رأي الوالدين

في يوم المعلم .. لا للتدريس!

قد يستغرب البعض العنوان، ولكن هذا العنوان ما هو إلا تعبير مجازي أردت من خلاله تسليط الضوء على مهنة لا تبنى الأوطان إلا بها، وهي المهنة الأم و الأساس المتين الذي تقوم عليه جميع المهن الأخرى.

“لا أريد أن أدرس أي شيء له علاقة بمهنة التدريس”

هذا هو الجواب الذي فاجأتني به إحدى خريجات الثانويه العامة عندما سألتها عن التخصص الذي ترغب بدراسته، وهو أيضا ما دفعني إلى سؤال كل طالب تخرج من المدرسة عن الدراسة التي يرغبها، بل إنه حتى جعلني أتعمد استفزازهم بأن اقترح عليهم أن يصبحوا معلمين!.

طالبه أخرى حصلت على معدل ممتاز قالت لي: “أنا لم أحصل على هذا المعدل حتى ينتهي بي الأمر أن أصبح معلمه”، في إشارة منها وبطريقة مبطنة إلى أن هذه المهنه مهنة الفاشلين فقط!.

طالبة ثالثه كانت أكثر تأدبًا مع هذه المهنة واكتفت بالحديث عن مصيرها إذا عملت بالتدريس قائله :”لا أريد أن أصبح مسخرة للطلاب”!.  

هذه آراء لعينة من جيل نشأ على كره هذه المهنة، محتقرًا لها، ناقمًا عليها، ويرى أن وجودها لا يختلف عن عدمه. 

 مما لاشك فيه أن مهنة التعليم كانت هي المهنة الأكثر احتراماً ورغبة لدى الكثير من الشباب في الماضي، لأنها المهنة الوحيدة التي تتعامل مع عقل الإنسان وروحه وتنمي فيه أعظم شيء خصه الله به وميزه به عن بقية مخلوقاته.

ولسنوات طويلة مضت كانت وظيفة المعلم هي الخيار المفضل لدى الكثير؛ لما كان يتمتع به المعلم من احترام لدى الجميع ولما كان يتمتع به من امتيازات إجتماعية، حيث أن المجتمع لم يكن ينظر إليه على أنه  المربي والمعلم لأبنائه فقط، بل كان يعتبره مصلحًا اجتماعيًا يؤخذ برأيه ويسمع له ويقتدى به. 

إضافة إلى أن المعلم كان أيضًا  يعد المرجعية الأولى للمعلومات بالنسبة للطالب وهو السلطة العليا التي ينظر إليها الجميع نظرة احترام وتبجيل.

تلك المكانه التي حظي بها المعلم في الماضي ما هي إلا نتيجة لتأثيره المباشر وغير المباشر في كافة مجالات الحياة،  والأهم من ذلك أن المعلم كان مؤدبًا ومعلمًا لنفسه أولًا قبل طلابه، ولذلك كانت رسالة التعليم ضمن انطباعه وسلوكه اليومي التي جبل عليها، وهو يؤمن أولًا أن رسالته رسالة إنسانية عظيمة.

 لو قارنّا تلك الصورة النيرة لمهنة المعلم ولمن يعمل بها مع نظيرتها في الوقت الحاضر نجد أنها انقلبت وتراجعت بشكل كبيروملحوظ، وأصبحت هذه المهنه تشكل عبئًا كبيرًا على مؤديها، وحلمًا مفزعًا يهرب منه كل طالب تسول له نفسه العمل بها، وإن عمل بها فإنه يعمل من منطلق :(مُكره أخاك لا بطل).

وهنا يجدر بنا أن نتساءل عن سبب تراجع نظرة المجتمع لهذه المهنة، وما هو سبب استنكاف الشباب عنها؟ 

وبالتالي.. من المسؤول عن تردي صورة هذه المهنة في أذهان أبنائنا وبناتنا؟ وما الذي جعلهم كارهين لهذه المهنة ناقمين عليها؟.

ذات يوم كنا في زيارة عائليه لأسرة يعمل ربها معلمًا، تحدثنا عن التعليم وسياسته، وعن مهنة التعليم. وهنا جعل الأب يلوم نفسه على أنه عمل معلمًا وقال: “إن هذه المهنه مهنه فاشلة! ومن يعمل بها فاشل أيضًا!” كل هذا الحديث للأسف على مسمع من أبنائه!.

ولك أن تتصور عزيزي القارئ الفكرة التي انطبعت في أذهان أبنائه عن هذه المهنة! ولك أن تتخيل كيف سيكون سلوك هؤلاء الأطفال مع مدرسيهم!

وهذا المعلم هو نموذج لآلاف المعلمين الذين يتحدثون بنفس الطريقة عن هذه المهنة. 

وهنا نتساءل مرة أخرى عن سبب هذه النظرة الدونية من قبل هؤلاء  المعلمين لمهنتهم؟

لو ألقينا نظرة لحال المعلمين اليوم نجد أن المعلمين في حال لايحسدون عليها، فالمعلم هذه الأيام يقاس بما يرفعه من علامات وتقديرات لطلابه دون النظر الى ما يتركه من بصمات على سلوك الطلاب وعقولهم وأخلاقهم، كما أصبح التركيز على المادة الدراسية وتحصيل الطالب وضرورة أن يجتاز الطالب المقرر الدراسي بمدة محدد دون التركيز على مدى استفادة الطالب من هذه المواد. إضافة الى أن المعلم يقوم بتكاليف وأعباء إدارية أتعبت كاهله وأبعدته عن مسمى(معلم). 

والأهم من ذلك كله أن المردود المادي الذي يحصل عليه المعلم لا يتناسب مطلقًا مع المجهود الذي يبذله، وهذا من شأنه جعل البعض ينظر اليها على انها المهنة التي “لا تطعم خبزًا”.

أضف إلى ذلك أن الحوافز والمكافآت والامتيازات تكاد تكون معدومة مقارنة مع باقي المهن الأخرى.

ويبقى أن نشير هنا الى أن القوانين والأنظمة التي تم سنها حديثًا فيما يتعلق بتصرف المعلم مع الطالب المذنب ومنعه من معاقبته؛ هذا الأمر انعكس سلبيًا على احترام بعض أولياء الأمور والطلبة للمعلم، وجعل من المعلم إنسان ضعيف يسهل الإعتداء عليه، وكم مرعلينا حوادث تم فيها الإعتداء على معلمين دون أن يحرك أحدًا ساكنًا! وعلى الأكثر تنتهي المأساه باعتذار دون أن تتخذ أي إجراءات بحق الطالب المعتدي.

إن حاجتنا إلى تغيير نظرة المجتمع إلى هذه المهنة تكا دتكون أكبر من حاجتنا إلى التعليم نفسه، وإن تحسين العلاقة بين مهنة التعليم ونظرة المجتمع إليها تبدأ برأيي أولًا وقبل كل شيء برفع مستوى تأهيل المعلمين، عن طريق التحاقهم بدورات تختص بالتربية وأساليب التدريس ومن ثم تحقيق العدالة في التوظيف على أساس الكفاءة.

ثم نأتي بعد ذلك إلى العمل على رعاية المعلمين المتميزين وتنمية مواهبهم وإعطائهم المكانة التي يستحقونها وتقديم الحوافز والمكافآت المادية والمعنوية لهم.

وعلى الجهات المسؤولة  تغيير الأسلوب الذي تتبعه  في تقييمهم، ووضع نظام يحفظ للمعلم كرامته من الاعتداءات النفسية والجسدية التي يتعرض لها.

وأخيرًا: أن تتم زيادة رواتب المعلمين، بما يتناسب مع غيرهم من أصحاب المهن الأخرى وبما يتناسب مع المجهود الذي يبذلونه.

إذا تم ذلك فإنه سيؤدي حتمًا وبلا شك  إلى تكوين مجتمع من المعلمين الكُفء يؤمنون بالواجب أولًا، وهؤلاء المعلمين هم الذين سيأخذون على عاتقهم تغيير مسار العملية التعليمية وتطويرها نحو الأفضل. 

زر الذهاب إلى الأعلى