تحقيقات زدني

طلاب مصر مهددون بأنواع من العنف

يعاني الوطن العربي من حالات عنف متعددة ضد الطلاب، إلا أن نسبته زادت بشكل كبير ومفجع في مصر، ففي 11 نوفمبر الماضي، شهدت محافظة الفيوم بمصر، محاولة قيام طالب في المرحلة الابتدائية بشنق زميله داخل المدرسة، وقبل أن تقع الجريمة قام المدرسين بإنقاذ الطفل، وبرر الأطفال فعلتهم أنهم قاموا بتقليد مشهد إعدام شاهدوه في أحد الأفلام وأرادوا تنفيذه على زميلهم، بحسب الجريدة الرسمية المصرية.

لم تكن هذه القصة الوحيدة التي شهدتها المدارس المصرية منذ بداية العام الدراسي 2015، حيث حدثت العديد من حوداث العنف المروعة ما بين الطلاب وزملائهم أو بين مدرسين وطلابهم والعكس، حتى أصبح العنف ظاهرة جديرة بالاهتمام ودراسة أسبابها.

ومن أبرز جرائم عنف التعليم في مصر، زيادة جرائم التحرش الجنسي، والعنف الجسدي، واللفظي، ضد الطالبات والطلبة بمختلف المدارس التعليمية، حيث حدث ما  يزيد على 61  جريمة من جرائم التحرش الجنسي من بعض المدرسين ضد طالبات قاصرات في المدارس الإعدادية بل والابتدائية أيضًا.

تقارير رسمية

أسفرت تقارير رسمية لخط نجدة الطفل 16000 (وهو رقم يقوم الطفل المتضرر بالاتصال به لتبليغ شكواه)، التابع للمجلس القومي للطفولة والأمومة، أنه تلقى في أول شهرين من الدراسة والتي بدءت في منتصف أكتوبر الماضي، 55 بلاغًا عن العنف المدرسي، واحتلت محافظة القاهرة المرتبة الأولي بعدد 13 بلاغًا، وفي المركز الثاني محافظة الجيزة بـ 7 بلاغات، ويليها محافظة الغربية في المركز الثالث بـ 6 بلاغات.

وبحسب المجلس فقد وصلهم 5 بلاغات بمحافظة الإسكندرية، و4 بلاغات لمحافظة البحيرة، ومحافظات الشرقية، والقليوبية، والدقهلية بواقع ثلاثة بلاغات لكل محافظة، وبلاغان لكل من: محافظات أسيوط، وكفر الشيخ، والسويس، وجاءت محافظات المنوفية، والمنيا، والفيوم، وسوهاج، والوادي الجديد في المرتبة الأخيرة بواقع بلاغ لكل محافظة.

وقال المجلس في تصريحات خاصة لـ “شبكة زدني”، أن النصف الأول من عام 2015، “تصدر بلاغات الإهمال والعنف والتعذيب المرتبة الأولى في بلاغات خط نجدة الطفل بنسبة 52 % وتلتها بلاغات التحرش والاغتصاب، واحتل الشارع المرتبة الأولى في الجهات المصدرة للعنف ضد الأطفال.

كما احتلت المرتبة الأولى من بلاغات العنف الأطفال في عمر عام إلى 6 سنوات بنسبة 35%، وتصدرت محافظات (القاهرة، الجيزة، والأسكندرية) بلاغات العنف تجاه الأطفال.

وأضاف المجلس، أن الأطفال الذكور كانوا أكثر إبلاغًا على خط نجدة الطفل خلال فترة التقرير حيث بلغت نسبتهم 60%، فى حين كانت بلاغات الأطفال من الإناث بنسبة 40%.

عنف يؤدي إلى وفاة

مسلسل الضرب في المدارس لا ينتهي، وأصبح يؤدي لجريمة، آخرها ما نشرته القنوات المصرية عن الطفل إسلام شريف، الطالب بالصف الخامس الابتدائي، قبل عدة أشهر بمدرسة شهداء بورسعيد بحي السيدة زينب بالقاهرة، والذي توفي نتيجة إصابته بنزيف حاد، إثر اعتداء أحد المدرسين عليه، وفقًا لما ورد في تحقيقات النيابة.

وبالبحث في القصة الكاملة لوفاة التلميذ إسلام، قال مدير عام الإدارة التعليمية بالسيدة زينب، خالد عبدالحكيم، “إن القصة بدأت بعد ما عاقب المدرس 7 طلاب، من بينهم إسلام شريف، فرفض إسلام رفع يديه متوسلًا للمدرس “أنا تعبان”، فاشتد الحوار بينهما، بعدما اعترض الأخير على أسلوب التلميذ، وعدم تنفيذه للعقاب، ما دفعه لضربه على رأسه بالعصا”.

وبنقل التلميذ إلى مستشفى قصر العيني، تبين إصابته بنزيف في المخ، وسارعت الأجهزة الأمنية، بضبط المدرس، وأمرت النيابة بحبسه، بعد أن وجهت إليه تهمة استعمال القسوة التي أفضت إلى موت.

فوارق العنف بين المدارس الخاصة والحكومية

يقول رمضان وحيد – معلم بمعهد أزهري خاص، في تصريحات خاصة لـ “شبكة زدني”، نحن كمعهد أزهري خاص قلما تظهر حالات عنف نهائي، وإن ظهرت فهي متفاوتة، وترجع لأسباب مهمة، على رأسها أن الإدارة صارمة جدًا في التعامل إزاء مثل هكذا حالات، مما يجعل الطالب يعيي التفكير ألف مرة قبل إقدامه على أي شيء.

ويضيف أن حالات العنف المحدودة التي رآها في المدرسة التي يعمل بها تكون لأسباب تافهة وبسيطة، لافتًا إلى أن حالات العنف الشديدة تظهر في المدارس والمعاهد الأزهرية الحكومية، والتي تتميز بكثرة عدد الطلاب في المدرسة، وعدم سيطرة الإدارة على الطلاب، وتتباين الحالات من مدرسة حكومية لمدرسة خاصة.

ويؤكد وحيد على أن المدارس الخاصة، يتم الإشراف فيها على الطلاب بشكل جيد، في كل وقت حتى في وقت الانصراف ووقت “الفسحة”، لمنع حدوث أي مشاكل، إضافة إلى أن عدد الطلاب بالفصل بسيط بعكس مدارس الحكومة، ففي المدارس الخاصة يصل عدد طلاب الابتدائي في الفصل ل 40 طالب مقابل 80 طالب في المدارس الحكومية، فالكثافة العددية مؤثرة وتؤدي لمشاكل عديدة.

عن أسباب العنف المدرسي

يعتبر العنف الأسري هو السبب الرئيسي لوجود عنف مدرسي، بحسب محمد حسين -المحاضر بكلية الآدب من جامعة الملك عبد العزيز في تصريحات خاصة لـ “شبكة زدني”، مؤكدًا على أن هذا العنف يتعلمه الطالب من داخل المنزل وعدم وجود دور فاعل للمرشدين الطلابيين، وعدم تدريب غير الحاصلين على المؤهل التربوي وعدم وجود مؤهلين للعملية التعليمية، كل هذا يؤدي لعنف الطالب.

ويضيف أن ضغوط الحياة اليومية أحد أسباب العنف خاصة الجانب الاقتصادي والنفسي على الأطراف التعليمية كله، إضافة إلى عدم وجود مناهج تنبذ العنف وتعزز قيمة الحوار، ولم تعد المدرسة محضنًا تربويًا بل حصصًا موقوتة بزمن لحشو معرفي  وتلقين وحفظ دون التطرق للجانب الإنساني، وغياب الأنشطة الطلابية الموجهة والتي تخرج طاقة الطلاب الجسدية.

الوضع الراهن

تقول د. إيمان الشوبكي، الكاتبة والمستشارة الأسرية لـ “شبكة زدني”، وصل الطالب لهذا المستوى من العنف لوجود مجتمع موازي من الإعلام السيء الموجه الذي يدعو إلى تقليد الأفلام والمسلسلات وغيرهما ويروج لها ليل نهار، كذلك البيئة الخارجية التي تضغط على قيم الطالب لتنجرف به وتنحرف عن قيمه وأخلاقه كالأصدقاء والشارع.

وتشير إلى أن الأحداث الدامية في الآونة الأخيرة في مصر من مجازر وقمع وعنف مضاعف من قبل النظام الحاكم  تجاه الشعب له كبير الأثر في تصاعد وتيرة العنف عند الطلاب كتنفيس عما يروه من ناحية وكاعتياد لرؤية الدماء والضرب والتعذيب، فهان عليه أي شيء، وانسلخ بعضهم عن مشاعر الإنسانية أحيانًا لعمل عاهات مستديمة لأصدقائه كنوع من التمدد الطبيعي للعنف الممارس في الشارع المصري لأكثر من سنتين .

عنف المعلم

أما عن عنف المدرس تقول الشوبكي أنه وصل للعنف نتيجة الضغوط المادية والحياتية عليه، وبالإضافة لاختفاء رفع كفاءة المدرسين ورعايتهم رعاية كفاءة وتأهيلهم من قبل الجهات المختصة جعلت العملية التعليمية تمثل عبء بالتكدس العددي بأعدادهم الذي يفوق قدرة الفصول، والمدرس ذاته على توصيل المعلومة مع هذا العدد وقلة الإمكانيات، وأضف عليها أحيانًا قلة الكفاءة والضغوط الشخصية.

ويقابل هذا أحيانًا  بعدم احترام من الطالب، فتكون المواجهة من الطرفين أو طرف واحد، وبالإضافة للعنف البدني من الضرب وغيره  فهناك العنف المعنوي والنفسي بالتحقير والإهانة اللفظية والسب وغيرها وكل على حسب مستوى البيئة والوسيلة المتاحة.

وتؤكد على أن مجرد عدم تهيئة المكان من ناحية العدد والنظافة والاهتمام والمدرس الغير كفء، فيه مهانة للطالب وإهدار  لحقه  مثله مثل أي طالب في العالم، فلو منح حقه  كإنسان وكمواطن وكطالب ستخف حدة العنف، لكن إهدار قيمة المعلم جعلته يتصرف بعنف مع الطلاب أو زملائه.

خبيرة نفسية: تفاقم العنف يعود لتلاشي القيم الأخلاقية

وتقول إسراء كمال – خبيرة نفسية وتربوية في تصريحات خاصة لـ “شبكة زدني”، يرجع تفاقم ظاهرة العنف إلى تلاشي القيم الأخلاقية داخل المدارس ففي الزمان القديم كنا نقول قم للمعلم ووفه التبجيل ولكن في هذا الزمن أصبح الطلاب يقولون “ادفع للمعلم وخد عنده مجموعة يصبح المعلم عجينة بين يديك”، إضافة إلى النشأة التربوية الخاطئة داخل الأسرة،  وقسوة المعلمين واستخدام أساليب العقاب والإهانة المعنوية، وأصبحت المدرسة مكانا للمرح بين الطلاب وإقامة علاقات مع البنات والتدخين وربما لتعاطي المخدرات بدلًا من أن تكون مكانًا للتعليم والقدوة السلمية وزرع القيم.

وتضيف عدم وجود رقابة جيدة أحد أسباب العنف، فليس هناك لوائح تربوية تسير عليها المدرسة فكل ما يهم الإدارة هي نسبة النجاح، حتى وإن تم ذلك بالغش، وكل ما يهم المدرس هو تحصيل المال، من خلال تكوين مجموعات الدروس الخصوصية على حساب أي شيء حتى ولو كانت كرامته، وبناءً عليه يفهم الطلاب كل ذلك ويتعاملون على أساس عدم وجود رقابة أو وازع أخلاقي وأن كل ما يحتاجونه هو المال لتحقيق النجاح.

وتلفت إسراء كمال إلى أن الآونة الأخيرة صار هناك اعتقاد شائع بين الطلاب والشعب أن من لا يأخذ حقه بذراعه لا يصبح رجلًا ذو قيمة فالكلام لا يجدي والأسف عند الخطأ لا يصرف مالًا فمن يتعدى عليك بكلمة تعدى عليك بركلة حتى يحترمك الجميع.

وتشير إلى أنه ليس هناك مناهج تعليمية تغذي العقل، حيث أن الأمر وصل إلى أن بعض المدرسين لجأوا في الآونة الأخيرة إلى التدريس على إيقاع “الطبلة”، بالإضافة إلى استخدام المدرس للعنف في التعامل مع الطلاب وخاصة في مرحلة التعليم الأساسي الذي يجعل لديه حقد دفين وطاقة سلبية تجاه الآخرين عندما يكبر.

وتؤكد الخبيرة النفسية إسراء كمال على أن المجتمع أصبح جميعه عنيف والمشاكل التي تنتج على أثره عديدة مما يولد داخل الأجيال أنه من لا يملك سلاحًا يدافع به عن نفسه هو ضائع لا محالة ولن يستطيع العيش وسط هذه الغابة ولأنه قد يجد مدرسه يحمل مثل هذه الأشياء.

وتضيف أنه من أبرز أشكال العنف التي واجهتها كمدرسة وتربوية، التعارك بين المدرسين، حتى وصل الأمر إلى أن أحدهما أخرج “المطواة” من جيبه ليضرب بها زميله أمام الطلاب.

وتشير إسراء إلى الأوضاع الجارية في مصر أدت إلى كفر الطالب بكل المبادئ والقيم السليمة التي لم تكفل له حق التعبير باللسان فيلجأ إلى التعبير باليد ليخرج ما بداخله من طاقة سلبية تجاه المجتمع الذي لم يحترم آدميته.

ويؤكد المحاضر بجامعة الملك عبد العزيز محمد حسين، على أن الطلاب إلفوا مناظر الدم والقتل التي شهدتها مصر مؤخرًا، والاعتياد عليها ينزع هيبة وحرمة الدم ويجعله معتادًا مألوفًا لا تنكره النفس و لا تهابه، مما يجعله لا يخاف عندما يتعامل بعنف مع أصدقائه ويصابون ويرى منظر الدم.

كيفية التعامل

أما التعامل مع هذه الفئة تقول إسراء، يجب أن يكون عن طريق الفصل لفترة من المدرسة وحضور ولي الأمر وإمضاؤه على تعهد بعدم التكرار وإن تكرر الأمر فيتم فصل الطالب نهائيًا وذلك حتى يكون الطالب عبرة لغيره.

وتضيف أما من الناحية التربوية فالبداية بالمعلم، فلابد أن يكون قدوة للطلاب ولا يقوم بمثل هذه الأمور، ويتخذ معه الإجراء اللازم إن وقع منه هذا الأمر حتى يكون أيضًا عبرة لغيره، إضافة إلى منع الضرب داخل المدارس كأسلوب عقابي تجاه الطلاب وليكن العقاب بالفصل لفترة.

وتؤكد على ضرورة الحرص على تدريس المناهج بشكل علمي والاهتمام بمادة الدين والتي تترك جانبًا ولا يهتم بها أحد لأنها مادة ليس بها رسوب، وعقد دورات تدريبية للطلاب داخل المدارس بشكل مستمر حتى نبني أجيالًا نافعة.

دور المدرسة

ويضيف محمد حسين – المحاضر بجامعة الملك عبد العزيز، إلى أن للمدرسة دور مهم جدًا في نبذ العنف وتقويم الطالب من خلال توفير أخصائي اجتماعي كفء لدراسة تلك الحالات على حدة، والتواصل المباشر والفعال مع الأسرة، وإعداد المحاضرات أو الندوات لإرشاد الطلاب وتوعيتهم.

ويشير إلى ضرورة تواصل المدرسة مع كل الكيانات الاجتماعية المحيطة للمساعدة في حل الأزمة، ورفع التوصيات المقترحة والتعديلات على المناهج والتي تضمن إرشاد نفسي واجتماعي وتقويم السلوك، ووضع القواعد الصارمة للتعامل تجاه مثل هذه السلوكيات، وتدريب المعلمين الجدد على كيفية احتواء المواقف دون تطورها للأسف.

إسراء محمود

صحفية وناشطة من مصر – عملت في مجالة الصحافة الورقية والإلكترونية لأكثر من عشر سنوات، في التحقيقات والتقارير والأخبار الخاصة بالنقابات المهنية والوزارات، كما عملت كمراقب حقوقي في الانتخابات البرلمانية المصرية.
زر الذهاب إلى الأعلى