الوزارة بغزة الأمر الذي يضعف مؤسسات التعليم العالي”.

ويلفت المسئول الحكومي بغزة إلى قيامهم بالتواصل لعدة مرات لحل إشكالية هذه المؤسسات الجامعية ومئات الطلاب من خريجي هذه الجامعات والبرامج الأكاديمية، كونها تمثل مشكلة مجتمعية عامة وتم وضع تصور واضح للتعامل مع المؤسسات، إلا أن الحكومة في رام الله لم تستجب لهذه الاتصالات.

حلول مطروحة

ويبين ثابت أن التصور يقوم على التعامل مع المؤسسات التي قامت في فترة الانقسام في الضفة الغربية وغزة على نفس القدر من المساواة، مع إعادة تقيم هذه البرامج مجددًا، ومن تتوفر فيه شروط الجودة يستمر ومن لا يتوفر يمنح فرصة لتصويب أوضاعه ثم يغلق البرنامج حال عدم تمكنهم من ذلك.

ويشير إلى وجود هيئة اعتماد وجودة تابعة للسلطة الفلسطينية لا تتعامل مع الوزارة في غزة وترفض التعامل مع المسئولين على العملية التعليمية بالمطلق، في ظل تفاقم معاناة خريجي الجامعات الغزية الذين دفعوا آلاف الدولارات الأمريكية للحصول على شهادات ترفض السلطة الاعتراف بها.

ويتابع: “هناك طلاب حصلوا على شهادات جامعية من دول صغيرة في قارة أفريقيا وجامعات صغيرة مقارنة مع الجامعات الفلسطينية في غزة، إلا أن وزارة التربية والتعليم والسفارات الفلسطينية تعترف بها في حين لا تعترف الوزارة بهذه الشهادات، والمتضرر الوحيد هو الطالب”.

ويشدد ثابت على أن إمكانية الحل سهلة للغاية حال توفرت الإرادة الحقيقة لإنهاء معاناة هذه المؤسسات والطلاب الخريجين؛ عبر تشكيل هيئة اعتماد وجودة جديدة مستقلة يمثلها أكاديميون من الضفة الغربية، وغزة تتعامل بمهنية مع الكل الفلسطيني وتعيد إخضاع البرامج والمؤسسات الأكاديمية للتقييم وإعادة الترتيب.

وينبه وكيل وزارة التربية والتعليم في غزة إلى أن السلطة الفلسطينية عممت على المؤسسات الدولية والسفارات الفلسطينية في الخارج عدم توظيف خريجي البرامج المعترف بها من غزة، والتي لم تمنح الاعتراف من الضفة الغربية وعدم منحهم الموافقات اللازمة لإتمام دراستهم في الخارج.

ويوجد في القطاع المحاصر إسرائيليًا منذ عام 2006 نحو 30 جامعة وكلية متوسطة تمنح شهادة البكالوريوس والدبلوم والماجستير لا تعترف مؤسسات السلطة الفلسطينية إلا بعدد منها، تحت ذريعة حصولها على الاعتراف من موظفين غير شرعيين في غزة.

الانقسام والتعليم

يرى الأكاديمي الفلسطيني ونائب رئيس شؤون البحث العلمي والدراسات العليا الدكتور عبد الرؤوف المناعمة أن الانقسام أثر على جميع مناحي الحياة الأكاديمية والعملية التعليمية بشكل كامل، وتسبب في تشتت الجهود المبذولة في حقل التعليم.

ويضيف المناعمة لـ “فريق زدني” أن الانقسام الفلسطيني أدى إلى تشتت الجهود والغياب الجزئي للتنسيق بين شطري الوطن أدى بعض الأحيان إلى قرارات غير موحدة أدت الى بعض الإرباك في الجامعات، منها قرارات متعلقة بالحد الأدنى للقبول في الجامعات بالإضافة للقرارات الأخطر التي تتعلق باعتماد مؤسسات أكاديمية وعدم الاعتراف بها من الجهة الأخرى.

ويلفت إلى أن عدم وجود قرار حكيم بحل إشكاليات الجامعات والكليات بغزة بعيدًا عن المناكفات السياسية فإن خريجي المؤسسات المتضررة من الانقسام لن يملكوا خيارات كثيرة، كإتمام دراستهم العليا أو الحصول على وظائف وفرص عمل خارج فلسطين.

ويشير الأكاديمي الفلسطيني إلى أن المشكلة المتعلقة بالمؤسسات الجامعية غير المعترف بها من قبل السلطة الفلسطينية مشكلة سياسية ستبقى قائمة، ما لم يكن هناك اتفاق سياسي وقرار بإبعاد الطلبة عن هذه الإشكاليات كونهم الفئة المتضررة منها.

ويوضح المناعمة أن هناك فرصة كبيرة في ظل حكومة الوفاق القائمة التي لا بد أن تبذل أقصى الجهود لإنقاذ التعليم العالي ومؤسساته وبحث أفكار بدمج بعض المؤسسات ودعم مؤسسات أخرى وتقويتها وإغلاق مؤسسات تعليم عالي أخرى حيث أن أعداد هذه المؤسسات في تزايد كبير ولا يشكل العدد إضافات نوعية للتخصصات الموجودة.

وتصدر وزارة التربية والتعليم التابعة للسلطة الفلسطينية برام الله سنويًا تحذيرًا لخريجي الثانوية العامة من الطلاب بالتسجيل في بعض المؤسسات غير المعترف بها من قبلها، إلا أن المئات من الطلاب التحقوا بها في ظل اعتراف الوزارة بغزة وفي ضوء تقديمها لخدمات أكاديمية تتناسب ماديًا مع قدرات الطلاب.

يوسف سامي

صحفي فلسطيني، من قرية نعليا المحتلة عام 1948، حاصل على درجة البكالوريس في الصحافة والإعلام، عملت في عدد من الصحف المحلية والعربية والمواقع الإلكترونية منذ عام 2010.
زر الذهاب إلى الأعلى