فكرة

كيف تستفيد من تجارب تعلّم الآخرين؟

من الممتع الخوض في أي تجربة تعلّم، المحاولة الدائمة لمعرفة المزيد عمّا يوجد في هذا الكون من حولنا، سواءً على مستوى العلوم الطبيعية أو الحياتية، فلا يهم إن كنت تدرس الفيزياء أو الكيمياء أو علم النفس أو الأدب، لأن كل عملية تعلّم هي رحلة خاصة بذاتها، لا تشبه مثيلاتها من الرحلات إلّا في جوانب قليلة، لكنها تبقى في النهاية رحلة مميزة، كأنّ لها بصمة خاصة بها تُعرّف عن نفسها لك وللعالم من حولك.

ورغم ذلك الأمر، فأننا نجد أنّ هناك من يسعى دائمًا إلى تقليد تجارب الآخرين، وأن يفعل مثلهم بالضبط، وعندما لا يتمكن من ذلك، يظن أنّه غير ناجح، في حين أنّه بالتأكيد تمكن من صناعة نتائج خاصة به.

ولأنّ المسألة تبدو متشابكة فيما بينها، فإنني في هذا المقال سأتحدث عن كيفية الاستفادة من تجارب الآخرين في التعلّم، وفي نفس الوقت، كيف لنا أن نصنع تجاربنا الخاصة.

مثلث الاستفادة من التعليم

من الأشياء التي أقابلها دائمًا هي تقييم عمليّة التعلم في إطار المعلومات المستفادة ليس إلّا، فإمّا يحصل الشخص على المعلومات، فيرى أنّها تجربة جيدة، أو لا يحدث ذلك، فيقيّم تجربته سلبًا.

وهذا الأمر يؤثر كثيرًا على قدرة الشخص في التفاعل مع الواقع، لأنّ المعرفة تقدم له صورة عن العالم، لكن ليس ضروريًا أن تساعده في الاحتكاك مع العالم.

وبالتالي، فإنّ هناك عناصر أخرى يحتاج إليها الشخص؛ وأرمز إليها جميعًا بـمثلث التعليم، حيث المعرفة أحد الأضلع الثلاثة، بجانب كلٍ من المهارة والسلوك:

1- المعرفة: كما ذكرنا فإنّ المعرفة تأخذ القدر الأكبر من تركيز الأشخاص عند الحديث عن التعلّم، نظرًا لأن المعلومات قابلة للتقييم بسهولة، يساعد في ذلك قدرة الشخص على الحفظ والإلمام بأكبر قدرٍ منها.

لكن المعرفة ليست كافية، ومن يتعامل معها من منطلق الامتحان فقط، من الصعب أن تجده يتذكر أيًا منها في الوقت الحالي.

2- المهارة: إذا تساءلنا عمّا يبحث عنه أي مسئول توظيف، سنتفق على أنّه يفكر دومًا في الحصول على شخص مؤهل في الجانب المعرفي والمهاري، وفي حين يبدو الجزء الأول سهل في تعلّمه، فإنّ المهارة ليست بالسهولة في تعلّمها.

لذلك يمكنك أن تقوم ببناء مهاراتك بالفعل أثناء الدراسة، فتجد أنّك تتعلم أشياءً جديدة، وتضم إلى إمكانياتك مهارات أخرى مع الوقت.

3- السلوك: الجانب الأخير للاستفادة من التعليم، يتمثل في جزء السلوك، وهو الأكثر صعوبة في ملاحظته أو إدراكه، لأنّه ليس سهلًا أن يغيّر الإنسان من سلوكه، فهي عملية تستمر لأوقات طويلة في الحياة في الكثير من الأحيان، لكنّه الجزء المفضل بالنسبة لي، والذي أرى أنّه في حاجة إلى التركيز على تنميته طوال الوقت.

كما ترى، فإنّ الحديث عن هذا المثلث يقدم لنا صورة بأنّ التعليم لا يُقيّم في إطار المعرفة فقط، بل في إطار المهارة والسلوك كذلك، فربما تخوض تجربة تعلّم بدون معلومات جديدة على الإطلاق، لكنّها تكون الأفضل بالنسبة لك، بسبب أثرها الإيجابي على مهاراتك وسلوكك.

فإذا لم تدرك أضلاع المثلث من البداية، ستجد أنّ هناك العديد من التفاصيل التعليمية المفيدة التي تفوّتها على نفسك، في حين أنّها قد تساعدك في بناء حياتك.

خطوات تحتاج إليها لتبدأ في صناعة فلسفة التعلّم الخاصة بك

إدراك المثلث بأضلاعه الثلاثة يعتبر هو الخطوة الأولى نحو خلقك لفلسفة التعلّم الخاصة بك، والتي من شأنها أن تجعل عملية التعلّم أكثر أهمية بالنسبة لك.

فبدلًا من تكرار النتائج السابقة، أو الالتزام بنمط محدد للتعلّم، قد لا يناسب قدراتك، فإنّ فلسفة التعلم يظهر كمصطلح لتشجيع التميز والاختلاف، وبالتالي الحصول على نتائج أفضل في التعلّم.

لا تكن أحدهم.. اصنع قيمة من تعلّمك

الخطوة الأولى في فلسفة التعلّم هي تشجيعك على الاستقلالية التامة، لا مانع من التفكير في تجارب ناجحة للاستفادة منها، لكن لا تحاول أن تكون مثل الآخرين، فتصبح نسخة من مثلك الأعلى مثلًا.

هذا ليس شيئًا سيئًا، لكنه يجعل عمليّة التعلّم متشابهة تمامًا مع الآخرين، في حين أنّك في حاجة لأن تكون أكثر استقلالية، بحيث يمكنك أن تصنع طريقك الخاص، بدلًا من المشي في تجارب غيرك، وبالتالي قد لا تختلف النتائج كثيرًا.

كما يجب أن تحرص دائمًا على صناعة قيمة حقيقية مما تتعلمه، فمهما كانت تجربة تعلّمك بسيطة، فإنّه سيكون بإمكانك الاستفادة منها بمختلف الأشكال، وهذا الفارق بين الأشخاص في إدراك القيمة من التعلّم، هو الذي يجعل البعض أكثر تميزًا من غيرهم.

تجارب الآخرين للتنوير لا للتقليد

من الأشياء التي يجب أن تدركها أن الغرض من التجارب في الأساس هو عملية التنوير لا التقليد.

أي أنني عندما أسمع تجربة معينة، فإنّ سعيي لا يجب أن يكون ناحية تقليده أو السير على نفس خطواته، فبالتأكيد لكل تجربة تفاصيلها الخاصة.

وبالتالي، لا يجب أن يكون تقييم تجارب الآخرين معتمد على صلاحية تنفيذها لديك، لا سيّما مع اختلاف الظروف التي تتحكم في حياة كل شخص، بل يجب أن تفكر في الرسائل التي يمكنك الخروج بها من التجربة، مثلًا طريقة التعامل مع الصعوبات، رسائل تحفيزية.

بالتفكير فإنّ هذا الأمر منطقي تمامًا، ويجعلك قادرًا على الاستفادة بكل التجارب الأخرى والاستمتاع بها، لأنّك لا تحتاج للتفكير في خطوات الآخرين كنظام للسير عليه، بل كقصص ملهمة ومعاونة.

اهتم بكل جوانب المثلث

من المشاكل التي يصنعها التعليم في بعض البلاد العربية، أنّ تركيز الطلاب يصبح موجّهًا فقط ناحية المعرفة، وفي صنع فلسفة التعلّم، فإنّ الاهتمام بكل جوانب المثلث هو شيء هام جدًا.

من المهم أثناء ذلك ألّا تقلل من أي من الأضلاع الثلاثة، لأنّ التقدم في هذه العناصر في الوقت ذاته، يقدم لشخصيتك تطورًا أفضل مع الوقت.

فالمعرفة ستبني عقلًا أفضل يمكنه فهم العالم بصورة واضحة، والمهارات ستجعلك قادرًا على الاشتباك مع كل المهام الموجودة، فتحوّل فهمك للعالم إلى فائدة، وتحسين السلوك يسهل وجودك مع الآخرين في المجتمع من حولك.

منصة Tedx وموقع Quora نماذجًا لتجارب الآخرين

يمكنك أن تبدأ الآن في التفكير في فلسفة التعلّم الخاصة بك، وكيف يمكنك الخوض في تجارب تعلم مفيدة. وفي رأيي، فإن واحدة من الخطوات الرئيسية، أن تبدأ في التعامل مع تجارب الآخرين عن قرب أكثر فتعرف عنها المزيد، وتتركها لتلهمك وتفيدك بالطريقة التي تحدثنا عنها.

ولكن كيف يمكن الوصول إلى هذه التجارب؟ ربما تكون قد قمت بتنفيذ هذا الحل من قبل دون أن تدرك، لو سبق لك الاستماع إلى واحدة من المحادثات في منصة TED أو قراءة إجابة أسئلة معينة على موقع Quora.

يمكنك أن تخصص جزءًا من يومك، تستمتع فيه إلى محادثتين، وتقرأ فيه إجابة خمس أسئلة، وهذه الأرقام على سبيل المثال فيمكنك تغييرها بالطبع، ستجد أنّك تحصل على خبرات عديدة، قيّمها كما اتفقنا طبقًا لمثلث الاستفادة، ومع الوقت ستجد أنّك قطعت شوطًا كبيرًا في رحلة التعلّم، حتى تصل في النهاية إلى المرحلة التي يكون لديك فيها فلسفة تعلّم خاصة بك بشكل كامل.

معاذ يوسف

كاتب مؤمن بالتغيير والأمل والسعي، مؤسس ورئيس فريق دوشة كتب.
زر الذهاب إلى الأعلى