تقاريرصحافة التعليم

راجيش شارما .. المُعلم الإنسان!

بصفتي مديرًا لصفحة شبكة زدني للتعليم على فيسبوك أحرص على أن أنشر القصص التي تثير ضجَّةً في الواقع التعليمي العربي، ولا يمكن إغفال قصة المُعلم شارما بأيّ حال.. عندما نشرتُ قصة راجيش شارما مُختصرة وجدتُ الكثير من التفاعل مع أنني لم أُوَفّهاِ حقّها، ولم أُفصح عن كل ما أردتُ أن أقوله.

سأحكي لكم اليوم عن قصة شارما، المُعلم الذي افتتح مدرسة لتعليم الأطفال المشرَّدين تحت جسر في مدينة نيودلهي.

من هو المُعلم راجيش شارما ؟

المُعلم شارما

هو مُعلم بسيط، يبدو أنَّه من طبقة فقيرة أو متوسطة، لديه محل بقالة متواضع، في جَعبته 45 عامًا من الحياة، قضى شارما السبعة الأخيرة منها في إعطاء دروس مجانية لأطفال الأحياء الفقيرة خلف جسر في نيودلهي.

راجيش شارما يدرس أكثر من 200 طفل، ويعطي الدروس طوال 5 ساعات يوميًا من 9 صباحًا وحتى 2 ظهرًا، حيث يقوم بتدريس اللغة الهندية والإنجليزية والعلوم والرياضيات بجانب التاريخ والجغرافيا، ويعاونه في ذلك بعض المُتطوِّعين من المنطقة.

راجيش شارما خرج من الجامعة؛ لأنه لم يملك المال، تخلّى عن حلمه بأن يصبح مهندسًا، ولكنه الآن يسعى لحلم آخر وهو تعليم الأطفال المشردين!

مدرسة تحت عجلات المترو!

صورة جماعية لمجموعة من الطلاب مع المعلم شارما والمعلم المتطوِّع أيضًا “ميهتو” الذي يظهر على يمين الصورة.

كنتُأتمشَّى؛فرأيتُأبناءالعمالوهميلعبونبالترابوالطينعندماكانهذاالجسرقيدالإنشاء.. تحدثتُإلىأولياءأمورهموسألتهملماذالايرسلونأولادهمإلىالمدرسة؛فقالواإنهميريدونتعليمأطفالهم،لكنهمغيرقادرينعلىتحمُّلمصاريفتعليمهمفضلًاعنأنالمدرسةبعيدةجدًا،فيالبدايةلميلتحقبـالمدرسةالتيأقيمتفيالهواءالطلقسوىطفلينأوثلاثةلكنالأعدادبدأتتتضخمبعدذلك.

ليس هناك جرس للمدرسة أو مقاعد للطلاب أو طاولات للكتابة، لا يوجد سوى حائط خرساني هو جزء من الجسر يشرح شارما عليه الدروس، كما يوجد عدد من الملصقات والرسومات التعليمية من أجل الطلاب.

منذ بدأ شارما في تعليم الأطفال وحتى الآن لا يوجد أي تمويل حكومي للمدرسة، لذلك يعتمد مشروع شارما على دعم من العامة فضلا عن الهِبات التي من خلالها يحصل الأطفال على الكتب والزي المدرسي والأحذية والمواد الغذائية..

ما يميّز المدرسة فعيًا هو المكان الذي توجد به، على الأرجح اختاره راجيش شارما لأنّه مجاني أولًا، ولكي يكون قريبًا من بيوت الأطفال ثانيًا، اشتهرت المدرسة التي أقيمت تحت جسر الميترو باسم المدرسةالمجانيةتحتالجسر.. حيث يسمع الأطفال صوت مرور المترو فوق رؤوسِهم مباشرةً.

 الأطفال يلتحقون بالمدرسة من عمر 4 سنوات وحتى 14 عامًا، يتعلمون كل شيء من أول كيفية القراءة والكتابة وحتى معادلات الفيزياء.

يوم السبت يكون مخصصًا لممارسة الألعاب والأنشطة الرياضية.

راجيش شارما ليس وحده..

باريا، معلمة متطوعة في المدرسة.

في البداية كان راجيش شارما يُعلِّم الأطفال وحده، ولكن سَرعان ما توافَد المتطوعون الشباب لكي يساعدوه في تعليم الأطفال.

واحدة من هؤلاء هي “باريا“ التي تُدرِّس الرياضيات والعلوم للأطفال، انضمت إلى المدرسة في 2011.

تقول: لقدوُلدتُفيعائلةلأبكادِحيعملبأجريومي،رأيتُالكثيرمنالأوقاتالصعبةطوالحياتيمنذكنتُطفلة،وأستطيعأنأخبركأنالتعليمهوالشيءالوحيدالذييمكنهأنيُغيِّرحياةالمرء.

“باريا“ تخرجت من جامعة “بيهار“ وتعيش في نيودلهي بالقرب من المدرسة.

عندمارأيتُهؤلاءالأطفال،تذكَّرتُأيامطفولتيوشعرتُبأنهميجبأنيتلقواالتعليمالمناسب.

يوجد أيضًا “ميهتو“ الذي يعلم مبادئ الرياضيات للأطفال.

من طلاب المدرسة..

بابو، 15 عامًا.

بابو، طالب لديه 15 عامًا، يتحدّث مع ابتسامة كبيرة:

أحبّهذهالمدرسة،آتيإلىهنالكيأدرُسوأرسُم،كليومأسير2كيلوعلىأقداميلكيأذهبإلىالمدرسة.

هناك أيضًا راهول:

راهول، 10 أعوام.

والجميلة سامية:

سامية، 4 أعوام، أصغر طالبة في المدرسة.

صور أخرى لها:

هناك أيضًا شاه نواز، الطفل الأكثر خجلًا في الفصل:

شاه نواز، 9 أعوام.

دَورة حياة المُعلم العربي..

أريدُك أن تنظر معي الآن إلى عشرات الآلاف الذين يتخرّجون يوميًا من الجامعات، الذين يتلقّون تعليمًا كاذبًا لا يحبّونه ويتلقّونه لا من أجل العِلم، بل في سبيل مكانةٍ اجتماعية زائفة.

أريدُك أن تنظر معي إلى المُهندسين والأطباء والمُعلمين الذين قضَوا ثمرة شبابهم في الدراسة والتدريب من أجل الحصول على الوظيفة، انظُر معي إلى هذا الطبيب الخائِب الذي قضى أكثر من 6 سنوات في الجامعة وربما سنتين في المستشفى لكي ينتهي به الأمر بافتتاح عيادة صغيرة في شارعٍ جانبي يُعالج فيها مريضًا أو اثنين في اليوم، ويظل قانعًا بأمرِه حتى يبلغ من العمر أرذله!

وهذا المُعلم الذي قضى 4 سنوات في كلية التربية، وواحدة أخرى في المدرسة، ثم ينتهي به الأمر في مدرسةٍ هجرها الطلاب، يكتفي كل يوم بالذهاب إلى هناك وكتابة اسمه في كشف الحضور، وربما أعطى حصة أو اثنتين بطريقة رتيبة، كأنَّه يغسل أسنانه، أو يأكل غذاءه.

أتعلم ما هو المُشترَك في كلّ هؤلاء؟ ما يجمعهم هو أنّ جميعهم لا يحبّون عملهم، لم يُحبّوه يومًا ولن يفعلوا، هؤلاء أشخاص كسالى تخلّوا عن أحلامهم، وتخلّوا عن قُدُراتِهم التي منحهم الله، واكتفوا بأدنى درجةٍ من العَيْش، تلقّوا التربية أو الطب أو الهندسة كأنهم يتعلمون حرفة لكي يكسبوا منها أرزاقهم.

لم يكن راجيش شارما كذلك..

يوم السبت يلعبون الكريكت، وكرة القدم، كرة الريشة وألعاب أخرى تحت الجسر باستخدام معدات رياضية من التبرعات.

صورة كاملة للمدرسة من تحت الجسر.

العديد من الطلاب يذهبون بالفعل إلى مدارس حكومية، ولكنهم يحضرون مدرسة راجيش شارما كل يوم لأنهم يتعلّمون هناك بشكل أفضل.

الأطفال ينقلون الدرس من السبورة.

الأطفال في يومهم الدراسي.

المراجع:

محمود ماهر

مدير صفحة شبكة زدني للتعليم على فيسبوك. كاتب مقالات بموقع أراجيك، ساسة بوست، إضاءات، مدوّنات الجزيرة، والعديد من المواقع على الإنترنت. قارئ نَهِم، شغوف بالعلم والفلسفة، مصاب بحُمّي الكتابة.
زر الذهاب إلى الأعلى