صوت المعلم

دع الطالب يحلُم

قبل أن ابدأ وبدون مقدمات، من منكم يرى أنه يمكننا إنشاء نظام تعليمى فعال إذا بدأنا من اليوم فى أقل من 25 عاما؟ يمكنك الإجابة على السؤال فى التعليقات مع العلم أن فنلندا وهى صاحبة أفضل نظام تعليمى عالميا قد انتقلت من الإعتماد الكلى على الزراعة الى الإعتماد على التعليم والتكنولوجيا والإستثمار فى العقل البشرى فى خلال 40 عاما، وإن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تناضل لإنشاء نظام تعليمى فعّال. 

ويمكن التحدث بالتفصيل عن فنلندا وأمريكا فى تدوينة أخرى، ولكنى مؤمن أن إقامة نظام تعليمى متكامل قد يستغرق أكثر من ذلك وهو ما يدفعنى الى أن أذكركم أيضا بأننا مجموعة صغيرة من الشباب تهدف الى إصلاح العملية التعليمية، ولكننا لا نملك الخبرة والمال والمصادر والقدرة على القيام بذلك، فأغلبنا لا علاقة له بالمنظومة التعليمية، ومن يعمل بالمنظومة التعليمية ليس فى مركز يخوله بالتعديل أو التغيير، وحتى من يملك القدرة على ذلك يخاف العواقب ويخشى الدخول فى صراع مع المنظومة التعليمية والمجتمع، ولكم مثال قرار تغيير نظام الثانوية العامة القديم من نظام العام الى العامين وأخيرا إلى نظام العام مرة أخرى.

لم أقصد ان أصيبكم بالإحباط ولا أن أثنيكم عن جهودكم وسأوضح لكم فى النهاية أهم دور يمكننا القيام به ولكن دعونى أشرح المشكلة أولا:
كمعلم لغة إنجليزية منذ 3 سنوات وحتى الآن من أكبر المشكلات التى واجهتنى وأصعبها واهمها هى محاولة تعليم طالب لا يرغب فى التعليم، ولا يرى الفائدة من ذلك، ولا أتحدث هنا عن المشاغبين أو الكسالى أو الفقراء او الأغنياء أو حتى محدودى القدرات، ولكنى أقصد طالب يريد أن يصبح طبيبا أو مهندسا ويذاكر ليلا ونهارا لتحقيق ذلك، ولكنه يرفض العلم والمعرفة حتى أن بعضهم يرفض أن أضيف جملة واحدة الى كتاب اللغة الإنجليزية بدافع أنه مستحيل أن يواجهها فى الإمتحان طالما هى من خارج الكتاب! وأيضا لا يريد إضافة معلومات قد تؤثر على قدرته فى استذكار المنهج المقرر فقط يريد ما سيوصله الى الدرجة النهائية فى الإمتحان، ومن ثم الحصول على وظيفة مرموقة.



فإذا رفض الطالب أن يتعلم ونسى كل ما حفظه أو فهمه من معلومات بمجرد خروجه من الإمتحان وأصبح غيرَ قادرٍ على استرجاع أو إستخدام أكثر من نصف ما تعلمه، وجل اهتمامه هو الحصول على وظيفة،  فما الفائدة من تعديل المناهج التعليمية وتدريب المعلمين وبناء المدارس ومحاولة تحسين العملية التعليمية؟

لنلقى نظرة سريعة على رحلة التعليم لمعظم الطلاب، الطالب فى المرحلة الإبتدائية يطمح ويحلم أن يصبح معلما أو طبيبا أو لاعب كرة قدم أو مغني او شرطيّ أو غير ذلك، وبالتزامن يقوم الوالدين بتلقين طفلهما على أنه لا مفر من الخروج عن كونه طبيبا أو مهندسا، إما ذلك وإما الفشل والفقر والحزن، حتى يُهيئ للطالب حين يكبر أن حلمه هو أن يصبح طبيبا أو مهندسا، على غير دراية بأنه حلم زرع بواسطة والديه وهنا تبدأ المشكلة. 

جميعنا نعلم أن والدينا يريدون لنا حياة طيبة ناجحة هنيئة سعيدة خالية من الهم والحزن والتعب، ولا يرون تحقيق ذلك إلا بالإلتحاق بإحدى كليات القمة، ولكنهم نسوا أو تناسوا أنّ هناك حلما أكثر واقعية وأهمية وهو حلمنا نحن وأحلام أطفالهم.


فإذا نجح الطالب فى تحقيق حلم والديه والوصول إلى الوظيفة المرموقة غالبا ما تجده بعيدا عن الإبداع ومنغلقا، لا يشارك فى المجتمع ولا يعرف هدفه من الحياة، يعيش لجني الأموال له ولأولاده فقد قضى 25 عاما يعد نفسه لذلك وعائلته ومدرسته لم يعلموه غير ذلك فماذا ننتظر منه؟ وإن لم ينجح فى تحقيق الحلم فهو من وجهة نظر عائلته ومجتمعه “فاشلا” لأنه فشل فى الوصول إلى حلم غيره.


إذا فما العمل؟
أوجه رسالتي -لكل من يريد إصلاح التعليم- لجيلنا الحالى فنحن سنعد جيل المستقبل وليس لجيل آبائنا فقد اطاحت صعوبة الحياة بعقولهم، ويكفي أن بعضهم يقتصر سعة الرزق على دخول كليات القمة! أوجه رسالتى إلى كل معلم ومربي، وكل من له دور فى تربية وإعداد الآخرين: “أطلقوا الحرية لأحلام أطفالكم، شجعوهم على المشاركة الفعالة فى المجتمع، والقيام بالعمل الصحيح لأجل العمل وليس المال، أعطوهم القدرة على الإختيار، وافصلوا بين الهدف من التعليم والوظيفة. المدرسة ليست الطريق الوحيد للمعرفة، والتعليم ليس الطريق الى النجاح فى الحياة. أعظم الخلق عليه الصلاة والسلام أقام “أمة حضارة” وهو أميّ،”بيل جيتس” و “ستيف جويز” و”اوبرا وينفرى” والمخرج العالمى”جيمس كاميرون” وغيرهم الكثير ممن لم يكملوا تعليمهم الجامعى وفضلوا اللحاق بأحلامهم.علّموا انفسكم وأولادكم أن المعرفة فى الكتب وعلى الإنترنت، وليست مقتصرة على كتاب المدرسة،علموهم العلم من أجل العلم. المدرسة تحتاج لإصلاح ولكن ليس قبل أن نصلح عقولنا، وأخيرا أعدوا أولادكم ليختاروا تعليمهم”



واقتبس من الكاتب “سيث جودين” عن كيفية إصلاح المدارس فى خلال 24 ساعة:
“لا تنتظر. ابدأ بنفسك. علم نفسك. شجع اطفالك. إدفعهم للحلم رغما عن كل الصعاب. الوصول الى المعلومات ليس بالصعب، ولا تحتاج الى تصريح من البيروقراطيين، المدارس العامة ستأخذ جيلا كاملا حتى نصلحها، ولا يجب أن نخفف الضغط والعمل حتى نقوم بذلك.

فى الوقت الحالى ابدأ، وتعلم وكن القائد وعلم، لو قام العدد الكافي منا بذلك فلا مفر للمدرسة إلا أن تنصت وتحاكى وتسرع الخطا لتلحق بنا”.



وأيضا للكاتب سيث جودوين عن “ماذا نعلم اطفالنا” :
-عندما نعلم طفل كيف يتخذ القرار الجيد فإننا نستفيد من قراراته الجيدة مدى الحياة.
-عندما نعلم الطفل حب التعلم فإن التعلم سيصبح بلا حدود.
-عندما نعلم الطفل كيف يتعامل مع عالم سريع التغير فإنه لن يفنى أو يصبح عديم القيمة أبدا.
-عندما نكون بالشجاعة الكافية التى تجعلنا نعلّم الطفل أن يساءل السلطة حتى سلطتنا، فإننا نعزل انفسنا عن هؤلاء الذين يستخدمون سلطاتهم ضد كلامنا.
-وعندما نعطى “التلاميذ” الرغبة فى القيام بالأشياء واتخاذ القرارت فاننا بذلك نكون قد صنعنا عالما مليئ بالصانعون الفاعلون.

معلم لغة إنجليزية

مصر

زر الذهاب إلى الأعلى