صوت المعلم

في مديح كلية التربية

كنت قد قررت بعد انتهائي من الثانوية العامة الالتحاق بقسم اللغة الإنجليزية، وعند استشارة أساتذة القسم، عما إذا كانت كلية الآداب قد تمكنني من العمل مدرسةً، وتضمن لي فرص عمل أوسع من كلية التربية، جاءت النصيحة بأن التربية تفتح مجالات أوسع في العمل، فبحسب رأيهم أن خريج التربية يمكنه العمل مدرسًا ومترجمًا للغة الإنجليزية، أما خريج الآداب فيلزمه سنة دراسية كاملة لبعض “المواد التربوية” ليستطيع العمل مدرسًا.

وبالتأكيد التحقتُ بكلية التربية بناء على هذه النصيحة، ولكني كنت ألحظ دومًا أن المجتمع ينظر لهذه الكلية على أنها واحدة من الكليات غير ذات الأهمية، أو كما هو الدارج هي إحدى كليات القاع، لدرجة أنني أتذكر صديقة شَهِقَتْ بصوتٍ مرتفع عندما أخبرتُها أني التحقت بالتربية، وردَّات فعلٍ أخرى تنم عن تقليل الآخرين من شأن هذه الكلية.

عندما كانت تؤرقني ملاحظات من حولي وآرائهم، كنت أتذكر أن هذا مستقبلي وأنا من سأعاني إن اخترت مهنة لا أحبها، كنت أردد أيضًا أن رضَا الناس غاية لا تدرك، بل ماذا سيفيد إن هم رضوا وتعثرتُ أنا!

بشكل عام لا أدري السبب الرئيس وراء تصنيف الكليات في مجتمعاتنا تحت ما يسمى بـ”كليات قمة” و”كليات قاع”، هذا التصنيف الذي من شأنه أن يحرم أشخاص كُثُر من الإبداع في تخصصات تلائم قدراتهم وأهدافهم؛ فالكثير من الطلاب باتوا يختارون تخصصات لا تناسبهم فقط لإرضاء المجتمع الذي يحصر العلم إما في الطب أو الهندسة، ثم يتدرج في تصنيفه ليضع الكلية التي تُعِدُّ المدرِّسين في آخر القائمة، علمًا بأنه كان للمعلم شأن جليل ومكانة عالية في العصور الماضية.

اليوم وبعد تخرجي في كلية التربية وعملي في مجال التدريس لسنوات، هذا المجال الذي أصبح بالنسبة لي متعة أكثر من كونه مهنة، أنصح كل الطلاب الذين يرغبون في الالتحاق بهذه الكلية بالتمسك بهدفهم وألا يلقوا بالًا لمن يحقر من شأن حلمهم هذا؛ فما أسوأ أن تمضي بقية عمرك أسيرًا لمهنة لا تحبها، وبالطبع فأنا لا أقلل من أهمية استشارة أصحاب الخبرة والتجرِبة، على العكس فالاستشارة ضرورية لتكوِّن تصورًا أفضل عن الكلية التي ترغب في الانضمام إليها جنبًا إلى جنب مع شغفك ورغبتك الخاصة.

ستعلمك التربية أن تفهم أكثر نفوس الآخرين، أن تكون أكثر إنسانية وتسامحًا، وستكون -ما إن أحببت ما تعمل وتحليت بالأمانة- قدوةً صالحة لأجيال بأكملها، هذه الكلية سوف تجعلك جزءًا هامًا ممن يشاركون في صناعة المستقبل، والأهم أنك ستغير من حياة الكثيرين.

لــولا المعلمُ ما قرأتُ كتابـًا.. يومًا ولا كتبَ الحروفَ يَرَاعِي

فبفضله جزتً الفضاء محلِّقًا .. وبعلمه شقَّ الظلامَ شُعَاعي

هذا ما قاله أحد الشعراء عن فضل المعلم، وما أكثر ما قيل عن أهمية مهنة التدريس وضرورة نشر التربية والتعليم بين أبناء المجتمع؛ لينهض ويرتقي، وأتساءل فهل ترتقي المجتمعات وتبنى الحضارة بغير نشر العلم على يد مدرِّس!

إذا كنتَ تجد في نفسك غاية في العمل مدرسًا، وتعلم أن التدريس رسالة وأمانة قبل أي شيء آخر، فاسع وراء غايتك هذه بكل ما أوتيت من شجاعة ولا تلتفت للناقمين.

هبة أبوكويك

مدرسة لغة إنجليزية ومدونة من فلسطين
زر الذهاب إلى الأعلى