قضية الشهرقضية شهر 52017 “حق الطفل في حضانة أمه ورعايتها…والأم العاملة”

ماما أنا أشتاق إليك وقت دوامك

كم هزتني هذه العبارة وأنا أسمعها من فم بنت لم تتجاوز سنتها الخامسة… خمس سنوات كنتُ شاهدةً فيها على نوبات من البكاء والتوسل، وعبارات لا تصدق أن قائلها قد يكون طفلًا يرتجي أمه للبقاء معه، وأدركت حينها كم أصبحت الحياة اليوم قاسية على الأم والابن على حد سواء؛ فالأم التي أعيتها الظروف الاجتماعية، وجعلت من خروجها للعمل أمرًا ضروريًّا لضمان العيش الكريم من جهة، وأعياها بكاء طفلها الصباحي الدائم الذي لم تعد تستطيع احتماله، وتطرح السؤال:

خمس سنوات وما يزال البكاء مستمرًّا؟! ألم يتعود الغيابَ بَعْدُ؟! وتجيبها دموعُه: غيابك هو الشيء الوحيد الذي لن أعتادَه.

” ماما أنا أشتاق إليك حين تكونين في العمل”

ماذا يحاول قلبها الصغير إيصاله لأمها وهي تتوسل إلى أمها للبقاء معها في المنزل، وهل يدرك عقلها أن عباراتها تلك تفطر قلب أمها التي تلعن عملها واللحظة التي قررت فيها الخروج للعمل كل صباح، وهو ما تم طرحه على شكل تساؤل افتراضي على موقع جريدة الاتحاد الإماراتية، أكدت فيه 37% من النساء العاملات أنهن لا يفكرن في العمل ثانية «لو عاد الزمن بهن إلى الوراء» في مقابل 63% أجبن بـ «لا» في الوقت الذي فكرت 41% من النساء العاملات ـ لمرة أو أكثر من مرة ـ في ترك العمل والتفرغ لرعاية أسرهن، في مقابل 11% منهن أجبن بـ «لا»، فيما أشارت 48% منهن إلى أن ذلك يحدث «أحيانًا» وعندما تزداد عليهن الضغوط والمتاعب اليومية.

ومن جانب آخر نجد الحالة الحرجة  للصحة النفسية للطفل والأم العاملة على حد سواء؛ فالجوع للحنان الناجم عن غياب الأم لفترات طويلة، ومحاولة تعويض ذلك بأشياء مادية، كأن الأم ستخرج لجلب هدايا وألعاب للطفل تشوه شكل العلاقة بين الأم وطفلها من علاقة حب خالصة إلى علاقة نفعية مادية، ويكسر روابط التواصل الأسري، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد تلك الإحصائيات التي تؤكد أن الأم العاملة هي الأكثر عرضة للاكتئاب، وذلك ناجم عن فكرة التقصير التي تراود المرأة العاملة؛ فتشعر أن طول المدة التي تقضيها خارج المنزل تقصر في حق بيتها وأبنائها، وبالتالي تحاول جاهدة تعويضهم عن هذا التقصير ببذل أقصى جهد لإرضائهم.
ونشرت مجلة علم النفس الأمريكية دراسة أعدتها جامعة بنسلفانيا تفيد أن المرأة العاملة أقل ضغطًا على أبنائها من ربة المنزل، وهو ما قد يحسب لها كما قد يحسب عليها، إذا ما انتقلنا من مرحلة عدم الضغط إلى مرحلة التسيب الكامل الذي قد يؤدي إلى تمرد الأبناء.

أما عن الانعكاسات السلبية لغياب الأم عن الأسرة للعمل نجد أن “الإنفوجرافيك” التالي  -الذي تم نشره على جريدة الاتحاد الإماراتية- يوضح حالة الإنهاك النفسي للمرأة العربية العاملة حيث إن نسبة  43% من النساء يعانين من الضغوط ومشاعر سلبية متباينة، ومع هذا نجد أن 87% يتمسكْنَ بالعمل بوصفه ضرورة اجتماعية واقتصادية، وغيرها من الأرقام التي توضح الحالة الحرجة التي وصنا إليها…

المصدر: موقع جريدة الاتحاد الإمراتية

وحين نتحدث عن إحصائيات بداخل دولة كالإمارات العربية، يجب علينا الأخذ بعين الاعتبار أن 66% من الوظائف الحكومية بالإمارات تشغلها سيدات، وهي مقسمة كالآتي:


المصدر: جريدة البيان الإمراتية

الغياب في اللحظات الأولى من كل شيء

كم من الصعب ألا تجد الأم وسط ذكرياتها، تلك اللحظات الأولى من كل شيء.. الكلمة الأولى.. الخطوة الأولى.. أو حتى لحظة النجاح في ركوب الدراجة دون وقوع.

وربما بمجرد مجالسة أمهات عاملات ستجد كم الحسرة الموجودة في قلوبهن على لحظات غياب، لم يخترنه، وإنما فُرِض عليهن بداعي العمل والظروف الاجتماعية.

لا أبحث عن الغذاء حين ترضعيني يا أمي

نقلًا عن موقع جريدة الاتحاد نجد أن الاستشارية الأسرية بالعَيْن، إنعام المنصوري، تلفت الانتباه إلى أن هناك حكمة قديمة تعلمتها الأمهات من «الجدات» في «زمن أول» عندما كانت تنصح الأمهات ـ بفطرتهن وخبرتهن ـ بألا تُرضع الأم صغيرها حليبها في اللحظات التي تكون فيها غاضبة، أو منفعلة، أو متألمة، حتى لا ينتقل التأثير السيِّئَ على طفلها؛ فالأم لا ترضع أطفالها الحليب فحسْب، وإنما ترضعهم أيضًا خلاصة انفعالاتها ومشاعرها النفسية الحقيقية وإن حرصت على إخفائها وكتمانها، من مشاعر الرضا والسعادة والفرح والتفاؤل إلى مشاعر القهر والحرمان أو الحزن واليأس والإحباط أو حتى عدم الرضا، أو معاناتها من المشاكل والأزمات.

وبحكم هذا الارتباط العضوي والنفسي، يثار جدل واسع حول عمل المرأة، خاصة في غياب تلك القوانين التي تسمح للمرأة باصطحاب رضيعها إلى مكان العمل، بل هناك العديد من المؤسسات التي قد تحرم المرأة من ساعات الرضاعة التي تمنح لها لمدة ست أشهر بعد الولادة، وربما تمثل صورة البرلمانية الإيطالية ليسيا رونزيللي، وهي تحمل رضيعتها في إحدى جلسات البرمان الإيطالي  الصورة الأكثر تعبيرًا عن حاجة كل من الأم والطفل لذلك الرابط الروحي بين الأم وابنها الذي تقويه  عملية الرضاعة الطبيعة.

Back to top button