تحقيقات زدني

سوء التوجيه ومحدودية المقاعد الجامعية في الجزائر يحوِّل حُلم العمر إلى كابوس

يقول الطالب محمد عون في حديثه لـ”فريق زدني”: “حصلت على البكالوريا 2017 بتقدير جيد بمعدل 15.58، ولكن قدر الله وما شاء فعل، لم أتوصل إلى حلمي وهو جراحة الأسنان، وبفارق ضئيل جدًا حيث فصلني عنها 0.04 فقط، و لم أستطع نيلها، ولكن قلتُ: ما زال هناك أمل، فتقدمتُ إلى كلية جراحة الأسنان؛ من أجل القيام بالتحويل، ولكن لا أحد قام باستقبالي أو السماع إلي، وأنا الآن من دون دراسة، لا أدرس في الجامعة ولا أستطيع إعادة البكالوريا (دورة جوان) 2018، أنا ضائع كل الضياع ووالداي كل يوم يتحسران ويتألمان”.

ولم يُخفِ الطالب عون في حديثه لـ”فريق زدني” حزنه على وضعه بالقول: “تمنيت في هذه اللحظة لو أنني لم أحصل تمامًا على البكالوريا.. أهكذا تكافئون النجباء؟ أتريدونني أن أُحرَم من الدراسة إلى الأبد؟ للأسف هذا هو حالي، فحلم البكالوريا ضاع بين الطعون والرغبة في دراسة جراحة الأسنان”.

35 بالمائة من المرشحين لشهادة البكالوريا (أحرار)

تحصي وزارة التربية الجزائرية سنويًا أكثر من 700 ألف مرشح لشهادة النهائي، إلا أن كل هؤلاء المرشحين ليسوا كلهم من الدارسين، حيث يوجد عدد معتبر من المرشحين الأحرار الذين يقررون إعادة البكالوريا من الراسبين أو الناجحين الذين قرروا إعادة البكالوريا مرة ثانية لعديد من الأسباب، من بينها عدم الحصول على رغبتهم في دراسة التخصص بالجامعة، وخلال سنة 2017 تم تسجيل 491.298 دارسًا و270.403 أحرار ما يعادل 50.35% من إجمالي المرشحين، حيث حقق الأحرار نسبة نجاح قدرت بـ 33%.

ألف طالب يترشح سنويًا في جامعة التكوين المتواصل

توفر الدولة الجزائرية أيضًا فرصًا أخرى لدراسة الطلبة عبر جامعة التكوين المتواصل، وهي مؤسسة عمومية ذات طابع إداري تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وهي تحت وصاية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية، لديها 52 مركزًا و12 ملحقًا موزعين على كامل التراب الوطني، وتمنح هذه الجامعة 3 أنواع من الشهادات.

يقول جمال معيزة –في التنسيقية الوطنية لحاملي شهادة جامعة التكوين المتواصل- في تصريح لـ”فريق زدني”، أنه من بين آلاف الطلبة الراغبين في مواصلة دراستهم بالمراسلة؛ يوجد سنويًا أكثر من 1000 طالب ناجح في شهادة البكالوريا، يفضلون جامعة التكوين المتواصل على الجامعة؛ وذلك لظروف معينة، وهي توجههم نحو سوق العمل والدراسة، حيث تتيح الجامعة فرصة الدراسة المسائية وبالتالي الحصول على شهادة، كما أن الطلبة يدرسون التخصص الذين يرغبون به.

ثلث الناجحين في البكالوريا لا يواصلون دراستهم في الجامعة

حمل مزيان مريان -المنسق الوطني للنقابة الوطنية المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي والتقني- في حديثه لـ “لفريق زدني وزارة التربية مسؤولية ما وصل إليه عدد كبير من طلبة الجامعات؛ بسبب عدم تطبيق إصلاح البكالوريا، وبالدرجة الأولى تحديد إمكانات كل طالب في دراسة التخصص الذي يرغب فيه بعد حصوله على شهادة التعليم الثانوي.

وفي الصدد ذاته، تأسف مزيان مريان لرفض الحكومة الجزائرية إصلاح البكالوريا الذي يقوم أساسًا على ضرورة إدخال بعض الإصلاحات على الامتحان، على غرار تقليص عدد الأيام، وكذا ضرورة اعتماد المراقبة المستمرة على التلميذ اعتبارًا من السنة الثانية ثانوي. أما النقطة الثالثة المتفق عليها فهي العودة إلى المعايير الدولية في تنظيم المسابقة.

وفي هذا الإطار يقول محدثنا: “إنه من غير المعقول أن يُوَجَّه طالب تخصص علمي نحو الطب من دون دراسة مدى تفوقه في المواد العلمية، وهذا محل الإشكال الذي وقعت فيه الجامعة التي تُوَجِّه الطالب وفق المعدل العام وليس وفق المواد العلمية. مضيفًا أن هذه التوجيهات العشوائية ولدت طلبة لا يرغبون في الدراسة، ومنهم من توجه نحو الحياة العلمية”، كما كشف مزيان مريان أن هذا الوضع تسبب في رفض ثلث الطلبة الناجحين في البكالوريا الالتحاق بالجامعة.

وفي هذا الإطار يقول مزيان مريان لـ “فريق زدني”: “الاختيارات تفسد في كثير من الحالات على الفائزين -في هذا الامتحان المصيري- فرحتهم، بسبب خيبة الأمل التي يشعرون بها فور اطلاعهم على التخصص الذي وُجِّهوا إليه لمزاولة الدراسات العليا، وهي المشكلة التي تعود أسبابها لمحدودية عدد المقاعد في التخصصات المطلوبة، من بينها الطب والهندسة المعمارية والإعلام الآلي، وكذا المدرسة الوطنية للإدارة؛ لذا لا بد من توفير الإمكانيات الضرورية”. ويضيف محدثنا بأن المشكل الحقيقي يوجد في انعدام الاستمرارية ما بين الثانوية والجامعة، وهو ما يفسر -بحسب تقديره- اتساع نسبة الراسبين بين طلبة السنة الأولى في الجامعة.

هذا ويرى مزيان مريان أن الحل هو: تنظيم مسابقة للالتحاق بالتخصصات الأكثر طلبًا، بغرض عدم حرمان الطلبة الحاصلين على معدل عشرة من مزاولة الدراسة في التخصصات التي يرغبون فيها، مؤكدًا بأن الإقصاء يدفع بالطالب إلى الرسوب وهجران مقاعد الدراسة.

طلبة التقني يهجرون نحو التخصص الأدبي بعد سنوات من الدراسة

يقول محمد شيحات -أستاذ علوم الإعلام والاتصال بالمركز الجامعي أحمد زبانة- بمحافظة غليزان غرب الجزائر في تصريح لـ”فريق زدني”: “لاحظنا مؤخرًا توافد عشرات الطلبة من تخصصات تقنية إلى الجامعة بعد أن طالبوا بإعادة توجيههم، رغم دراستهم لسنوات في تخصصهم السابق”.

ويضيف الأستاذ محمد شيحات في حديثه لفريق زدني بالقول: “قمت بدراسة العديد من الحالات وعمومهم يأتون من تخصصات تقنية، فهم لا يجدون أنفسهم في تلك التخصصات التقنية، أو يعتقدون أنها لا تتلاءم مع تكوينهم، أو أنهم أضعف منها، وآخرون يصطدمون بواقع أنهم دون مستوى ذلك التخصص؛ فيقومون بالفرار إلى تخصصات أقل ضغطًا، وأساتذة متساهلين فيها، خاصة أن التخصصات الأدبية والاجتماعية والإنسانية والفلسفية تعتمد كثيرًا على أساتذة متعاقدين، وعموم الأستاذة المتعاقدين يكونون متساهلين، بالمقابل يقول الطلبة الذين يغيرون تخصصهم: إن تخصصات العلوم الإنسانية ذات طبيعة كلام وسرد فقط، وهي الأسهل في حصولهم على الشهادة”.

ويعترف الأستاذ شيحات بسوء توجيه الطالب منذ حصوله على شهادة البكالوريا قائلًا: “العديد من الطلبة الذين وُجِّهوا في تخصص لا يرغبون به؛ يكون مصيرهم التخلي عن مقاعد الجامعة، أو إعادة التوجيه بعد تضييع سنوات”.

طلبة يبحثون عن النقاط من دون رصيد معرفي

أما زميلته الأستاذة عامر أمال تقول لـ”فريق زدني”: “مشكلة التوجيه أمر واقع، فهناك عناصر متفوقة وهناك عدد كبير هدفهم فقط النقطة، وأنه يكمل السنة وينتقل للسنة المقبلة، حتى ولو بدون رصيد معرفي جيد، وكذلك أنا -وبحكم طبيعتي- أحب التقرب من الطلبة وأعاملهم كأخت عند النصيحة، بعيدًا عن الدراسة، لكن بتقربي منهم اكتشف خاصة في وسط الشباب أنهم يائسون، أحدهم يدرس ويعلم أنه ذاهب للمجهول، يدرس ويعلم أنه لن يوظف، وكل هذه العوامل تصنع منه طالبًا منمطًا فقط هدفه النقطة”.

بالمقابل تؤكد الأستاذة عامر أمال، أن معدل الطالب في عديد من المرات لا يسمح لكل الطلبة بدراسة التخصص الذي يرغبون به، قائلة لفريق زدني: “مرّات حقا سوء توجيه، ومرّات كثيرة: المعدل الحاصل عليه الطالب في شهادة البكالوريا، هو ما يجعل الحظوظ ضئيلة لاختيار التخصص الذي يرغب فيه”.

نصف الناجحين في البكالوريا غير راضين عن توجيههم و 60% يرسبون في السنة الأولى

حذر عبد الحفيظ ميلاط -المنسق الوطني للمجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي- في حديث لـ”فريق زدني” من ارتفاع حالات الرسوب بين أوساط طلبة السنة الأولى في عديد من التخصصات، مشيرًا أنها قد تصل إلى 90% في بعض التخصصات الصعبة، و50% في تخصصات أخرى، وذلك بسبب الفوضى التي تعرفها عمليات توجيه الطلبة الناجحين في البكالوريا، مشيرًا أن الطالب الناجح في البكالوريا لا يجد من يضع أمامه الاختيارات الصحيحة.

وفي هذا الإطار؛ قال الأستاذ ميلاط لـ”فريق زدني”: “إن نصف الطلبة غير راضين عن توجيههم، بدليل آلاف الطعون التي قُدِّمت على مستوى الجامعات، والتي وضعت الطلبة في دوامة بين من قرر إعادة البكالوريا، وبين من فضل انتظار نتائج توجيهه، قائلًا: “بالتأكيد عندما يُوجَّه الطالب لتخصص لا يحبه ولا يرغب في دراسته، سيكون مصيره الفشل والرسوب”.

نظام “بروقرس” هو من ضيع الطلبة والمطلوب فتح تحقيق

يقول الأستاذ ميلاط في حديثه لـ”فريق زدني”: “إن نظام التوجيه الإلكتروني الذي اعتمدته وزارة التعليم العالي الجزائرية خلق ثغرات، وما يعرف بالتوجيهات العشوائية، بل رفع من نسبة الطعون والتحويلات”، مضيفًا: “للأسف نظام بروقرس” الذي يوجه الطلبة؛ سبب كل المشاكل في التوجيه والطعون، هذا النظام هو الذي يقوم بتوجيه الطلبة ودراسة الطعون، للأسف هذا النظام هو سبب كل مشاكل الجامعة، بعد أن تسبب بأخطاء فدحة في التوجيه وحتى في الطعون، والمطلوب فتح تحقيق ولكن الوزارة لا تريد الاعتراف بذلك؛ لأنه كلفها مبالغ باهظة”.

على ضوء هذه المعطيات؛ يقول المنسق الوطني للمجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي: “إن المخرج الوحيد لأزمة التحويلات التي عرفتها الجامعات في السنوات الأخيرة، لن يكون عن طريق إلغاء الطعون، يجب العودة إلى النظام القديم في التوجيه والطعون، وبتوفير المقاعد البيداغوجية في التخصصات الأكثر طلبًا، مقارنة بعدد الناجحين في البكالوريا، الذين هم في تنامٍ مستمر”.

محدودية المقاعد في الجامعة أساس المشكلة وإعادة البكالوريا خسارة للطالب والدولة

من جانبه يعترف محمد ملحاق -رئيس لجنة التربية بالمجلس الشعبي الولائي- بمحافظة الجزائر العاصمة، في حديث لـ”فريق زدني” بإشكالية محدودية المقاعد البيداغوجية بالجامعة، وخاصة تلك المتعلقة بالشُّعب العلمية كالطب وجراحة الأسنان، إلى جانب الشُّعب التقنية، مضيفًا في تصريح لفريق زدني، أن هذه الإشكالية تدفع بآلاف الطلبة نحو إعادة السنة، وهو أمر يعتبره محدثنا خسارة للطالب الذي قضى سنة كاملة في التحضير لشهادة النهائي، وكذا للدولة التي تخصص ميزانية معتبرة سنويًا للطلبة الأحرار.

وفي هذا الإطار يشدد السيد ملحاق على أهمية تفادي فوضى التوجيهات، مشيرًا إلى أنه نبه وزارة التعليم العالي إلى هذه الإشكالية، إلا أنه مع مرور السنوات لوحظ تحسن نسبي بعد تعديل قانون توجيه الطالب، والذي أصبح يتم إلكترونيًا، إلا أنه أكد على أهمية التواصل بين المدرسة والجامعة في توجيه الطالب منذ سنواته الأولى، وكذا خلق جسور من التواصل بين الجامعة وعالم التكوين والعمل حتى لا تخلق هذه المؤسسة مزيدًا من البطالة.

حليمي غانية

غانية صحفية من الجزائر، مهتمة بالشان التربوي، اعمل من اجل تسليط الضوء على كل ما من شانه عرقلة تطور التعليم بدولتي وبكل الدول العربية، ومهمتى ليس الانتقاد من اجل التحطيم وانما وضع الاصبع على الجرح من اجل ايجاد دواء ناجع لعله يجعل المدرسة الجزائرية والعربية تنافس مستقبلا اكبر المدارس الغربية ..
زر الذهاب إلى الأعلى