كيف تُدمرنا المدارس؟ من فيلم SCHOOLING THE WORLD
لو تأملنا الأشياء التي تعلمناها في المدرسة، لوجدناها كثيرة بل كثيرة جدًا، لدرجة أننا نسينا الكثير منها، والأمر لا يعود بالضرورة إلى حماقتنا أو غبائنا، ومَن يُشاهد فيلم «SCHOOLING THE WORLD» سيدرك أن نظام التعليم ليس أحمقَ فقط، بل خطير، ويُدمر الكثير في حياتنا ونحن لا ندري!
كيف؟
في هذا الفيلم تبحث المُخرجة الأمريكية أثر نُظم التعليم الغربيَّة المستوردة إلى الهند، وتحديدًا إلى ولاية لاداخ على الثقافة المحليَّة والشعبية، والنتيجة أن الموروث الثقافي الشعبي في المنطقة الواقعة على هضبة التبت آخذ في التدمر مع مرور الوقت والسبب هو المدارس “الغربية” المتزايدة في المنطقة.
الكثير من تلك المدارس يقوم عليه أشخاص يحملون “عبء الرجل الأبيض” ويرغبون بنشر الوعي والثقافة والعلوم في كُل العالم، وبقصد أو بغير قصد فإن الكثير من هؤلاء غالبًا ما ينظرون إلى المعرفة المحلية والتراث الشعبي المحلي باعتباره مرادفًا للجهل والتخلف، وبالتالي لا بُد من نشر المعرفة الغربية التي تأتي بفرص العمل والمال، وليس غريبًا أن نجد “البنك الدولي” هو الداعم للكثير من تلك المدارس التي تُخرِّج المزيد من القوى العاملة التي ستُسهم في تحريك العجلة الاقتصادية الرأسمالية.
وبالفعل فإن الكثير من الطلبة ينخرطون في سوق العمل، بينما هم في الواقع يُعانون من مشاكل حقيقيَّة في موضوع “الهويَّة”، فالكثير منهم يعرف عن الثقافة الأمريكية أكثر بكثير مما يعرفه عن ثقافته المحلية، ثم إن بعضهم يجيد الإنجليزية أفضل من إجادته للغة بلاده، هذا غير أن بعض كبار السن في المنطقة بات ينظر إلى ما لديه من معرفة شعبية باعتبارها “لا شيء” وأن المعرفة الحقيقية هي ما يحصل عليه أحفاده في المدارس “الغربية”!
هذه التجربة الهندية بالإضافة إلى تجارب أكثر مرارة يستعرضها الفيلم وهو تجربة أطفال الشعوب الأصلانية في أمريكا الشمالية – الهنود الحمر – حيث أُخذ الأطفال من عائلتهم، وتم وضعهم في مدارس خاصة ليتم “برمجتهم” من جديد بحسب “المزاج الأمريكي” وكانت النتيجة أنهم فقدوا أغلى ما عندهم، وهي لغتهم وثقافتهم الأصلية!
لو تأملنا أنفسنا، لوجدنا أننا لسنا أحسن حالًا من الهنود في ولاية دالاخ، ولا حتى الهنود الحمر في أمريكا الشمالية، فنحن نعيش هذا التدمير ونراه أمام أعيننا ونادرًا ما نتحرك، بل إننا في كثير من الأحيان نقبل بكُل هذا وبسرور، على أمل أن ينخرط أبناؤنا في وظائف في شركات مرموقة مستقبًلا، ولا نُبالي بكل الآثار السيئة، كأنْ ينشأ جيل لا يعرف عن نفسه ولا تراثه ولا لغته إلا أقل القليل!
ففي دروس التاريخ نجد أننا درسنا عن الحضارة الهيلينية أكثر بكثير مما درسناه عن تاريخ مُدننا وقرانا التي قضينا فيها حياتنا، وفي اللغات فإن الكثير من الطلبة اليوم يتخرجون من المدرسة وهم يتحدثون ثلاثة لغات، بينما بعضهم لا يعرف عن لهجته المحلية إلا القليل، وحتى لو تأملنا درس الجغرافيا لوجدنا أن الطالب قد يتخرج بعلامات التفوق، بينما لا يجيد تحديد موقع القبلة مثلًا، والأمر نفسه في دروس العلوم؛ حيث نجد الطالب يتفنن في موازنة المعادلات الكيميائية بينما هو لا يعرف مثلًا أن روث الحيوانات هو مصدر ممتاز للوقود وغاز الميثان، وهي مسألة يعرفها أكثر كبار السن حوله ممن لم يدخلوا المدارس يومًا!
قد يرى بعض الناس شيئًا من المُبالغة في الكلام، ولكن مَن يُشاهد فيلم “SCHOOLING THE WORLD” سيُدرك أننا نُبالغ أكثر حينما نتجاهل كُلَّ الآثار الفاحشة المترتبة على اندثار الثقافات الشعبية والمحلية بينما المدارس تُساهم في نشر الثقافة الاستهلاكية الرأسمالية بكُل ما تحمله من إشكاليَّات في بلادنا!