تحقيقات زدني

كيف هيمنت اللغة الفرنسية على التعليم في المغرب؟

في إحدى مجموعات النقاش المغربية على صفحة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، احتدم النقاش بين طلاب جامعيين، ما بين مَن هو مؤيد لبقاء اللغة الفرنسية لغةً رسمية للدراسة في الجامعات، وبين مَن هو معارِض، ويطالب بتطبيق قرار التعريب على الجامعات كما هو الحال في التعليم الأساسي.

بينما اقترح آخرون أن تتجه الأنظار للغة الأولى عالميًا وهي الإنجليزية، مع عدم إهمال اللغة الفرنسية التي اكتسبوها من الاستعمار الفرنسي، والتأكيد على أن هوية المغرب عربية إسلامية بحسب دستورها وقانونها.

وظلت اللغة الفرنسية هي اللغة المتداولة في جميع المصالح الإدارية والتعليمية، وبقيت على هذه الحال حتى مارس 1956م حين تم إعلان المغرب بلدًا مستقلًا بشكل رسمي، وتم عودة اللغة العربية في الدستور، إلا أنه ظلت الفرنسية تحتكر جميع المجالات والتعاملات الإدارية والتعليمية.

أسباب عزوفهم عن العربية

يرى معلمون متخصصون في اللغة العربية أن هناك أسبابًا عديدة لعزوف المجتمع المغربي عن التحدث باللغة العربية، من أهمها تأثر الأطفال بالأب والأم في حديثهما داخل المنزل، حيث يتعاملان بلهجة مزدوجة ما بين الفرنسية والعامية، مما يحدث تشتيتًا للطفل الذي يقلد والديه بطبيعة الحال.

ويحكي “محمد بوعبيد” – معلم لغة عربية عما فعله الغزو الثقافي الغربي من إبعاد الشباب عن لغتهم الأم، وتحولهم نحو الفرنسية والإنجليزية مؤخرًا، إضافة إلى انتشار وسائل التطور التكنولوجي الذي حفز المجتمع للتواصل باللغات الأجنبية للانفتاح على العالم الغربي، وما زاد الطين بِلَّة أن معظم مواد علوم التكنولوجيا تدرس بالفرنسية والإنجليزية فقط.

ويضيف في حديثه لشبكة زدني التعليمية: “دائمًا ما يقال “الطابع غالب”، وهذا ما يحدث للطفل منذ يبدأ بالحديث، حيث يقلِّد والديه، ويتطبع بطباعهم، ويكبر على لهجتهم الفرنكفونية، فيغلب عليه حديثهم، إضافة إلى أن متطلبات سوق العمل تفرض اللغتين الفرنسية والإنجليزية، مما جعل شباب اليوم يبتعد عن العربية”.

ويردف بوعبيد قائلًا: “دائمًا ما كان يصور لنا ونحن صغار أن معلم اللغة العربية هو شيخ كبير قاس وصعب، يعلمنا في الكتاتيب القديمة، في حين أن معلم اللغة الفرنسية كان أنيق متحضر شاب جميل، كل هذا أثر سلبًا على الجيل المغربي، جعله يبتعد عن لغته العربية التي يراها منفرة.”

مسؤولية الدولة

وتقع المسؤولية على عاتق الدولة أولًا وأخيرًا، فهي رغم إقرارها سياسة التعريب، إلا أنه يتم التدريس باللغة الفرنسية في الجامعات، فالطلاب يدرسون تعليمهم الأساسي باللغة العربية، وما أن يصل للجامعة حتى يصطدم بالواقع المخزي، بأن الدراسة باللغة الفرنسية، ما عدا المواد الإنسانية؛ فتدرس بالعربية، هذا ما قاله  “محمدي بو غنيمي” – طالب جامعي.

ويضيف في حواره مع شبكة زدني التعليمية: “ما يؤكد أن المسؤولية تقع على عاتق الدولة، وأن لها دورًا في انتشار الحديث باللغة الفرنسية، أن كل الإدارات الاقتصادية والمالية والشركات والبنوك ومحال التسوق، تتعامل باللغة الفرنسية فقط، عدا مصلحة الأحوال المدنية ووثايق الهوية يتم الكتابة باللغتين العربية والفرنسية.”

ويستغرب بو غنيمي من المطالبات بالتعريب والتحدث بالعربية، كل ما في الدولة رسميًا يتحدث الفرنسية من الطفل للوزير، لافتًا إلى أن المجتمع المغربي ينظر أن من يتحدث الفرنسية هو مثقف غني من سكان الأحياء الراقية، بينما عامة الشعب هم من يتحدثون العامية أو العربية، وكأنها أصبحت لغة الفقراء، بل وصل الأمر بنعت من يتحدث العربية بالرجعي!

ويحكي في أسى قائلًا: “عادت مؤخرًا “فرنسة” التعليم المغربي، بعد قرار أصدرته وزارة التربية بتدريس المواد العلمية والتكنولوجية في المرحلة الثانوية باللغة الفرنسية، ابتداءً من الموسم الدراسي الماضي، وهو ما أثار جدلًا واسعًا في صفوف المدافعين عن اللغة العربية، وهو ما يؤكد أيضًا أن الدولة هي المسؤول الأول عن تلاشي اللغة العربية.

ويؤكد على أن ما حدث بتدريس مادتي الرياضيات والعلوم والفيزياء باللغة الفرنسية، ما هو إلا انتهاك للدستور المغربي الذي ينص على أن المغرب دولة عربية أصيلة، كما أنه انقلاب على الهوية المغربية، وتجاهل لقرار التعريب الذي تم إقراره في عام 1977م.

ظهور “الفرنكو ارب

وعلى الرغم من إقرار سياسة التعريب في الجامعات، لا يعني أن الشعب ارتضى باللغة العربية بديلًا عن الفرنسية، وأصبح حديث المغاربة مزيجًا ما بين الفرنسية والعامية العربية لغةَ تواصل يومية فيما بينهم، بينما انحدرت بشكل أساس اللغة العربية الصحيحة، بحسب “الطاهري محمد” – ناشط على موقع التواصل الاجتماعي”فيسبوك”.

ويكمل لشبكة زدني التعليمية: “لم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث قام بعض المثقفين من الشباب ممن لا يحسنون استخدام اللغة العربية، باختراع لغة جديدة تجمع بين اللغة العربية والفرنسية، تسمى “الفرنكو ارب”، حيث يقومون بكتابة الكلام العربي بحروف فرنسية على وسائل التواصل الاجتماعي.”

ويضيف: “أن اللغة العربية كلغة لا يوجد اهتمام بتدريسها بشكل قوي في المدارس، إضافة إلى أن اللهجة العامية المغربية رغم أنها عربية إلا أنها مختلفة عن باقي الدول العربية، حيث لا يفهمها إلا من قد عاش في المغرب لفترة، إضافة لثقافة حب العولمة والتشبه بالغرب، جعلت الشباب يجمعون بين الفرنسية والعربية بغة خاصة بهم.”

فرنسية ركيكة

بحسب دراسة للمرصد الوطني للتنمية البشرية بالمغرب، قالت: “إن أساتذة اللغة الفرنسية بالمغرب لا يتقنون اللغة الفرنسية، كما أنه بسبب تداخل اللهجات العربية والفرنسية، أصبحت اللغة الفرنسية ركيكة، والعربية ضائعة”.

وكشفت نتائج الدراسة عن أن مدرسي اللغة الفرنسية في التعليم الابتدائي بالمغرب حصلوا على نقط أقل من المعدل في تخصصهم، هي41 نقطة من 100، حيث تم إجراؤها في 300 مؤسسة تعليمية ابتدائية في مراكش آسفي، ومكناس فاس، والرباط سلا القنيطرة.

وكشفت الدراسة عن أن مستوى المعلمين الذين شملتهم الدراسة على المستوى البيداغوجي يبقى ضعيفًا، إذ حصلوا على نقطة 34 من أصل 100 فيما يخص الجانب البيداغوجي، فيما أكدت أن مستوى المدرسين يبقى لا بأس به على مستوى اللغة العربية، إذ حصلوا على 55  نقطة من أصل 100، بينما حصلوا على نقطة، وصفت بالجيدة، في الرياضيات بلغت 84 من أصل 100.

استعمار جديد

ويرى سياسيون ومثقفون أن استخدام الفرنكفونية ما هو إلا استعمار جديد للمغرب، فبعد ما انسحب المستعمر الفرنسي، ترك خلفه خدامًا أوفياء للإبقاء على مصالحه الإستراتيجية في البلاد، يحملون راية الفرانكفونية، حيث سعى المستعمر الفرنسي إلى ترسيخ استعمار ثقافي بديل عن انسحابه العسكري، بحسب الناشطة المغربية “آمال بوعلي”.

وتضيف في حديثها لشبكة زدني التعليمية: “أن من أبرز مظاهر الاستعمار الفكري هو القضاء التدريجي على اللغة العربيَّة بالمغرب، حيث غرس ثقافة معاداة كل ما هو إسلامي عربي وربطه بالرجعية والتخلف، فأبعدها عن الساحة الفكرية والساسية وفرض لغته الفرنكفونية.”

وتتابع في أسى لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم تهميش دارس اللغة العربية مهما بلغت رتبته العلمية والثقافية، وفي المقابل حظيت النخبة “المفرنسة” بتقدم في المجال جميع المجالات السياسية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية.

وترى بوعلي أن فرنسة التعليم ما هي إلا حجر العثرة أمام التعريب الناجح، حيث إن دعاة الفرنكفونية، دائمًا ما يروجون إلى أن اللغة الفرنسية ستساعد الطلاب على “التفوق الدراسي”، إلا أن الحقيقة أن التعليم في المغرب يسير من سيء لأسوء منذ تجميد التعريب، ولم تفده فرنسة التعليم إطلاقًا.

كيف يكون الحل؟

“فؤاد بوعلي” رئيس الائتلاف الوطني المغربي من أجل اللغة العربية، قال في تصريحات عديدة: “إن اللغة العربية تواجه تحديات عديدة أولها، ما يتعلق بمتنها الداخلي الذي ينبغي تطويره وتأهيله لمواكبة زمن الحداثة والرقمية، إضافة لجوارها اللغوي في علاقتها بالألسن الوطنية، ثم العقبات التي يضعها خصوم الانتماء العربي الإسلامي من أجل تشتيت الأمة وتقزيم الولاءات.”

وأضاف: “أنه ينبغي الوعي بأن تعليم اللغة العربية لا يقل عن أزمة تعريب التعليم، سواء على مستوى المادة التعليمية أو على مستوى مناهج التدريس” مشيرًا إلى أنه يتم التركيز على الجوانب الصورية في تعليم الصرف والنحو وعدم النفاذ إلى مضامين النصوص العميقة والكشف عن بناها الكلية، وعدم الاهتمام بوجه الدلالة اللغوية والمعنى، وإهمال الجانب الوظيفي في استخدام اللغة وعدم تنمية المهارات اللغوية في الحياة العملية.

وأكد بوعلي على أن أزمة تدريس العربية في كون التعليم بها غير جذاب قائلًا: “يتجلى هذا في عدم تجديد طرق التعلم والتعليم وتجديد كفايات المدرس تربويًّا وتأهليه باستمرار، وتوظيف أساليب تقليدية غير جذابة تعتمد التلقين والأساليب المتجاوزة التي لا تخلق التفاعل الضروري بين المادة والمدرس والتلميذ، ونصوص غير مواكبة للعصر فكريًا وتقنيًا، وندرة استعمال الأدوات الإلكترونية كالأقراص المدمجة التعليمية ومحطات العمل الحاسوبية، وغيرها”.

ولفت إلى أنه على الصعيد العربي شهدت السنوات الأخيرة اهتمامًا بالغًا باللغة العربية، من خلال إنشاء عدة مراكز مهتمة بالعربية نظرية وتطبيقًا، مثل مركز الملك عبد الله بالسعودية والمجامع اللغوية التي بدأت تنشط في الدول العربية المختلفة، متمنيا أن يتم تفعيل أكاديمية اللغة العربية بالمغرب، حتى يستفيد أبناؤها.

 فرنسا تدرس بالإنجليزية

ومن المضحكات المبكيات أن فرنسا التي أثرت بفكرها على دول المغرب العربي، وتركتها لغتها لديهم يتحدثون بها، أنها تدرس في جامعاتها باللغة الإنجليزية، على اعتبارها اللغة الأولى عالميا، كان هذا حديث الناشط “هاشم البوكيني”.

ويضيف في حواره لشبكة زدني التعليمية: “أننا ندرس في الجامعات باللغة الفرنسية، وعندما يريد أي طالب التوجه لفرنسا لإكمال دراسته العليا اعتبار أنها دولة تتحدث الفرنسية، يفاجئ بأن الدراسة باللغة الإنجليزية مما يسبب له صدمة، ويؤثر ذلك على تحصيله الدراسي بالطبع.”

ويتسائل: “لماذا تصر دول المغرب العربي على التدريس باللغة الفرنسية في مراحلها الجامعية، بل وصل الأمر لتدريس بعضو مواد العلوم والرياضيات باللغة الفرنسية، ويستخدمونها في الإدارات العامة، والدولة الأم فرنسا تخلت عن فرنسيتها وأصبحت تدرس باللغة الإنجليزية؟!”

ويتابع البوكيني: “أنه بحسب إحصاءات متخصصة في اللغة فإن اللغة الفرنسية تحتل المركز التاسع عالميا، وهي اللغة الرسمية في 32 دولة في العالم، وتصل نسبة المتحدثين بها إلى 3.05 % فقط من سكان العالم، في حين أن اللغة الإنجليزية تحتل المركز الأول واللغة العربية تحتل المركز الرابع.

ويؤكد أنه: “بمرور الزمن ستصبح اللغة الفرنسية لغةً محلية، كما أن نصيب الكتب الجديدة الفرنسية المنشورة سنويًّا في العالم تأتي في المرتبة العاشرة، أما البحوث العلمية الدولية فلا تتعدى 4٪ من البحوث التي ينشرها الفرنسيون. في حين تنفرد أمريكا بحصة الأسد بنسبة 21٪ وانجلترا بنسبة 7٪ وألمانيا بنسبة 6٪.”

زر الذهاب إلى الأعلى