خواطر باحثة علمية

فك شيفرة الطلاسم العلمية

كان لا بد لي من التفكير العميق في عرض البروفيسور بأخذ بعض من المحاضرات مع طلاب البكالوريس ثم متابعة دراسة الماجستير وهو على يقين إن الطاقة المبعثرة في داخلي سيعاد ترتيبها وتخرج كما يجب، وما بين التأخر للحصول على شهادة الماجستير أو الاستمرار مع الرضا بالإخفاقات دخلت في صراع داخلي وكذلك في نقاشات مع زملائي الذين لم تعجبهم فكرة البروفيسور وقالوا لي حاولي أن تبذلي قصار جهدك وأكملي وإحمدي الله إنك إجتزتي جميع المراحل السابقة.

أردت أن أتخذ قراري لوحدي وأكون راضية عن نفسي ذهبت إلى إحدى محاضرات البكالوريس في الأحياء التطوريةDevelopmental Biology وجلست في القاعة، لم يستغرب أحد وجودي ربما لكثرة العدد، ودخل البروفيسور وبدأ المحاضرة، كنت أستمع بإستمتاع وأخذ ملاحظاتي، وهنا ضحكت مع نفسي وأقول .. هذا أول السيل؟ هاهي بعض الطلاسم التي لم أفهمها في محاضرات الماجستير، هنا تدرس بطريقة واضحة وموسعة، وتتابعت الجمل والمفردات وفجرت في نفسي بركانًا من المعرفة فما كان مني إلي أن أخذت طريقي وذهبت إلى البروفيسور وقلت له .. أقبل أن أؤجل نصف سنة وأرشف من بحر محاضرات البكالوريس ما أحتاج وأتعلم المبادىء العملية معهم.

إبتسم لي وقال .. لقد توقعت منك هذا القرار، المعلومات التي في عقلك تحتاج فقط إلى تجميع وتوجيهها بالطريقة العلمية الصحيحة ويوماً ما ستطرقين بابي شاكرة لي هذه النصيحة، بإمكانك ترتيب باقي الأمور مع المنسقة للماجستير حتى يتم احتساب الفصل القادم لك، كمحاضرات إضافية بدون علامات.

وبدأت أتابع مع طلاب البكالوريس بعض المحاضرات التي تهم دراستي للأحياء الجزيئية وأحسست بروح الاجتهاد التي تصحرت بفعل الإخفاقات الماضية بدأت تتشرب مياه العلم العذبة وأينعت براعم لعلم ممنهج أطلت من الأعماق، فالطريقة التي تعطي في شرح مادة سلسلة بدون تعقيدات تعتمد على المحاضرة المحضرة بدقة متناهية على شاشة العرض وفي كل شريحة فيها المفيد الملخص لموضوع كبير، لكن إن أوقفني مصطلح فلابد من العودة إلى الكتاب الأساسي  لعلم الأحياء الجزيئية، وفي إحدى المرات استوقفني موضوع في إحدى المحاضرات لم أستطع فهمه فعدت وكلي ثقة إن في الكتاب الخبر اليقين، ولكن لم أجد ما يشبع فكري فما كان لي في اليوم التالي إلا أن توجهت لبروفيسور المادة وقال لي: طبعًا لن تجدي كل شيء في الكتاب، فلماذا وجدت الدوريات ؟، سألته: تقصد ذلك القسم الموجود في المكتبة؟، قال لي: إذا كان لديك المزيد من الوقت بإمكانك تصفح الدوريات المطبوعة ولكن بإمكانك استخدام قواعد البيانات العلمية مثل NCBI وهناك يوجد البحث المتقدم وهذا بنك للمعلومات، فقط إكتبي المصطلح من ثم ستجدي أخر الأبحاث المنشورة عن الموضوع وهناك ستجدين أخر الطرق العلمية المستخدمة في ذلك .

هنا إنفتح لي باب جديد من العلم وفكت شيفرة الدراسة المعقدة وبدأت منها سلسلة جديدة من المعرفة التي لا نهاية لها، فقط و بعدة كلمات ينتشر أمامك من هذا الموقع الألاف من الأبحاث العلمية الحديثة والقديمة ومنها تستطيع أن تجد ضالتك وفيها تذاب أعقد الطلاسم وفيها ترى براعة تسلسل البحث والإختلافات بين بحث وأخر والجودة من مجلة علمية لأخرى.

وبالتالي تبدأ حقيقة طالب العلم بالاجتهاد فيما يتعلم ويبحث لكسب المزيد من المعرفة وتوسيع مداركه وليس الاعتماد على مصدر واحد يحفظ منه ما هو مهم لامتحان أو درس، بل إن حصيلة البحث تغنيك عن الدراسة المكثفة ليلة الامتحان، فهل عرفتم لماذا دعتني زميلتي للعشاء في المطعم ليلة ذلك الامتحان؟

علياء كيوان

طالبة دكتوراة في الأحياء الجزيئية وناشطة اجتماعية. مقيمة في ألمانيا، أم لثلاث أطفال، أعمل في بحوث السرطان، هوايتي الكتابة والقراءة، همي هو النهوض بالمرأة العربية في المجتمعات الأوروبية ويكون لها بصمة ومكانة، أسست مجلة المرأة العربية في ألمانيا وهي أول مجلة إلكترونية ناطقة باللغة العربية في ألمانيا تهتم بشؤون المرأة والأسرة العربية بشكل عام.
زر الذهاب إلى الأعلى