عشرات المشاعر تجتاحُني، لا أدري أهو اضطراب عاطفي أم معركةً باتت ملحمية بين أنا الأم وبين شغفي بالوصول لأبعد ما قد يتخيله قلب امرىءٍ، صرخاته تتعالى متوسلة إياي للرجوع، أُذنٌ تحن لتُرجِعهُ بين ثنايا أحضانها وأخرى تدفع بقدمي لهناك حيث العمل وتحقيق الذات.
أخطو خطوة بجسدي الممزق وروحي تلهث لتُطمئنهُ أني معه، عبَراتٍ تنهمر بسخاء ويد غاشمة تمسحها و كأنها لم تكن وتأخذني لذلك المكان.
ستون يومًا بعد ربيعه الأول قضاها لم يفارق ذراعي قط بين بكاء مدلل وضحك لاهٍ ورضاعة لبنٍ حنون وبين نوم مقاتل صغير، كيف لي أن أتركه هكذا دونما سابق إنذار!، و كيف لي أن أُنذِرهُ وهو أناني الهوى لن يبتعد عني حتى وإن لازمه طفل من صُلبه؟
أألومَهُ أم ألوم نفسي الأمارة بالعلم والعمل والعطاء؟
أألومه أم ألوم نفسي التي لم تتشبع قُبيل ولادته من إثبات ذاتها ولم تصل لأدنى درجات طموحِها؟
“ما شاء الله لا قوة إلا بالله، بتعرفي حتى لو تركتي الشغل خليه يستمر بالحضانة”
قالها أبي باسمًا يرقبُ ضحكات صغيري الذي حلّ بين يدي ضيفنا، جاءت كلماته كدليل لين بعد تيهٍ عنيف بات يزعج مرقدي وينغص علي دقائققي “شوفي بهالأسبوعين كيف ولِف الناس” أكمل مستدركًا.
“يوسُف” ذلك المدلل الذي اعتاد الجميع بكائه بسبب او بغيره، لا يهم فمثل “الديك الفصيح من البيضة بصيح” أصبح رفيق ثغري وسندي لأتخطى موجات صراخه مقطوعة النظير.
وفي إحدى الصباحات القريبة وضعته مع قُبلة على يديه الممتلئة بين أذرع مربيته بالحضّانة، وإذا به يلوح بيده ويتمتم مبتسمًا بثناياه “باي”، لم تسعني الفرحة حينها وكأنه يُطمئنني على نفسه ويزيد تأكيدًا بنظراته البريئة الصارمة ألا تختفي يا أمي ولا تحزني ابنك بأمان، علّها كانت أكثر اللحظات المفصلية لأكمل حياتي المهنية مرتاحة الضمير.
لم أكن أعلم قبل عملي أن الأم العاملة تقضي وقت أقل مع طفلها ولكنه وقت عظيم الثواني يحمل بين عقاربه اهتمام من نوع آخر دونما تأفف وشوق لضحكاته الهيستيرية وتعويض عما أضاعته عليه من وقتها…
كيف لي أن أنسى عندما تباغتني ذاكرتي بصورتك أو أفعالك الجديدة فتخرج ضحكة تملئ المكان بحبٍ غامر؟