تحقيقات زدني

السرقات العلمية في الجزائر (١).. معضلة تؤرق الجامعات

تنتاب أحمد خالد أستاذ القانون بجامعة برج بوعرريج حالة من الحزن والأسى، كلما تذكر ما عاشه نهاية السنة الجامعية الماضية، عندما قدم له أحد الطلبة الذين كان يشرف عليهم مذكرة تخرج لنيل شهادة ليسانس نسخة طبق الأصل لرسالة ماجيستر، نوقشت في إحدى الجامعات الجزائرية، ليكون بذلك شاهدًا على عينة من حالات السرقات العلمية التي انتشرت بشكل لافت في العديد من الكليات الجزائرية في السنوات الاخيرة، حسب رواية مجموعة من الأساتذة الذين تحدث إليهم معد التحقيق.
وقال أحمد لشبكة زدني “لم أتمالك نفسي عندما اطلعت على مذكرة تخرج تقدم بها أحد طلابي دون استحياء، تحمل نفس الفقرات التي اطلعت عليها سابقًا في رسالة ماجيستر نوقشت بجامعة جزائرية أخرى”.

صدمة

ولا يخفي أستاذ القانون صدمته بأن يكون أحد طلبته ممن سولت لهم نفسهم الانضمام إلى ملوثي قطاع التعليم العالي في الجزائر، ويحاول في كل مرة إيجاد إجابة مقنعة حول الأسباب التي تدفع الطلبة لتحصيل العلم بالطرق السهلة والغش وسرقة مجهود الآخرين.
وبحسب من تكلمت معهم “شبكة زدني” من طلبة و أساتذة، فإنه أينما تولي وجهك داخل الجامعة الجزائرية تصطدم بواقع مرير يترجم حجم التخبط الذي آل إليه هذا الصرح العلمي خاصة في الشق المتعلق بالبحث العلمي، حيث أضحت الفضائح تلاحق مختلف المراكز الجامعية بالجزائر في السنوات الأخيرة، بعد أن ثبت قيام أساتذة وطلبة بسرقة بحوث علمية من داخل الوطن أو جامعات عربية ودولية، وإدراج أجزاء منها في أعمالهم البحثية كأطروحات الدكتوراه ورسائل الماجيستر وبحوث الأعمال التطبيقية، على أساس أنها عمل جديد يضاف إلى سلسلة البحوث الموجودة بمختلف مكتبات المعاهد والمراكز الجامعية.
وقال الأستاذ أحمد خالد إن تواطؤ بعض المجالس العلمية ومديري الجامعات مع لصوص العلم ساهم في انتشار هذه الظاهرة،حيث طلب منه مدير الجامعة التساهل مع طالبه وعدم التبليغ عنه لأنه منتم الى إحدى فروع التنظيمات الطلابية، ولما رفض صدر قرار بالتخلي عن إشرافه على هذه المذكرة، وإسنادها إلى أستاذ آخر.

من السارق؟ مسؤولون وطلبة في قفص الاتهام

“تعددت الطرق والهدف واحد”، بهذه العبارة استقبل الدكتور بجامعة الجزائر 3 أحمد عظيمي تحقيق شبكة “زدني” حول ظاهرة السرقات العلمية، ويقول إنه ” في المجال العلمي، يعتبر السارق كل من يقتبس فقرة أو فكرة أو رأيًا من أية وثيقة أو كتاب أو من أية وسيلة إعلامية ونسبها لنفسه دون ذكر المصدر” مضيفًا أن “كل من يستولي على الإنتاج الفكري لغيره كطلبته أو معارفه حتى ولو كان غير منشور يعتبر سارقًا أيضًا”.
الدكتور أحمد عظيمي الإطار السابق بالجيش الجزائري والناشط السياسي يؤكد في مقام آخر لشبكة “زدني” أن “السرقة قد تكون لصالح المعني مباشرة أو لشخص آخر، حيث يلجأ بعض الطلبة أو حتى المسؤولون لغيرهم كي يحرروا لهم بحوثًا وينسبوها لأنفسهم”.
امتدت ظاهرة السرقة العلمية في السنوات الأخيرة لتشمل مختلف جامعات المدن الداخلية للجزائر، وهو ما دفع بشبكة “زدني” إلى توسيع تحقيقها و البحث أكثر وأخذ آراء مختلف المهتمين بهذا الموضوع، الأستاذ المحاضر بكلية الحقوق بجامعة محمد بوضياف بولاية المسيلة فوزي لجلط هو الآخر ضم رأيه لتحليل الدكتور أحمد عظيمي، واعتبر أن ظاهرة “السرقة العلمية لا تستثني الطلبة المقبلين على اجتياز مختلف الشهادات، فالأمر على حد تعبيره امتد إلى إحدى الحلقات الأساسية في التعليم وهمزة الوصل بين الطالب والعلم ألا وهو الأستاذ” ما اعتبره بالكارثة الحقيقية على المنبر والحرم الجامعي ،فيما ذهب رضوان جدي أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة المسيلة الذي يحضر لنيل شهادة الدكتوراه بإحدى جامعات برلين الألمانية إلى أن”الظاهرة قد تكون امتدادًا للسرقات الموجودة في مختلف المجالات” .

كيف تتم السرقة العلمية؟

يجمع كل من التقيناهم من طلبة وأساتذة بجامعة المسيلة حول تحقيق شبكة “زدني” عن السرقة العلمية بالجامعة الجزائرية، إلى أن النقل الحرفي دون التقيد بتقنيات التهميش والإسناد العلمي شكل آخر من أشكال الاستيلاء على جهود الباحثين والمؤلفين.
ويضيف الدكتور أحمد عظيمي أن السرقة العلمية “تتم بطرق عديدة، منها النقل المباشر من المراجع و الترجمة الحرفية من مصادر أجنبية، كما يشير إلى” أن تكليف أناس معينين لإنجاز أبحاث معينة يعتبر سرقة بما أن الأستاذ يستولي على العمل فيما بعد”، كما يؤكد أن تكليف الطلبة بإنجاز بحوث ونسخها من وثائق معينة دون حرج صورة أخرى للسرقة العلمية التي تعتبر شبكة الإنترنت تربتها الخصبة”.

آليات السرقة العلمية

“آلياتها واضحة وهي كما أسلفت قد تكون مباشرة كالسطو على وثيقة كاملة أو جزء منها أو اقتباس فقرات من أكثر من وثيقة أو اللجوء إلى الترجمة” يقول الدكتور احمد عظيمي الذي يرى أن ” استغلال منتوج الآخرين كاستغلال الأستاذ لبعض الطلبة أو مسؤولين لمرؤوسيهم هي السرقة بعينها” فيما يرى أستاذ الحقوق بجامعة المسيلة فواز لجلط أن آليات السرقة التي تأتي نتيجة غياب البحث العلمي الجاد تكون من الكتب مباشرة وشبكة الإنترنت”

اعتراف رسمي بوجود سرقة علمية في الجامعة الجزائرية

رغم الإجراءات الردعية التي تنتهجها الجهات المختصة لمعاقبة المتورطين في السرقة العلمية بداية من تشكيل لجنة تحقيق ثم إحالة المعني على المجلس التأديبي للجامعة، وتسليط عقوبة قد تصل إلى تنزيل الدرجة أو الفصل من المنصب، إلا أن ذلك يعتبر عند من التقيناهم قرار ذر للرماد في العيون، وعلى سبيل المثال لا الحصر المعني بسرقة أجزاء من كتاب وزير الخارجية المغربي تحصل بعدها على درجة الدكتوراه في الشريعة وتم ترقيته إلى مدير لمعهد الحقوق بجامعة غليزان قبل أن يعين في منصب أعلى بالمحاباة لتغطية القضية.
اعترف وزير التعليم العالي والبحث العلمي الجزائري الطاهر حجار بوجود سرقات علمية، و دعا في ندوة صحفية من جامعة سعد دحلب بولاية بسكرة خلال افتتاح السنة الجامعية 2017/2016 إلى وأد الظاهرة في مهدها عن طريق تفعيل آليات الرقابة والوقاية وتسليط العقاب إن استدعت الضرورة، مشيرًا إلى أن السرقات العلمية قليلة بالجزائر وتم اكتشافها قبل مناقشة رسائل الماجيستر أو أطروحات الدكتوراه.
ويضيف وزير التعليم الجزائري أن قطاعه سارع إلى وضع عدة إجراءات تنظيمية متكاملة للتصدي لهذه الظاهرة، وفي مقدمتها الأحكام الواردة في القانون الأساسي للباحث، وتنصيب مجلس أخلاقيات المهنة الجامعية وخلايا تابعة لهذا المجلس على مستوى كل جامعة مؤخرًا، إلى جانب ميثاق الأطروحة الذي تم إصداره العام الماضي ليحدد واجبات وحقوق الطلبة المسجلين في الدكتوراه واقتناء برامج معلوماتية كاشفة لهذه الحالات.
وكانت الصحافة الوطنية قد تناولت مؤخرًا إحدى الفضائح العلمية وأماطت اللثام عن قضية تتعلق بأستاذ من جامعة الشلف قام بسرقة أغلب ما ورد في كتاب”تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة” لصاحبه وزير الخارجية المغربي السابق سعد الدين العثماني الذي استنكر هذا الفعل اللاأخلاقي، ما استدعى بجامعة الجزائر إلى تقديم اعتذار رسمي مكتوب لصاحب المؤلف.

بنك خاص وشبكة داخلية لكشف تقارير التربص والمذكرات السابقة

يطرح الدكتور في علم النفس بجامعة فرحات عباس بسطيف خالد عبد السلام عبر أحد المواقع الأخبارية الجزائرية اقتراحات للحد أو التقليص من السرقة العلمية، التي لا تستثني حتى بحوث الأعمال التطبيقية على حد تعبيره.
ويردف الدكتور خالد عبد السلام الذي اختار عنوان “لنحمي جامعاتنا من اللصوص” في مقاله، إلى أن تأسيس كل جامعة بنك للمذكرات والرسائل العلمية الأكاديمية والبحوث الميدانية الجزائرية والدولية في كل اختصاص، يمكّن من الحد من الظاهرة شريطة تكوين هيئة مستقلة على شاكلة خلايا الجودة لتقوم بمهمة المراقبة القبلية والبعدية لكل الأعمال البحثية المبرمجة والمنجزة.
ومن أسس الاستراتيجية التي قدمها الدكتور خالد عبد السلام إلى كل الغيورين على مصداقية التكوين والبحث العلمي الجامعي في الجزائر، توفير شبكة تواصل إلكترونية داخلية بين الجامعات الجزائرية لتقديم المعلومات الضرورية في الموضوعات المطلوبة في كل تخصص ومجال تكويني أو بحثي.

تراجع ميزانية البحث العلمي بسبب سياسة التقشف

خصص قانون المالية لسنة 2016 حوالي 20 مليار دينار جزائري، كميزانية للبحث العلمي وهو ما اعتبرها وزير التعليم العالي والبحث العلمي الطاهر حجار بالكافيه، حيث أكد في العديد من الخرجات أنه “لا مجال للحديث عن التقشف في مجال التعليم العالي والبحث العلمي وأن سياسة ”التقشف” لن تطال منح الأساتذة أو الطلبة”كما كشف عن ”جملة من التدابير والإجراءات الهادفة إلى تيسير مناقشة طلبة الدكتوراه أطروحاتهم في الآجال المعقولة”، غير أن المتمعن في قانون المالية لسنة 2017 يجد أن قطاع التعليم العالي سار على نفس الوتيرة التنازلية لمعظم القطاعات حيث تراجعت ميزانيته من 312 مليار د.ج. إلى 310 مليار د. ج.، ما يعني أوتوماتيكيًا تراجع ميزانية البحث العلمي.

استنثناء

صنعت جامعة أبو بكر بلقايد بتلمسان غرب الجزائر الاستثناء هذا العام، باحتلالها للمرتبة 801 من أصل 980 جامعة صنفها المعهد العالي العالمي للدراسات العليا World University Rankings كأفضل الجامعات في العالم لسنة 2016/2017، حيث تعد هذه المرة الأولى التي تخرج فيها جامعة جزائرية من ذيل أسوأ الجامعات في العالم منذ سنوات، ليوضع بذلك اسمها في قوائم الجامعات الأمريكية والبريطانية التي تسيطر على المراتب الأولى عالميًا.

فيصل خليل ابراهيم قنفود

خريج معهد الاعلام والاتصال بجامعة الجزائر، صحفي محرر بقناة الشروق الجزائرية، صحفي متعاون في قسم التحقيقات بشبكة زدني.
زر الذهاب إلى الأعلى