خواطر باحثة علمية

خواطر باحثة علمية

لأستاذة العزيزة: علياء كيوان

أشكر كثيرًا اهتمامك بمعرفة كيف تفاعل الطلبة مع الحالات المرتبطة بـمقالاتك. وأود حقًا أن أشاركك بها، كتعبير عن شكري وتقديري، وأيضًا كتعبير عن رجائي لكِ بالاستمرار في الكتابة في هذا الجانب المقفر حقيقة في الأدبيات العربية. فأنا أعرف أن لا شيء يسعد الكاتب مثل أن يلمس تأثير كلماته في نفوس قارئيها.

بداية اسمحي لي أن أوضح طبيعة المساق الذي أدرسه، هو أحد المساقات الموجه لطلبة البكالوريوس من جميع التخصصات والراغبين في الحصول على دبلوم تأهيل تربوي، ليتمكنوا مستقبلاً من مزاولة مهنة التعليم، وفق القوانين الجديدة في فلسطين. ينقسم المساق إلى

قسمين، الأول: حول مهنة التعليم في فلسطين، ظروف المعلمين، أعباء المهنة ومسؤولياتها، وتأهيل المعلمين، وشروط الإجازة. والثاني: حول المعضلات الأخلاقية التي يمكن أن تواجه المعلمين المستقبليين، وكيفية التفاعل معها وفق ميثاق أخلاقيات مهنة التعليم الفلسطيني. ويتم تدريس القسم الثاني باستخدام استراتيجيه الحالات.

وبدلًا من استخدام حالات افتراضية، أو حالات من سياقات أجنبية، فكرت في استخدام بعض مقالاتك التي تسرد الصعوبات التي واجهتك في مرحلة دراستك العليا، والتي كان لمدى التزام المعلمين وشيوع ثقافة أخلاقيات مهنة التعليم أثر كبير فيها. وقد بدأت بـمقالة من المريخ، وذلك ضمن مناقشة أخلاقيات المهنة في مجال التدريس. من أهم ما تفاعل معه طلبتي هو شعورهم أنهم جميعًا معرضون لنفس الموقف مستقبلًا. ناقشوا وقارنوا الطريقة التي يطلب منهم بها عادةً كتابة التقارير، وإحساسهم بغياب مراجع وإرشادات تساعدهم في إنجاز هذه المهمات الكتابية، وتركهم تائهين في البحر دون عون أو مساعدة، ثم محاسبتهم حسابًا شديدًا بالعلامات دون تغذية راجعة أو توضيح لتلك العلامة (كيف هبطت من السماء على شهاداتهم). ناقشوا أيضًا موقف أستاذك الألماني، إعطائك فرصة، عدم التساهل معك لمصلحتك، التغير الذي حدث معك أنت عندما أصبحت تصححين التقارير. لفتهم أيضًا دور المعلم في إرشادك لمصادر التعلم (الكتاب). الشيء الجميل أن بعض الطلبة صاروا يسألون عن مصادر لتعلم الكتابة الأكاديمية! لقد عرفوا أن هناك في هذا العالم مصادر يمكن أن تسهل وتخفف عليهم عملية تعلمهم.

المقالة الثانية التي ناقشناها كانت حول “الامتحان“. وقد تفاعل معها الطلبة كثيرًا، تفاجئوا مثلًا كيف يمكن لعلامات في مساق جامعي أن تكون 100% في جامعة ألمانية، وهو أمر لا يحصل عادة  في كليات القمة في الجامعات العربية والتي يفترض أن نخبة الطلبة فيها، لدرجة أن  معدل علامة اختبار ما قد تصل إلى 48%.

مما طرح عليهم تساؤل لماذا؟ الكثير من الطلبة أشاروا لشيوع ثقافة التفاخر بصعوبة الاختبارات عند الأساتذة في المدارس والجامعات،كما ناقشوا دور المعلم في مساعدة طلبته على الدراسة ومعرفة المهم والأهم، والوقت الذي يضيع في دراسة التفاصيل دون أن يفهم الطالب بنية الموضوع  وخطوطه العريضة مما يعرض هؤلاء الطلبة لسلسلة متتالية من الفشل والإحباط. فاجأهم كثيرًا نصيحة أستاذك بدراسة مساقات في البكالوريوس وأنت طالبة ماجستير. كان موضوع التقييم وأخلاقيات المعلم ودوره فيها مثير للجدل والنقاش.

محاضرتي السبت القادم هي الأخيرة مع الطلبة وسأحدثهم عن الأخلاقيات في مجال التعامل مع الإدارة المدرسية، وأولياء الأمور، وسأستخدم هنا تجربتي المريرة في هذا المجال. لكني سأختم المساق بمقالتك حول طريقة تسويق نفسك كهدية أخيرة للخرجين منهم (أتمنى أن يكون الجزء الثالث قد نشر في الموقع).

بكل صدق أنا شخصيًا استفدت من مقالاتك بشكل كبير، وقرأتها عدة مرات، وهي أكثر المقالات التي أتابعها على شبكة زدني، برغم روعة المقالات الأخرى،  لكنها (ربما لأسباب متعلقة بوظيفتي وعملي ومجال اهتمامي وعلى الوجع) من أكثر المقالات التي نفعتني وأشعر أن الطلاب شعروا بنفس الشعور. شكرًا جزيلًا لكِ أتمنى لقلمك أن لا يتوقف، وأتمنى لكِ التوفيق دائمًا وأبدًا.

رنا داود

علياء كيوان

طالبة دكتوراة في الأحياء الجزيئية وناشطة اجتماعية. مقيمة في ألمانيا، أم لثلاث أطفال، أعمل في بحوث السرطان، هوايتي الكتابة والقراءة، همي هو النهوض بالمرأة العربية في المجتمعات الأوروبية ويكون لها بصمة ومكانة، أسست مجلة المرأة العربية في ألمانيا وهي أول مجلة إلكترونية ناطقة باللغة العربية في ألمانيا تهتم بشؤون المرأة والأسرة العربية بشكل عام.
زر الذهاب إلى الأعلى