خريجو الحقوق في الجزائر.. محامون مع وقف التنفيذ
لم يستطع “هشام“ الذي يدرس “ماستر 2″ في كلية الحقوق بـ“جامعة الجزائر 3″ التخلص من الإحباط الذي يشعر به؛ بسبب عدم وضوح مساره المهني الذي كان يحلم بتحقيقه، والمتمثل في الالتحاق بمهنة المحاماة، بعد أن دعت النقابة إلى تجميد الاعتماد للمحامين، إلى غاية إصدار الحكومة قانونًا جديدًا، ليضاف هذا العائق إلى مشاكل عديدة، تقف حجر عثرة في طريق خريجي الحقوق بممارسة المحاماة حال تخرجه، مثل بقية التخصصات الجامعية الأخرى، وَفق ما قاله لفريق “شبكة زدني للتعليم“.
وأضاف هشام أنه كان يأمُل لدى حصوله على شهادة الليسانس (بكالوريوس) في الحقوق، أن يلتحق بأقسام الحصول على شهادة الكفاءة المهنية في المحاماة، بالتوازي مع دراسته الماستر، إلا أن كل هذه الآمال صارت في خبر كان، لأن معظم كليات الحقوق توقفت عن فتح أبواب التسجيل للدارسين بنظام “ليسانس- ماستر- دكتوراه“ (ال أم دي)، واكتفت بطلبة النظام الكلاسيكي الذين انتظروا هم أيضًا لفتح هذا التخصص بالجامعات؛ بسبب عدم فتح مدارس للمحاماة وفق النظام الجديد، على عكس ما كان سابقًا، عندما كانت المحاماة تدرس في الكليات عبر دروس مسائية.
مطالب بإلغاء المسابقة
قبل 2013 كان من حق جميع طلبة الحقوق الالتحاق بأقسام الكفاءة المهنية للمحاماة من دون مسابقة، ومن حق الجميع أن يحققوا حلمهم في أن يصبحوا محامين، غير أن ذلك صار اليوم يمر عبر مسابقة، وفق ما يقول خالد طالب الحقوق لـ“شبكة زدني للتعليم“.
وجاء في المادة 31 من قانون المحاماة الجديد الصادر في 2013؛ أنه “يشترط للالتحاق بمهنة المحاماة الحصول على شهادة الكفاءة لمهنة المحاماة، ومتابعة التربص المنصوص عليهما في هذا الباب“.
وتشدد المادة 32 من القانون ذاته، على أنه “لا يمكن لأي شخص أن يتخذ صفة محام، ما لم يكن مسجلًا في جدول المحامين، تحت طائلة العقوبات المقررة لجريمة انتحال الصفة المنصوص عليها في قانون العقوبات“.
وأضاف أن اعتماد المسابقة وتحديد المناصب الخاصة بأقسام الحصول على شهادة الكفاءة المهنية للمحاماة ظلم للطلبة، وتقليص لحظوظهم في العمل في هذه “المهنة النبيلة“ بعد التخرج.
وأوضح “خالد“ في حديثه مع “فريق زدني“ أنه: “إذا كانت وزارة العدل ونقابة المحامين مع وزارة التعليم العالي تريد من اعتماد المسابقة هو اختيار الطلبة المتفوقين، وتحسين نوعية الحاصلين على شهادة الكفاءة المهنية في المحاماة؛ فالأَوْلى بها رفع معدل الالتحاق بكلية الحقوق، وليس توجيه كل طالب لا يستطيع بعد نجاحه في البكالوريا في الحصول على تخصصات جامعية أخرى إلى الحقوق“.
و“خالد“ من الذين يؤيدون رفع معدل الالتحاق بتخصص الحقوق، قصد تحسين المستوى، لكنه يشدد على إتاحة الفرص للجميع لدراسة المحاماة في حال أرادوا ذلك، ويطالب بإلغاء المسابقة، إلا أن هذا الطلب يبقى لحد اليوم مرفوضا من قبل وزارَتَي العدل والتعليم العالي، حيث نصت المادة 34 أنه “يتم الالتحاق بالتكوين للحصول على شهادة الكفاءة لمهنة المحاماة عن طريق مسابقة“.
مشكلة المدارس الجهوية
أحدث قانون 2013 مشاكل لطلبة الحقوق زادت من صعوبة التحاقهم بمهنة المحاماة، فاشتراطه المسابقة للالتحاق بأقسام شهادة الكفاءة لمهنة المحاماة جاء مع قرار إنشاء مدارس جهوية لتكوين المحامين، على عكس ما كان سابقًا، عندما كانت هذه الأقسام تقام في مدارس الحقوق عبر دروس مسائية.
وجاء في المادة 33 من قانون المحاماة “ تنشأ مدارس جهوية لتكوين المحامين وتحضير المرشحين لشهادة الكفاءة لمهنة المحاماة، يحدد تنظيمها وكيفيات سيرها عن طريق التنظيم.“
لكن على الرغم من نص القانون على إنجاز هذه المدارس إلا أن الحكومة لم تقم بإنشاء مدارس جهوية، ما جعل طلبة الحقوق يُحْرَمون من الالتحاق بأقسام الحصول على شهادة الكفاءة المهنية في المحاماة لأكثر من سنتين، مثلما يقول “محمد“ لـ“فريق زدني“ الذي أجرى المسابقة في 2014، ولم يلتحق بالدراسة سوى في الموسم الجامعي الحالي.
ولم يتم تجاوز هذه المشكلة سوى بإصدار وزارة العدل تعليمة تقضي بمواصلة إقامة أقسام الحصول على شهادة الكفاءة لمهنة المحاماة، غير أن ذلك أثار غضب نقابة المحامين التي اعتبرت ذلك مخالفًا للقانون المنظم للمهنة.
ودعا نقيب المحامين لولاية سيدي بلعباس (شرق الجزائر) “محمد عثماني“ وزارة العدل إلى تجميد الانتساب لمهنة المحاماة، إلى حين إنشاء مدارس جهوية للمحاماة، فضلًا عن مراجعة جميع الاقتراحات الخاصة بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة.
صعوبات في قبول تربص المتخرجين الجدد
رغم تحصله على شهادة الليسانس من كلية الحقوق ببن عكنون في العاصمة الجزائر، وعلى شهادة الكفاءة المهنية في العام الذي تلا تخرجه، إلا أن “نصر الدين“ يكشف لفريق “شبكة زدني للتعليم“ أنه لم يستطع من القيام بتربص المحاماة إلا هذا العام، بسبب رفض بعض المحامين استقبال المتخرجين الجدد لإجراء التربص.
وتنص المادة 36 من قانون المحاماة لسنة 2013 أنه “باستثناء القضاة الذين لهم أقدمية عشر “10” سنوات على الأقل، وحاملي شهادة دكتوراه، أو دكتوراه دولة في القانون، يتابع حاملو شهادة الكفاءة لمهنة المحاماة والمعفون منها تربصًا ميدانيًا مدته سنتين (2)، يتوج بتسليم شهادة نهاية التربص من طرف مجلس المنظمة، مع مراعاة أحكام المادة 41، ويسجلون في قائمة التربص عند تاريخ أداء اليمين، ويحملون صفة محامي متربص“.
وقبل التعديلات التي جاء بها قانون 2013، كان المحامون يخضعون لتكوين مدته 9 أشهر، يمكنهم بعد انتهائه من ممارسة المحاماة، مثلما قال المحامي “محمد“ لـفريق “زدني للتعليم“.
وتقول المادة 37: “يتولى نقيب منظمة المحامين أو مندوبه عند الاقتضاء، توزيع المتربصين على مديري التربص من بين المحامين الذين لهم أقدمية عشر سنوات على الأقل، أو المعتمدين لدى المحكمة العليا، ومجلس الدولة ويبلغ وزير العدل، حافظ الأختام بذلك، ويمارس المحامي المتربص لدى مكتب مدير التربص الذي يقوم بتوجيهه في سائر أعماله المهنية ويجتهد في تكوينه لممارسة المهنة، ويخبر نقيب المحامين بنشاط المتربص، ولا يمكنه رفض المهمة المسندة له من دون عذر مقبول“.
وتضيف المادة ذاتها أنه “يجب على مدير التربص القيام بالواجبات التي تقتضيها أخلاقيات وتقاليد المهنة تجاه المتربص، ويتقاضى المحامي المتربص طيلة فترة التربص تعويضًا يحدد مقداره وكيفيات دفعه في النظام الداخلي للمهنة.“
وتساءل “كريم“ الذي يدرس السنة الأولى في قسم شهادة الكفاءة المهنية للمحاماة عن أسباب تعسف بعض المحامين في قبول تربص الطلبة، على الرغم من أن القانون يلزمهم بقبول ملفات المحامين المتربصين.
ويلح الطلبة المحامون على القيام بالتربص والاستفادة من كل أيامه، بحسب ما قال من تكلم معهم فريق “زدني للتعليم“؛ لكونه يساعدهم في القيام بالمرافعة الميدانية في جلسات المحاكمة، ويدخلهم تدريجيًا إلى أجواء العمل قبل أن يفتحوا مكاتب خاصة بهم.
ويستفيد المتربصون من ميزات المادة 40، التي تنص على أنه “يجوز للمحامي المتربص التكفل بسائر القضايا التي يكلفه بها مدير التربص باسمه وتحت رقابته، وأن يرافع ابتداء من السنة الثانية من التربص أمام المحاكم التابعة للنظام القضائي العادي في الدعاوى التي يكلفه بها مدير التربص تحت رقابة ومسؤولية هذا الأخير، غير أنه لا يجوز له فتح مكتب باسمه الخاص خلال فترة التربص“.
تأخر تحديد موعد أداء اليمين يثير حفيظة المتربصين
اضطر “عبد الرحيم“ الذي أنهى تربصه في المحاماة في 2016 للعمل بائعًا في محل تجاري بعد أن تأخرت دورة أدائه يمين المحاماة، وهي آخر فصل للانضمام رسميًا لنقابة المحاماة، وممارسة نشاطه بشكل عملي خلال دورة لنقابات المحامين الولائية.
ويؤدي المحامون المتربصون اليمين وفق الصيغة التالية: “أقســــــم بالله العلـــــي العظيـــــم أن أؤدي أعمالي بأمـانـة وشرف، وأن أحافـــظ على ســـر المهنـــة وتقاليدهـــــا وأهدافهـــا النبيلـــة، و أن أحتـــرم القـوانيـن“.
ويشتكي المحامون المتربصون الذين تحدثوا لـ“فريق زدني للتعليم“ من تأخر النقابة في فتح دورات أداء اليمين، في وقت يستمرون فيه سنويًا بدفع اشتراكات الانتساب لنقابة المحامين رغم أنهم لم يزاولوا عملهم بعد.
وبحسب المعلومات التي حصل عليها فريق “شبكة زدني للتعليم“؛ فإن مداولة لمنظمة المحامين دعت جميع فروعها إلى عدم فتح دورات أداء اليمين إلا بعد التزام الوزارة بفتح مدارس جهوية للمحاماة وفق ما نص عليه قانون 2013، وأن تكون دورة أداء اليمين وطنية وليست ولائية كما يتم حاليًا.
وبحسَب بعض الطلبة الذين تحدثوا إلى “فريق زدني“، فإن سبب تأخر فتح أداء اليمين من قبل نقابة المحامين يكون تحت حجة وجود تشبع في عدد المحامين الذين يمارسون هذا النشاط، إلا أنها تبقى بالنسبة لكمال سببًا غير مقنع؛ بالنظر إلى أن القضايا المطروحة على مختلف المحاكم الجزائرية تشير إلى وجود حاجة لمحامين جدد، كما أن فتح ممارسة النشاط للجميع يفتح باب المنافسة التي ترفع مستوى أداء المحاماة ومن ثم الإسهام في إحقاق العدالة وحفظ حقوق المتقاضين.
وإلى أن تسارع وزارة العدل رفقة وزارة التعليم العالي ومنظمة المحامين في معالجة هذه المشاكل جذريًا، تتناقص كل يوم رغبة طالب الحقوق “محمد علي“ في الالتحاق بسلك المحامين بعد تخرجه، مثلما يقول لـ“فريق زدني“، حيث لم يستطع إخفاء خيبة الأمل التي أصيب بها، ولم يتردد في القول: إنه يرغب اليوم إن أتيحت له الفرصة أن يصبح قاضيًا أو موثقًا أو حتى موظفًا في مؤسسة، بدل العمل محاميًا، بالنظر إلى جملة المشاكل التي تقف في طريقه ليعمل بالمحاماة.