ربع مليون طالب يدخلون عامهم الثالث من دون تعليم في الموصل
للعام الثالث على التوالي ما تزال أبواب المدارس والجامعات في مدينة الموصل مقفلة، فمنذ سيطرة “تنظيم داعش” على المدينة في العاشر من حزيران / يونيو 2014 والحياة الدراسية والتعليمية متوقفة في تلك المدينة، مستقبل مجهول يحدق بمصير هؤلاء الطلبة، وازدياد أعداد الأميين في تلك المدينة ينذر بحدوث كارثة اجتماعية تهدّد المجتمع العراقي، مع تراكم مشاكل التعليم وانحدار المستوى التعليمي في مختلف مدن العراق وسط عجز حكومي في وضع الحلول المناسبة للقضاء على الجهل والتخلف الذي بدأ يزداد خلال السنوات الماضية.
تنظيم داعش وضع منهاجًا تعليميًا مغايرًا للمنهج التعليمي المعتمد في جميع مناطق العراق، وقام بإحراق وإتلاف جميع الكتب والمناهج الدراسية في مدارس وجامعات المدينة، معتبرًا جميع المناهج الدراسية مناهجًا اسماها ” كفرية ” باستثناء المنهاج الجديد الذي وضعه هو، المنهاج الجديد الذي وضعه التنظيم لقي عزوفًا من قبل الأهالي ورفض لإرسال أبنائهم الى المدارس، في حين بقي أبناء عناصر التنظيم هم الوحيدون الذين استمروا بالدوام في المدارس.
الكوادر التعليمية تحذر
كوادر تعليمية في الموصل رفضت الشروع والعمل بالمنهاج الدراسي الذي وضعه التنظيم، وقالوا أنه يدعو إلى العنف والتطرف والإرهاب، وحذروا جميع أولياء الأمور من إرسال أبنائهم إلى المدارس لأنّه قد يخلق من هؤلاء الأطفال جيلاً تكفيريًا جديدًا يكون أشد عنفًا وتطرفًا من الجيل الحالي، وذلك لما وضعه التنظيم في منهاجه الدراسي من أفكار قالوا إنها متطرفة و تدعو إلى القتل والتخريب والإرهاب.
الأستاذ أبو أحمد يعمل مديرًا في إحدى مدارس المدينة تمكنت شبكة “زدني” من التواصل معه تحدث قائلًا: دخلنا عامنا الثالث وﻻ تزال المدينة قابعة تحت سيطرة التنظيم الذي سعى جاهدًا منذ دخوله المدينة الى تغيير ثقافة وسلوكيات أهالي المدينة، مضيفًا أن أكثر الأمور التي ركزّ عليها التنظيم هو الواقع التعليمي، وأوضح أن المنهاج الدراسي الذي طبعه التنظيم وفرضه على جميع المراحل الدراسية يحمل بين طياته الكثير من المخاطر التي من شأنها خلق جيل متعصب ﻻ يحمل إلا أفكارًا إرهابية، وأشار أن هناك اختلافًا جذريًا بين مَنْ التحق في مدارس التنظيم وأتمّ دراسته وبين من رفض الذهاب من حيث الأفكار، حيث تم غرس بذرة الغلو والتطرف في هذه المناهج خصوصًا وأن أكثر المناهج التي وضعها التنظيم هي مناهج دينية وعقائدية، مبينًا أن في كل مرحلة من المراحل الدراسية قام التنظيم بوضع ثلاثة مواد دينية وعقائدية.
وتابع قائلًا: ﻻ يوجد في منهاج التنظيم الدراسي مادة إﻻ وتم وضع رسومات بها تدعو إلى القتل وحمل السلاح وكراهية من هم خارج حدود دولتهم، محذرًا من مخاطر بقاء المدينة تحت سيطرة التنظيم.
صباح بحديث له مع شبكة “زدني” قال فيه: أنا طالب في مرحلة الثانوية وكنت على وشك اﻻنتقال إلى الدراسة الجامعية لوﻻ الظروف التي عصفت بالمدينة وأدت الى إيقاف عجلة التعليم فيها، مبينًا أن أقرانه في باقي المحافظات العراقية أصبحوا على وشك نيل شهاداتهم الجامعية، في حين أنني ما زلت طالبًا في مرحلة الثانوية، وليس باستطاعتي إكمال دراستي في الوقت الحالي، مشيرًا أن هناك ظلمًا تعرض له كل الطلاب في المدينة، ودعا الى إيجاد حلّ لمشاكل الطلبة، ووضع برنامج تسريعي للمراحل الدراسية المختلفة في المدينة حتى يتمكن طلبة الموصل من اللحاق بأقرانهم في المحافظات العراقية الأخرى.
أولياء الأمور يرفضون إرسال أوﻻدهم الى المدارس
أكدّ عدد من أولياء الأمور في مدينة الموصل أنهم لن يرسلوا أبناءهم إلى المدارس وهي تحت سيطرة التنظيم، مؤكدين أن التنظيم يسعى إلى غسل أدمغة أبنائهم من خلال الكتب التي قام بوضعها كمنهاج دراسي متبع، أبو جمال تمكنت ” زدني ” من اﻻتصال معه داخل المدينة، وقد تحدث قائلًا: في بداية الأمر وافقت على إرسال أطفالي إلى المدرسة، ولكنني اكتشفت أن هناك تغييرًا حصل في أفكارهم، لقد بدأوا يكفرون بعض فئات المجتمع ويدعون إلى قتلهم، مبينًا أنه بعد استجواب أوﻻده عن مصدر تلك الأفكار اتضح له أنها موجودة في المناهج الدراسية، وأشار إلى أن تنظيم داعش يرفض تسليم التلاميذ تلك الكتب خوفًا من اطلاع الأهالي عليها، ويكتفي التنظيم بتلقينهم وتدريسهم تلك المناهج داخل المدارس فقط وبشكل شفوي، ﻻفتًا أنه قرر منع أوﻻده من الذهاب إلى تلك المدارس مجددًا حفاظًا على أفكارهم ومعتقداتهم، ويعمل التنظيم على فرض أفكاره المتطرفة في عقولهم فضلاً عن قيام التنظيم بفرض رسومٍ مالية على الطلاب .
قتل كوادر تعليمية
أقدم تنظيم داعش إلى إعدام عدد من المعلمين وأساتذة الجامعات بسبب رفضهم المناهج الدراسية، وتحذير الأهالي من إرسال أوﻻدهم إلى المدارس حفاظًا على مستقبلهم، وهذا ما جعل عناصر التنظيم يعتقلون كل من يرفض العمل معهم، وهنا يقول أحمد أنه فقد والده والذي كان يعمل معلمًا في إحدى مدارس مدينة الموصل، عندما أقدم تنظيم داعش على قتله في إحدى الساحات العامة، وذلك بعد تحذيره أولياء الأمور ونصحهم بعدم إرسال أوﻻدهم إلى المدارس، خوفًا على تغيير أفكارهم وقناعاتهم، مبينًا أن التنظيم قام بقتل مجموعة من المعلمين وأساتذة الجامعات خلال السنتين الماضيتين.
مشاكل نفسية
يرى مختصون أن هناك مجموعة من الإجراءات التي يجب على الحكومة العراقية اتباعها بعد استعادة السيطرة على المدينة، ولعل أهم تلك اإجراءات هي الرعاية في الجانبين الصحي والنفسي.
أستاذ علم النفس “محمد العبيدي ” في حديث لـ ” زدني ” دعا إلى ضرورة اﻻلتفات إلى الجانب النفسي لهؤلاء الأطفال الذين كانوا تحت حكم داعش، مبينًا أن السنوات التي خضعوا فيها تحت سيطرة التنظيم أثّرت كثيرًا على سلوكياتهم، وأحدثت مشاكل نفسية عند الكثير منهم، مؤكدًا على ضرورة خضوعهم لبرنامج نفسي يمكن من خلاله اﻻنخراط مجددًا في المجتمع بعيدًا عن المقاصل التي كان ينصبها التنظيم في شوارع المدينة لقطع الرؤوس والأطراف وغيرها، كما أشار إلى ضرورة إعادة تأهيل من تأثر بهذه الأفكار المتطرفة.
وقد حذرت وزارة التربية العراقية أيضًا أهالي الموصل من إرسال أبنائهم إلى المدارس الخاضعة تحت سيطرة تنظيم، وقالت الوزارة في بيان لها أن جميع المدارس التي هي خارج سيطرة الحكومة العراقية غير معترف بها وﻻ يمكن احتساب أي سنة دراسية يتم قضاؤها في تلك المدارس بحسب نص البيان، ويذكر أن تنظيم الدولة أعلن سيطرته على مدينة الموصل العراقية في العاشر من حزيران / يونيو 2014.
عدد ضحايا الحرب من الطلبة والأطفال
وقع الكثير من الطلبة في مدينة الموصل بين قتيل وجريح جراء العمليات العسكرية، “زدني” حصلت على معلومات من مصادر طبية خاصة داخل المدينة تفيد بأن أكثر من 220 طفلًا لقوا مصرعهم بسبب القصف الجوي المستمر الذي تتعرض له المدينة، وأضافت المصادر حوالي 300 طفل أو مايعرفون بأشبال الخلافة قتلوا بعد قيام تنظيم الدولة بتجنيدهم وتركهم للمدارس وزجهم في المعارك فضلًا عن الأطفال الذين قام بقتلهم التنظيم بتهم تتعلق بارتكابهم مخالفات يقول التنظيم أنها مخالفة للشريعة الإسلامية.
طلبة خسروا سنوات دراسية بسبب الحرب
تعتبر محافظة نينوى أكبر محافظات العراق بعد العاصمة بغداد، حيث يقارب عدد سكانها 4 مليون نسمة، ويقدر عدد الطلبة الذين خسروا سنوات دراسية بـ 250 ألف طالب بحسب إحصائيات وزارة التربية والتعليم العراقية، الأستاذ ” أحمد محمود ” والذي يعمل موظفًا في وزارة التربية العراقية تحدث لـ “شبكة زدني” قائلاً: على الرغم من نزوح الكثير من أهالي المدينة إقليم كردستان وبغداد إلا أن غالبية الأهالي ما زالوا داخل المدينة، مبينًا أن الجانب التعليمي في المدينة كان أكثر الجوانب تضررًا بسبب الأعداد الهائلة من الطلبة الذين خسروا دراستهم، مؤكدًا أن أكثر من 250 ألف طالب فقدوا فرص التعليم في المدينة منذ احتلالها من قبل التنظيم.
وأضاف قائلًا: هناك طلبة وصلت أعمارهم 10 سنوات ولم يتعلموا حرفًا واحدًا، موضّحًا كان من المفترض دخولهم المراحل اﻻبتدائية الأولية منذ 3 سنوات، أيّ منذ دخول تنظيم الدولة المدينة، ولكن ذويهم رفضوا إدخالهم مدارس التنظيم، وقد تلت السنة الأولى من دخول التنظيم إلى المدينة سنتان أيضًا لتضيف جيلين أخريين من الطلبة الذين لم تتاح لهم فرص التعليم، مشيرًا أنه قد أصبح الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 7 الى 10 سنوات من هم داخل المدينة عبارة عن جيل أميّ ﻻ يقرأ وﻻ يكتب إطلاقًا.
خسائر البنى التحتية من مدارس وجامعات
المهندس زيد سلام والذي يعمل في وزارة الإسكان والإعمار العراقية تحدث لـ “شبكة زدني” قائلاً: تقدر الخسائر التي تعرضت لها المؤسسات التعليمية من المدارس والجامعات في الموصل جراء العمليات العسكرية الى أكثر من 4 مليار دوﻻر بحسب الإحصائيات الأولية، مبينًا أنه ﻻ يمكن إحصاء كم تحتاج المدينة من زمن وتكلفة لإعادة إعمار المؤسسات التعليمية فيها، كوّن المدينة ﻻ تزال خاضعة تحت سيطرة التنظيم وﻻ يمكنهم إحصاء حجم المباني المتضررة والتي ستتضرر مستقبلًا، غير أنه أكدّ أن الرقم سيكون أكبر بكثير من الأرقام التقديرية الحالية، وتحتاج إلى فترة ﻻ تقل عن 3 سنوات لإعادة إعمار وبناء المؤسسات التعليمية في المدينة، وأوضح أن نسبة الدمار التي لحق بمباني جامعة الموصل تتجاوز 70%، كما أن أكثر من نصف مدارس المدينة تعرضت للتدمير بسبب اتخاذ التنظيم ملاذات ومقرات لعناصره.
إلى أين يتجه مستقبل التعليم في الموصل؟
يرى كثيرون أن الجهل والتخلف بات يخيم على المدينة بسبب ما تمر به من مشاكل أمنية واقتصادية، الدكتور في وزارة التعليم العالي “أحمد النعيمي” يرى أن على الحكومة العراقية إيجاد حلول تتناسب وحجم المشكلة التي تمر بها مدينة الموصل بعد استعادة السيطرة عليها من قبل القوات الحكومية.
ويقول أيضًا: إن مدينة الموصل تمثل عصب العراق بطاقاتها العلمية، مبينًا أن المدينة تمر بحالة من الفوضى وعدم اﻻستقرار مع انهيار تام للقطاع العلمي فيها، محذرًا من بقاء المدينة تحت هذا المستوى المتدني من التعليم، وهذا ما يفاقم مشكلة الجهل والتخلف في العراق، مبينًا أنه خلال الـ 5 سنوات القادمة إذا بقي الحال على ما هو عليه فإن أعداد الأميين في المدينة سيفوق أعداد المتعلمين فيها، داعيًا الحكومة العراقية وبمساعدة الأمم المتحدة إلى وضع برنامج لتوفير اﻻحتياجات الضرورية والسير بعجلة التعليم في المدينة، كما يجب تخصيص كوادر علمية إضافية ﻻستيعاب الكم الهائل من الطلبة الجدد.
وأشار إلى أن الخسائر التي تعرض لها التعليم في الموصل كبيرة جدًا ولم يتم تخريج دفعات جديدة من خريجي المعاهد والجامعات منذ 3 سنوات، موضحًا أن عدد الخريجين من الجامعة يتراوح سنويًا من 4 آﻻف إلى 5 آﻻف طالب وطالبة، أما الآن ومن 3 سنوات توقفت الجامعات والمعاهد عن تخريج أي دفعة.
وعلى الرغم من العزوف الذي تشهده مدارس مدينة الموصل من قبل الطلبة والأهل، إلا أن هناك معضلة أخرى تصطدم بمصير ومستقبل أولئك الطلبة، فالمدينة تدخل عامها الثالث وﻻ يزال أكثر من ربع مليون طالب وطالبة بدون مدارس، وهو ما ينبئ بحدوث جيش من الشباب الجاهل والمتخلف لينضم إلى ما قبله من الأجيال المتخلفة، ويرى مختصون أن هذه المهمة توكل إلى الحكومة العراقية التي يجب أن تضع برنامجًا تعليميًا متطورًا يستوعب هؤلاء الطلبة من أجل اللحاق بأقرانهم في المحافظات العراقية الأخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك من تجاوز عمره التسع سنوات ولم يدخل المراحل الأولى من اﻻبتدائية أي منذ سيطرة تنظيم الدولة على المدينة.