قضية الشهرقضية شهر 9/2017 “لوائح التأديب بالمدارس”

كيف نختار سياسة العقاب المناسبة للطالب؟

على وشك البَدْء في عام دراسي جديد تكون المخاوف والتحديات الدراسية متجددةً دائمًا، وبعضُها يتكرر طَوَال الوقت، ويحتاج إلى حلٍّ جذري.

من بين هذه التحديات يظهر لنا تحدٍّ هامٌّ جدًّا، وهو كيفية اختيار سياسة العقاب المناسبة للطالب، وقبل ذلك كلِّه الحديثُ عما إذا كان العقاب في الأساس شيئًا مطلوبًا في العملية التعليمية أو لا؛ لذلك سوف أتحدث في مقالي اليوم عن هذه القضية، وسنحاول معًا الوصول إلى الحلول المناسبة لها.

ما أهمية العقاب في التعليم؟

القارئ في علم النفس يدرك الارتباط بين الثواب والعقاب، بوصفهما أداتين تستخدمان جزءًا رئيسًا في العملية التعليمية، وبالتالي لا بد من توظيفها بالشكل الصحيح.

وعلى الرغم من اختلاف العديد من الأشخاص مع مبدأ العقاب، لكن العامل في المجال التعليمي يمكنه أن يوضح أهميته في التعامل مع بعض الطلَّاب، فدومًا ما يوجد بين الأفراد فوارق متعددة، من بينها أنَّ هناك من يستجيب لمبدأ الثواب فقط، وهناك من يستجيب لمبدأ العقاب فقط، وهناك من يتأثر بالاثنين.

لأنَّ الثواب والعقاب هي وسائل بناء في الأساس، والحكمة من استخدامهما هي المساعدة في إصلاح الأخطاء الموجودة أو التكريم على الأشياء المميزة؛ فيؤدي هذا لتحفيز الطالب فيما هو قادم، أو التخلُّص من بعض الأخطاء الحاليَّة.

لكن المشكلة أن هناك خلطًا رهيبًا جدًّا، بين مفهومي العقاب والإيذاء النفسي باستخدام الضرب أو الاعتماد على وسائل تؤدي إلى التقليل من الذات. فلا يمكن تبرير الإيذاء النفسي على أنَّه وسيلة للعقاب؛ لأن هذا يعني أننا لم نفهم الغرض من العقاب في الأساس.

هل العقوبات الموجودة مناسبة؟

للإجابة على هذا السؤال، علينا أن نضع في أذهاننا بعض العناصر الرئيسة التي تتحكم في وضع العقاب:

1- جودة العقاب المستخدم.

2- منظومة التعليم نفسها، وبالتالي نظام العقاب.

3- الوضع الحالي والنفسي للطالب.

4- الأثر النفسي من العقاب على الطالب.

وبناء على ذلك لكي تكون العقوبات مناسبة يجب عليها أن تتوافق مع هذه العناصر الأربعة، وهو ما لم نجده في أغلب الأنظمة التعليمية الموجودة في الدول العربية، بل إنها غالبًا ما تكون مسيئة إلى الطالب، كأن يتم ضربه ضربًا مبرِّحًا في بعض الأحيان، أو يُطلب منه عملُ شيء مرهقٍ على بدنه، كرفع حقيبته إلى أعلى، أو الوقوف على قدم واحدة، غير أنَّ العقوبة أحيانًا يتبعها سيل من الإهانة الشخصية للطالب، الأمر الذي يصيب روحه المعنوية في مقتل.

في مصر على سبيل المثال نجد أن القانون يمنع الضرب، لكن ما يحدث هو أنَّ هناك العديد من المعلِّمين يلجؤون إلى استخدامه، والكثير من أولياء الأمور يوافقون على ذلك، فأذكر في طفولتي أنني كنت أستمع إلى الكثير من الأهالي يخبرون المعلِّم: كسَّرْ مليون عَصَايَة عليه، واحْنَا هنْجَبِّسُه في المستشفى.”

أما في الأردن فنجد قانونًا يقول بأنَّ الطالب الذي يشرب السجائر، فإنَّه يتعرض للفصل من المدرسة!

هل يوجد صراع بين المعلِّم والطالب؟

في الواقع لا يمكن النظر إلى قضية العقاب، دون التفكير في سؤال مهم يطرح نفسه بقوة: هل يوجد صراع بين المعلِّم والطالب؟

في واحدة من الإجابات التي ترى بأن هذا الصراعَ موجودٌ، أقول إنه قد ينشأ لعدة أسباب: من بينها مثلًا أنَّ الطالب في مرحلة المراهقة، يملك الرغبة في تحدي مَن حوله، ويكون على حالة من الرفض للعديد من الأوامر التي يطلبها منه المعلِّم.

وعندما يقرر المعلِّم استخدام العقاب، فإنَّ ذلك يؤدي إلى تفاقم المشكلة مع الطالب، الذي يستمر في تحديه للمعلِّم أطول فترة ممكنة.

وبالنظر إلى هذا التحدي سوف نجده يتكرر كثيرًا بين المعلمين والطلَّاب، وكأنها معركة بين طرفين، يسعى الطالب فيها إلى إثبات ذاته، ويسعى المعلم للحفاظ على النظام؛ فيبدو الموضوع وكأنه صراعٌ لإثبات مَن الأقوى.

لكن الصواب هو أن يَعْرِفَ المعلِّم كيف يمكنه التعامل مع الحالة التي يمر بها طلابه، فيتَّبع سياسةً حكيمة في فعل ذلك، لأنَّه الطَّرَف الذي يمكنه أن يؤثر في عقليتهم، ويثبت لهم بأنَّ هذا الصراعَ غيرُ موجودٍ من الأساس، وأنَّه يحاول دائمًا الوصول إلى أفضل ما يخدمهم.

لذلك قد نجد من حولنا بعض المعلِّمين الذين يكتسبون احترام طلَّابهم؛ لكونهم يعرفون طريقة التعامل الْمُثلى معهم، وهذا الأمر يؤثر كثيرًا في تقبل الطلَّاب لسياسة العقاب الموجودة، وقبولهم لها، مما يؤدي إلى حدوث بناء من العقاب.

كيف نختار سياسة العقاب المناسبة للطالب؟

أظن أن اختيار سياسة العقاب المناسبة للطالب يبدأ من الاهتمام بالعناصر التي ذكرتها في الفقرة قبل الماضية.

حيث من الضروري أن لا يتم تجريد العقاب من الحالة النفسية التي يمر بها الطالب، وأن يكون لدى المعلم القدرةُ على معرفة هذه الحالة، والمشاكل التي يعاني منها طالبُه، ثم يبدأ في محاولة الوصول إلى حلول لها.

كما أنَّ المعلِّم عندما يدرك الأثر السيِّءَ للعقاب على نفسية الطالب، سيكون من السهل عليه اختيار ما يجب فعله، حتى لو كان ذلك سيعني عدم استخدام عقاب في بعض الأحيان، والاكتفاء بالتهديد الشفهي فحسْب.

وأيضًا من المهم اختيار العقاب طِبقًا للمرحلة العُمرية التي يمر بها الطالب، فالعقوبة لطالب في المرحلة الابتدائية، يجب أن تختلف عن العقوبة لطالب في المرحلة الثانوية، فهذا يؤثر كثيرًا في تكوين الطالب، وفي البناء الذي تحدثنا عنه بوصفه غرضًا رئيسًا من العقاب.

وبناءً على كل ذلك فالمعلِّم الذي يمكنه استيعاب كل هذه الأشياء، لن يكون لديه أي مشكلة في اختيار العقوبة، والحرص على ألَّا يكون فيها أي إيذاء بدني أو نفسي، للوصول إلى البناء والإصلاح المطلوب من العقاب.

ختامًا أقول إن الحالة النفسية للطالب هي التي تصنع منه إنسانًا جيدًا أو لا، ومن هنا نحتاج إلى الحكمة في مسألة العقاب، وأن يكون هناك ضوابط تحكم الموضوع، تهتم بالطالب بكونه المحورَ الرئيسَ في العملية التعليمية، وتساعده على التقدم في حياته؛ فببساطة طلابنا هم المستقبل، ويجب أن نبني هذا المستقبل بصورة صحيحة.

معاذ يوسف

كاتب مؤمن بالتغيير والأمل والسعي، مؤسس ورئيس فريق دوشة كتب.
زر الذهاب إلى الأعلى