سلاح الطالب .. القانون أيضاً
قضيّة #حرمان_طلبة_الطب في الجامعة الأردنية كشفت لي عن الكثير من الأمور التي لم أكن لأنتبه لها جيدا لولا هذا الحدَث.. وجعلتني أوسّع نطاق نظرتي للعملية التعليمية لدينا سواء في كلية الطب أو في الجامعة ككلّ.. وربما ما سأتحدّث عنه تاليا أمر أوسع نطاقا بكثير من قضية الحرمان إلا أنّه محوريّ ومهمّ جدا برأيي..
إذا طالعنا جيدا موقف منفّذي قرار الحرمان والدّاعمين والمباركين له، نجده يتمحور حول حُجّة قويّة واحدة فقط .. وهي القانون! أي شرعيّة القرار كونه يستند إلى قانون الحرمان المنصوص به في تعليمات الجامعة ودليل الطالب بشكل واضح، ولا لبسَ في ذلك.
لكنّنا حين نتفحّص قوانين وأنظمة وتعليمات كلية الطب أو الجامعة الأردنية (وحتى الجامعات الأردنية ككل)، نجد أنّ جلّها قوانين لتنظيم علاقة الطالب بالجامعة وكأنّه (روبوت) فقط، وليس شريكا أساسيا في العملية التعليمية كما يدّعون. بمعنى أن هذه القوانين والتعليمات وُضِعَت دون أن تُشعِر الطالب بأيّ صورة كانت بأنّه صاحب حقّ أو قرار في أي شيء في هذه الجامعة، هي فقط مكان للدراسة والتصرّف حسب القانون. الشيء الوحيد الذي يشعر فيه الطالب بأنّه يقرّر، هو انتخابات اتحاد الطلبة (وهي بالمناسبة لم تُفعّل بشكل كامل إلا قبل 5 سنوات، وما يُفرَز عنها من اتّحاد هو ممثّل شرعي للطلبة، لكنّه لا يملك -قانونيا- ذلك الثقل في اتخاذ أي قرار يخصّ الجامعة أو تحديد مصيرها ومصير سياساتها التعليمية). المهمّ أنّ الطلبة ما زالوا يُعاملون كمتلقّين لهذه “الخدمات” التعليمية وليس كصانعين ومشاركين بها بصورة أساسية.
هذه النظرة التي تنعكس على واقع الحال، وهذه القوانين السّائدة بطبيعة الحال، تجعل الطالب أعزلا من أي سلاح شرعي (بالمعنى القانوني) أمام أي سياسة أو مشكلة تواجهه في الجامعة، ولا تضمن أيّ حق من حقوقه، وتُحيلَ مصيره ومصير مطالباته لتصبحَ تحت رحمة إدارة الجامعة أو الكلّية والقائمين عليها. وهكذا يستطيعون هم التهرّب من أي مشكلة حقيقية تسبّب ظلما فادحا وواضحا للطلبة من خلال القول ببساطة أنّ ما فعلوه “قانوني” أو أنه ليس هناك ما يقيّدهم في هذا الفعل أو ذاك قانونيّا. مع أن القانون لا يعني شيئا بدون تحقيق المقصد الأسمى منه، وهو العدالة.
أمور كثيرة من الممكن إدراجها تحت هذا البند، فمثلا سوء مستوى بعض أعضاء الهيئة التدريسية (مهما بلغت درجة السوء من وجهة نظر الطلبة) من الممكن تجاهله لأنه قانوني!!! ولا شيءَ في القانون يقيّد الجامعة ليحلّوا هذه “المشكلة” (من وجهة نظر الطلّاب). كذلك انخفاض مستوى الجودة التعليمية للامتحانات، ووجود أخطاء في أسئلتها، أو وجود محاضرات مملّة غير مفيدة إطلاقا .. كل هذه الأمور وغيرها الكثير، تُوضَع كمشاكل فقط ليتمّ العمل على حلّها، لكن بما أنّه ليس هناك أي إلزام قانوني أو ثقل طلّابي ضاغط له شرعية قانونية في تقرير مصير هذه المشاكل، تستمرّ في الحصول ببساطة دون عمل حقيقي لحلّها، إلى درجة أنّها تصل عندهم إلى حالة من اللامبالاة، ببساطة لعدم وجود أي رقابة أو إلزام بالعمل عليها.
لكي أحاول إيصالَ فكرتي بشكل أبسط وأعمق، لك أن تلاحظَ الفرق مثلا بيننا وبين بعض الجامعات العالمية حيث للطلبة حقّ عزل أي عضو من الهيئة التدريسية إذا أجمعوا على ذلك أو اتّفقوا عليه بنسبة كبيرة. أو في جامعات أخرى حيث يقرّر الطلبة بنسبة تتجاوز ال 30% من الأصوات من سيكون رئيس جامعتهم أو عميد كليّتهم. وفي أخرى حيث يلعبون دورا أساسيا في تحديد السياسات التعليمية وطرق التدريس لديهم. ووو إلخ.
الخلاصة المختصرة من كلامي، أنّه يجب إعادة النظر في كامل السياسات التعليمية الجامعية لدينا، والعمل (سواء من قبل الجامعة أو الطلبة أنفسهم) على إشراك الطالب حقّا في تحديد مصير العملية التعليمية، وتوفير غطاء وثقل قانوني لتحرّكات الطلبة ومطالباتهم وتمثيلهم.
وإلّا.. “ففيمَ الخصام وأنت الخصم والحكم؟”
وإلّا.. فلا تلوموا الطلّابَ ولا ترجوا خيرا ولا تميّزا..
سنة ثانية كلية الطب – الجامعة الأردنية