حتى لا تصير البيتوتية مقبرة الزوجة المتميزة (2) : ترتيب أولويات الأدوار
ترتيب أولويات أدوارك بحسب دوائر الحقوق المطلوبة منك
للمرأة عامة 3 أدوار رئيسية، تحديدها وترتيبها مما يقره الشرع والعقل، ونكتفي في هذا السياق بحديث كل ذي حق حقه : “إن لربِّكَ عليك حقًّا، ولنفسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا، فأَعْطِ كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه” [البخاري]. بناء على ذلك، أولوياتك ترتب كالتالي:
أمة لله
فهذه هي الوظيفة التي لأصلها خلق الخلق أجمعون. وليس من ديننا أن يكون المرء كالفتيلة أو الشمعة التي تحرق نفسها لتنير للناس، بل دين السراج الوهّاج الذي ينير في نفسه بداية فينير لمن حوله تلقائيًا. وبالنسبة للزوجة والأم فحق أهلها من تكليف ربها ويدخل ضمن هذا الدور بالفعل، لكن يظل هنالك قدر مخصوص بنفسها لا بد أن تقوم به لنفسها لأنها أول من ينبغي أن تبتغي نجاتها، ويظل هنالك ثوابت بتضييعها يضيع عليها صفاء قلبها وتتكدر روحها فتجور على نفسك وتنسحب من ثم على الحقوق الأخرى وصور التقصير فيها.
لا بد من التوازن قدر الإمكان، والعزيمة طوال الإمكان. وكم وصلتني شكاوى من شابات إذا دخلت بيت الزوجية أوقفت القيام والنوافل والتعلم وكل شيء باعتبارها زوجة! ومع أن لديها من الوقت وحرية إدارة شؤونها ما تحسده عليها الكثيرات، إلا أن صاحبتنا تهدره أمام التلفاز وعلى الهاتف وفي التسوق، والإطالة في أعمال المنزل المعدودة لأنها تؤديها بتراخٍ مميت كأنها في تصوير بطيء! فالوقت المتاح أوسع بكثير من الاشتغال الأوحد ببيت وزوج حاجاتهم معلومة ومعدودة، ومن ثم تنتهي الحياة والحساب بالنسبة لها عند هذه النقطة. هل يمكن لهذه أن تتساوى في الحساب مع من لديها رضيع أو أطفال هي في خدمتهم طوال اليوم وشطر الليل، ومع ذلك تجتهد في الصلاة على وقتها، ولا تنسى نفسها من ركعة وتر وورد قرآن مهما قل؟
إن الزواج والأمومة ليسا تذكرة عبور للجنة بذاتهما، بل بحسن الأداء فيهما، تمامًا كأي موقف يوقفه الإنسان في الحياة. فكما أن هناك أئمة يهدون الناس إلى الجنة، هناك أئمة يأخذون بأتباعهم إلى النار، ولم تنفعهم إمامتهم لأنفسهم ولا لأتباعهم شيئًا لأنهم ما قاموا فيها بحق الله. والشابات اللواتي يبدأن هذه المؤسسة الوقفية لله تعالى – مؤسسة الزواج – بهذا التصور وهذا التعامل، هن في الغالب الصنف الذي حضوره حضور بيولوجي لتلبية الحاجات الغريزية للزوج والأطفال والبيت (من الطبخ والغسيل والإطعام)، وهذا دور خدمة مشكور لا ريب، لكنه ليس دور الحضور المرجو، ولا دور التربية المأمول وصناعة الأجيال، ولا دور الزوجة الصديقة الوزيرة الناصحة لزوجها.
هذا الصنف كذلك من أكثر من يشتكي أنه أفنى حياته في خدمة غيره، فلا هو سَعِد ولا غيره استشعر أثره، وحقيقة الأمر أنه أفنى حياته في إهدار نفسه، لأن خدمة الغير على الحقيقة لا تتطلب الفناء إطلاقًا، مهما وقع ذلك في أوقات “معينة”. فمن بلغ أولادها سن الشباب ليست في انشغالها بهم كمن لها رضيع أو أطفال يافعون مثلًا. وكل امرئ على نفسه بصيرة.
زوجة:
وهذا الدور ومعالمه أبين من أن نتكلم فيه. وله من المراجع والموارد ما يجيب المعتنية بإيجاد جواب. وكل زوجة أدرى بما تحتاجه لتكون لزوجها متاعًا صالحًا ورفيقًا مؤنسًا ووزيرًا يشد عضده ويسدد نصحه.
أم:
وهذا الدور يتطلب البدء في تصور منهجية تربوية وخطة تأسيس معرفي، ينبغي أن تبدأ من وقت الخطبة أو أوائل الزواج، لا تأخيرها حين يكبر الطفل ويشب عن الطوق ثم تبدأ في أخذ الدورات عن كيفية فهمه والتحاور معه، حتى إذا بلغت مفاتح المنهجية كان الطفل قد تجاوز مرحلة الحوار ونشأ منعزلًا عنها! ولو أحسنت تشكيله حين كان لينًا قابلًا للتشكيل لما احتاجت لفهمه حين تشكّل في غفلة منها! ويبقى لكل أم أن تولّف من مختلف الموارد والمصادر خطة تناسب مستواها هي ومبتغاها في تعليم طفلها، ثم تقسمها لمراحل بحسب عمر الطفل وتجاوبه الاستيعابي معها.
في الجزء الثالث نعرض لمنهجية عملية في المحافظة على ثوابت توازن قيامك بمختلف أدوارك بحقها، بتوفيق الله تعالى.