حظر النقاب يحول المدرسة الجزائرية إلى ميدان صراع
حظر النقاب في المؤسسات التربوية في الجزائر، دخل حيز التنفيذ مطلع هذه السنة الدراسية، بعد إعلان وزيرة التربية نورية بن غبريت وبمباركة من وزارة الشؤون الدينية والأوقاف عن حظر ارتداء ما يعرف بـ “البرقع“، هذا القرار أثار بدرجة كبيرة استياء الأوساط الإسلامية في البلاد وأدخل المدرسة الجزائرية في متاهات هي في غنى عنها.
غياب القوانين يعمق جراح المدرسة الجزائرية
تقول في هذا السياق أستاذة في إحدى المدارس الثانوية بمنطقة بوسماعيل غرب الجزائر، “حميدة . ل“ في تصريح لشبكة “زدني“: “إن النظام الداخلي للمدرسة الجزائرية وهي اللائحة التي وضعتها وزارة التربية والتعليم، تشرح فيها المسؤوليات والمهام والواجبات على كل إدارات المدارس والمعلمين وأولياء الأمور والطلاب، لا تتضمن بندًا يتحدث عن حظر النقاب في المؤسسات التربوية“.
ورغم أنها من بين الأساتذة اللواتي يؤدين فرض “الاحتشام“ والسلوكيات غير الأخلاقية في المحيط المدرسي إلا أنها تعارض فكرة ارتداء “النقاب“ داخل القسم لعدة أسباب أبرزها صعوبة التعامل مع صاحبته، وروت المتحدثة عن أستاذة زميلة لها ترتدي النقاب تشتغل بالمدرسة نفسها التي تدرس فيها قائلة إنها كانت تضطر لنزعه لدى دخولها إلى القسم احترامًا للتلاميذ.
وترى المتحدثة أنه أصبح من الضروري توحيد الزي المدرسي؛ فالمدرسة الجزائرية اليوم انقادت لتقليد الغرب في الكثير من الأفكار سواء تعلق الأمر بالسلوكيات أو اللباس، بسبب غياب القوانين التي تؤكد على احترام اللباس المدرسي خاصة في الطور الثانوي، فالتلاميذ لا يرتدون المآزر المخصصة للتمدرس، فهي غائبة تمامًا، وبعضهم يرتدون ألبسة غريبة، ويحلقون رؤوسهم كالأوروبيين، ولا ينتقدون ولا يوبخون من طرف بعض الأساتذة؛ لأن النظام الداخلي يمنعهم من هذا، فعادة الأساتذة يضطرون إلى التعامل بحب “مستفز“ واحترام، لمحاولة تحريك المكونات الفطرية الموجودة بداخلهم والتي تعبر عن القيم الإسلامية وارتباطهم الحقيقي بالاحتشام، وتقول إن غياب القوانين التي من شأنها تنظيم المدرسة الجزائرية أبقاها لسنوات طويلة رهينة الصراع القائم بين دعاة تمكين الثوابت الدينية والمطالبين بفكرة إبعادها عن أي إيديولوجية سياسية كانت أو فكرية.
على النقيض يعارض الأستاذ في الطور المتوسط، أحمد حمادي، بشدة قرار حظر النقاب في المؤسسات التربوية وقال في تصريح لشبكة “زدني“: “طبعًا أن ضده، فهو بمثابة تَعَدٍّ صريح على الدين والحريات“، ويضيف المتحدث قائلًا إن التعليم في الجزائر تلقيني لا يحتاج التلميذ في الحقيقة إلى رؤية وجه المعلم.
يحول المدرسة إلى ميدان صراع على الهوية
القرار الإداري الذي جاء بمباركة من وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، وقال في تصريح صحفي: “يجب أن تكون هوية الموظف داخل قطاع التربية وداخل المؤسسة واضحة، فلا نستطيع تسيير عملية التعليم والتعلم بدون أي يرى التلميذ وجه أستاذه“، أدخَلَ المدرسة الجزائرية في دوامة صراعات جديدة بين أنصار التيار السلفي الذين لم يترددوا يومًا في توجيه تهم للوزيرة المسؤولة عن القطاع نورية بن غبريت، تهم تقضي بمحاربة القيم الروحية للشعب الجزائري والوزيرين المسؤولين عن قطاع التربية والشؤون الدينية في البلاد.
وأظهر الإسلاميون والمحافظون في الجزائر رد فعل قوى ومقاومة شديدة لهذا القرار، وانتقد بشدة النائب عن الاتحاد الإسلامي من أجل النهضة والعدالة والتنمية وعضو لجنة التربية في البرلمان، مسعود لعمراوي، بشدة هذا القرار، ووصف في تصريح لشبكة “زدني“ القرار بالأمر غير “المنطقي“، واعتبره “حربًا على الإسلام“ وارتداء النقاب داخل المؤسسة التربوية أو غيرها من أماكن العمل هو حرية شخصية تقرره المرأة وحدها، ويقول لعمراوي أن الاستثناء قد يكون في حالة واحدة، وهي دخول المرأة المنتقبة للمسابقات والامتحانات، ففي هذه الحالة يستلزم الوضع الاطلاع على هويتها والتأكد من ملامحها.
ووجه الأمين العام للتنسيقية الوطنية من جهته لأساتذة العلوم الإسلامية بوجمعة محمد شيهوب، انتقادات لاذعة لوزيرة التربية نورية بن غبريت، وقال إن المسؤولة الأولى عن القطاع تسعى لضرب الهوية الوطنية من خلال حظر النقاب داخل المدارس، ويرى المتحدث إنه يمثل حرية شخصية تعتمد على القناعة؛ فالوزيرة على حد قوله اختارت “موضة“ الغرب، وحاولت فرض هذه الثقافة في المدارس تماما مثلما يحدث في المدارس الأوروبية.
عدد المنتقبات في قطاع التعليم لا يتجاوز 100 ألف
ونفى المتحدث صحة المعطيات التي تؤكد تدريس المنتقبات داخل القسم، فالكثيرات يلجأن إلى نزعه لدى وصولهن إلى قاعة التدريس، وكشف إنه من 700 ألف موظف في القطاع فإن عدد المنقبات لا يتجاوز 100 ألف عبر الوطن.
وطالب شيهوب وزيرة التربية بالتدخل المستعجل لفرض هندام محترم في المحيط المدرسي، ولدى الأساتذة أيضًا بسبب انتشار ظاهرة تسريحات شعر فريبة في أوساط الذكور ومساحيق التجميل.
ومن جهته يقول الرئيس السابق للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في الجزائر، بوجمعة غشير، في تصريح لشبكة “زدني“ أن هذا القرار لا ينسجم إطلاقًا مع المنظومة الأخلاقية للمجتمع الجزائري، ويشير إلى أن هذه الظاهرة هي محاولة لإبراز توجهات معادية للإسلاميين.
توحيد الزي المدرسي … خطوة طال انتظارها
النقابات الفاعلة في القطاع ترى أن المشاكل التي تتخبط فيها المدرسة الجزائرية أكبر بكثير من مسألة ارتداء النقاب، ويقول المكلف بالإعلام والمتحدث الرسمي باسم المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع الثلاثي الأطوار، مسعود بوديبة، في تصريح لشبكة “زدني“:
“نحن نرى بأن المدرسة بحاجة إلى من يهتم بمشاكلها الجوهرية بعيدًا عن أي صراع مهما كان نوعه“.
ويضيف المتحدث أن مواضيع الجدل التي أصبحت تثار في السنوات الأخيرة الهدف منها هو إلهاء الرأي العام عن المشاكل الحقيقة وتوجيه النقاش وإبعاده عن المسائل الأساسية التي تهم المدرسة وبالتالي الأجيال.
ويرى مسعود بوديبة إنه عوض سن قرار حظر النقاب في المؤسسات التربوية كان من المفروض على الوزارة الوصية توحيد الزي المدرسي؛ فالمدرسة هي أولوية في سياسية الدولة ولذلك يجب إعطاؤها الأهمية البالغة ماديًّا ومعنويًّا، ويرى المتحدث أن هذا المشروع الذي طال انتظاره يحمل في طياته إيجابيات عديدة أبرزها القضاء على ظاهرة العنف في المحيط المدرسي التي تتسبب بها الفروقات الاجتماعية.