تحقيقات زدني

ليبيا.. التعليم في مواجهة الانهيار

بعد تنهيدة؛ قالت: حُلمُنا بوطن قوي ينهض في مختلف المجالات، أولها: التعليم، إلا أن التعليم يمر بأزمة كبيرة، ومن سيء إلى أسوء، بسبب الصراعات المسلحة، والانقسام السياسي، الذي حرم أماكن من التعليم بسبب عدم وصول مستلزمات الدراسة له، وغيرها من الأسباب القهرية“، على حد تعبير الطالبة الجامعية فاطمة محمد.

وتتابع “فاطمة“ وهي طالبة جامعية تركت بلادها وراءها، وانتقلت لمصر: “التعليم كان بحالة سيئة جدًّا، ولكن الآن لا يوجد مدارس، لا يوجد معلمون، لا يوجد كتب دراسية، لا يوجد فقط سوى طلابٍ متعطشين للعلم، ظُلِموا وسط هذه الحرب التي لا نعلم متى ستنتهي“.

وتقول في حوارها لـ“شبكة زدني التعليمية“: “إن مدرستها التي كانت تقع في مدينة “سبها“ جنوب غرب ليبيا، تم تدميرها بالكامل إثر حرب مسلحة بين مجموعتين مسلحتين، هي ومدارس ومنازل أخرى، وترك الأهالي المدينة خوفًا من القتل، وذهبت هي وأسرتها إلى مصر، وتكمل دراستها حاليًا في مصر.

إحصاءات رسمية

بحسب إحصاءات رسمية؛ فإن نسبة الالتحاق بالمدارس في ليبيا تراجعت بنسبة 20%، وهو ما يعني: حرمان قرابة 150 ألف طالب من التعليم، وبسبب الدمار الذي طال المدارس؛ تعطل العمل في 73% من مدارسها.

وفي تقرير للمنظمة الليبية للسياسات والإستراتيجيات، قال: إن عدد طلاب المرحلتين الابتدائية والإعدادية بلغ مليون طالب وطالبة، منهم 508 آلاف ذكور، و495 ألفًا من الإناث، بينما بلغ عدد طلاب المرحلة الثانوية 223 ألفا، أغلبهم من الإناث “125 ألف طالبة“.

كما بلغ عدد طلاب المرحلتين الابتدائية والإعدادية في العاصمة طرابلس قرابة 176 ألفًا، وفي بنغازي قرابة “108 آلاف“ ومصراتة “54 ألفًا“، وسرت “26 ألفًا“، وسبها “24 ألفًا“، علمًا بأن منطقة بدر هي أقل المناطق من حيث عدد الطلاب بإجمالي 1106 طلاب وطالبات.

وطبقًا للإحصائية ذاتها؛ بلغ عدد المدارس في عموم ليبيا 3296 مدرسة، منها: 285 في طرابلس، و210 في بنغازي، و304 في الجبل الغربي، و148 في الزاوية، و136 في مصراتة، و95 في سرت، و41 في سبها، و49 في بني وليد، مع ملاحظة أن منطقة تازور جاءت في نهاية الترتيب بـ6 مدارس فقط.

وفي بيان للأمم المتحدة، قالت فيه:

إن النزاعات العسكرية الدائرة في ليبيا تمنع قرابة 279 ألف طالب من الحصول على التعليم؛ بسبب تعطيل الدراسة في 558 مدرسة، في أنحاء متفرقة من البلاد الغارقة بالأزمات الأمنية والسياسية.

وأشار التقرير إلى التعطيل المتكرر عن العمل في هذه المدارس؛ بسبب الأضرار “الجزئية أو الكلية“ التي لحقت بها جراء الصراعات العسكرية السابقة والحالية، بينما تحولت أعداد كبيرة منها في مدن مختلفة إلى ملاجئ لإيواء النازحين، مما يمنع الأطفال من دخولها، حيث أغلقت غالبية المدارس في بنغازي أبوابها منذ بداية الحرب فيها.

ولفت تقرير الأمم المتحدة إلى أنه تضررت بعض هذه المدارس جراء الحرب، بينما تحولت مدارس أخرى إلى مساكن للنازحين الهاربين من مناطق الاشتباك، وفي نهاية العام الماضي أعيد فتح أبواب نحو 70 مدرسة من بين 254.

وأكد التقرير على أن كثيرًا من التلاميذ الذين تسربوا من المدارس، والتحقوا بالمليشيات؛ عادوا لأداء الامتحانات فقط من دون دراسة، ومارسوا الغش جهارا، ولم يجرؤ أحد على منعهم، وسط تهديدهم لجان الامتحانات.

أسباب تدهور التعليم

المنظمة الليبية للدراسات والسياسات الاستراتيجية، أعدت تقريرًا وضحت فيه أبرز المشاكل التي واجهها التعليم في ليبيا، منها: أن حكومات ما بعد الثورة لم تجد خطة تعليمية محكمة تتبعها للارتقاء بالتعليم، إضافة للانقسام السياسي الذي تشهده البلاد، مما أعاق عملية تطوير التعليم واستقراره.

وأضاف التقرير، أنه لم يتم إعداد أي برنامج، أو خطة تتناسب مع الأوضاع الحالية للبلاد، فالمناهج يتم استيرادها من المنهج السنغافوري، وخاصة المواد العلمية، وهذا قد لا يتناسب مع الأوضاع في ليبيا.

وأشار التقرير إلى أن من المشاكل التي تواجه التعليم في ليبيا أيضًا؛ تسرب الطلاب، خصوصًا في المرحلة الثانوية والجامعية، وغياب الكتب المدرسية، لافتًا إلى أن التعليم الليبي في المركز 142 من أصل 144 دولة، وفق معايير الجودة الشاملة للمنتدى الاقتصادي العالمي العام 2013.

وأشار التقرير نفسه إلى أن 40% من المدارس تعرضت لأضرار متفاوتة أثناء الحرب، وأن 15 % من المدارس يضطر فيها أكثر من 90 تلميذا بين ذكور وإناث؛ إلى استعمال مرحاض واحد مختلط.

وقال التقرير: إن 16% من المدارس لا يتوافر بها مواد تنظيف للأطفال لغسل الأيدي، ومدرسة من كل أربع مدارس لا يتوافر بها الماء الصالح للشرب، وأن 1.2 % فقط من المدارس لديها مراحيض تصلح لاستخدام ذوي الاحتياجات الخاصة، و40 % من المدارس غير قادرة على توفير مراحيض للمعلمين.

تلاميذ بلا مدارس

خلال فترة الإجازات يختبئ المسلحون في المدارس الليبية، ويديرون معاركهم من داخلها، مما يضطر المسؤولون عن التعليم يؤجلون الدراسة شهورا أخرى، ولكن بعد عودة الدراسة تأتي الصدمة متجلية في أنه لم يعد هناك مدارس، لأن المعارك قصفتها وساوتها بالتراب، بحسب “سعود بن محمد“ ولي أمر ليبي.

ويتابع في حديثه لـ“شبكة زدني“: “مستقبل أبنائنا في ضياع، فالحرب دمرت أغلب المدارس، والجزء الباقي به أضرار كبيرة جدًا، وتم تأجيل الدراسة عدة مرات للترميم، لكن التكلفة أكبر من قدرات وزارة التربية والتعليم”، لافتًا إلى أن “مدينة سرت بها أكثر من 65 مدرسة تم تدميرها منذ بداية الثورة، وعلى عهد معمر القذافي وحتى الآن، مما جعلنا نتركها إلى مدن أخرى تتوافر بها مدارس“.

ويكمل “محمد“، أن الأمر ليس متوقفًا على تدمير المدارس فحسب؛ بل وصل الحال إلى عدم وجود المياه في المدارس، واستبدالها بمياه الصرف الصحي، التي تسبب أمراضًا معدية للطلاب، رغم أن وزارة التربية والتعليم وعدت بحل هذه المشاكل، إلا أنه ما إن يتم الإصلاح؛ يأتي المسلحون ويدمرون ما تم إصلاحه.

لا يوجد معلمون

كما أنهم بلا مدارس امتدت معاناتهم أيضًا إلى عدم توفر معلمين، بسبب عدم توفير ظروف مناسبة لهم، ورواتب متدنية جدًا، تجعلهم دائمًا في اعتصامات واحتجاجات وإضرابات عن العمل؛ مما يؤثر بالسوء في الطلاب اللذين يحرمون من التعليم.

ويقول المعلم “أحمد بن وليد“: إن عدد المعلمين في ليبيا يفوق الـ500 ألف معلم، تصل رواتبهم لـ 683.4 مليون دينار، بما يعادل 500 مليون دولار، إلا أنها غير كافية، حيث إن رواتبنا دائمًا متأخرة، ولا تكفي احتياجاتنا، حيث إن راتب المعلم قرابة 500 دينار شهريًا “377 دولارًا“.

ويضيف في حديثه لـ“شبكة زدني“، أنه على الرغم من الإعلان المستمر عن علاوات وحوافز على الحصة، وصرف مكافآت شهرية لمديري المدارس، وتوفير تأمين صحي لهم، إلا أن المعلمين دائما في حالة احتجاجات على أوضاعهم السيئة.

ويكمل في أسًى: “يعاني المعلمون ظروفا قاسية جدا، فالمعلم لا يستطيع القيام بعمله على أكمل وجه؛ بسبب الصراعات السياسية التي تشهدها البلاد، مما يضفي جوًا عامًا سيئًا يشتت العقول، ولا يجعل المعلم أو الطالب في تركيز، إضافة إلى أن الطلاب يعانون من مشاكل نفسية كبيرة جدا، لذلك لا يتقبلون الدراسة.“

كتب غير متوافرة

أما المناهج؛ فتعاني مناطق ليبية عديدة من عدم توافر الكتب المدرسية منذ ثلاثة أعوام تقريبًا؛ بسبب عدم مقدرة الحكومة على توصيل الكتب لهذه المناطق؛ نتيجة الحرب والعمليات المسلحة التي تعيق انتقالها إليها.

ويقول والد الطالبة “منى“ لـ“شبكة زدني“ الذي يسكن في أحد القرى جنوب غرب ليبيا: “إن المدارس في قريته لا تتوافر بها كتب مدرسية، إلا أن ابنته أفضل حظًا؛ لأنها ورثت كتب أخيها الأكبر سنًا منها”.

ويضيف: “إن الطلاب يذهبون للمدارس بلا كتب، ويعتمدون على شرح المعلمين فقط؛ بسبب عدم وصول الكتب الدراسية بعد؛ بسبب الصراعات بين الحكومات، واعتبار قريتنا من حكومة الخصم، رغم أننا لسنا طرفًا في الصراعات القائمة على الحكم.“

ويكمل: “ابنتي الآن لديها كتب أخيها، لكن العام القادم ستبقى من دون كتب؛ لأن أخاها لم يستلم كتبًا دراسية هو الآخر، وكان المعلمون يقومون بإملائهم المواد الدراسية؛ حتى يعوضوا غياب الكتب، مشيرا إلى أن هذا الوضع تعاني منه أيضا القرى المجاورة لهم.“

أسباب عدم توافرها

“محسن التائب“من جانبه، وهو موظف كبير في إدارة التربية والتعليم الليبية، قال في تصريحات عديدة:

إن أسباب عدم توفر الكتب المدرسية يرجع لأسباب عديدة، منها: صعوبة نقل الكتب إلى المناطق النائية، إضافة لتأخر الاعتمادات المالية في تسديد تكاليف الطباعة.

وأضاف أن من الأسباب الرئيسة لعدم وصول الكتب للمدارس: تعدد السلطات الحاكمة للبلاد، ووجود حكومات موازية يربك المدارس، فلا تدري مع من تتعامل، وإن تعاملت مع حكومة على حساب أخرى؛ اتُّهِمَت بأنها مع حكومات الخصم، كما أن الحكومة الموازية تصادر الكتب ومستلزمات التعليم من دون سبب.

وتابع التائب أن هناك اقتراحات جاءت بعمل نسخة إلكترونية للكتاب المدرسي، يتم إرسالها عبر الإنترنت للمدارس النائية، ويقوم الطالب والمعلم بتنزيلها على حاسبة، أو تصويرها للطلاب في حال عدم توفر حاسوب، وهذا الاقتراح ناسب بعضهم؛ لكنه لم يناسب الكثير من الأُسَر التي تعاني من ظروف قاسية.

تجنيد الأطفال

هناك غياب شبه تام للدولة في المناطق النائية الليبية، تحديدًا في مدن الجنوب الغربي؛ بسبب الصراعات والانقسامات السياسية، ومؤخرًا ظهور داعش، الذي طال الأخضر واليابس؛ بل قام بتجنيد الأطفال، فأصبحنا نخاف أن نرسل أبناءنا للمدارس، ونخبئهم في البيوت، بحسب “أحمد اتيوي“ والد أحد الطلاب في سرت.

ويكمل -في أسًى- لـ“شبكة زدني“: “بسبب الأوضاع الأمنية يتسرب الطلاب من المدارس، وأصبحوا طرفًا في الصراع الداخلي، من دون إرادتهم، في حين أن بعض الأهالي خافوا على أبنائهم فنزحوا من بلادهم، مما حرموا من التعليم؛ لأنه لا يوجد تعليم في مخيمات اللاجئين.

ويتابع “ايتوي“، أنه منذ وصول داعش لمدينة سرت، وأصبح هو من يحكم المنطقة، تسرب آلاف الطلاب من التعليم، من قبل أهاليهم اللذين خافوا عليهم من تجنيد تنظيم الدولة “داعش“ لأبنائهم، وإجبارهم على حمل السلاح.

طلاب مختطفون

ويعاني طلاب ليبيا أيضًا من ظاهرة خطيرة جدًا، وهي ظاهرة اختطاف الطلاب على أيدي الجماعات المسلحة، بهدف إحداث الفوضى في البلاد، مما يجعل الأهالي في حالة خوف دائم، ويمنعون أبناءهم من الخروج أو الذهاب للمدرسة أو الجامعة، حيث إن عمليات الاختطاف طالت المعلمين وأساتذة الجامعة أيضًا.

وبعد اختطاف طلاب وأساتذة جامعات، أعلنت جامعة طرابلس، تأجيل الدراسة مؤقتًا؛ بسبب الانتهاكات الأمنية المتكررة التي مست الحرم الجامعي، وتضرر مختلف شرائحه من موظفين وطلاب وأعضاء هيئة تدريس.

وقالت الجامعة -حينها- في بيان تنديد أصدرته: “إن استهداف الجامعة يعني استهداف الدولة، واستهداف الأستاذ الجامعي بالخطف يعني: خطف مجتمع ووطن بأكمله“، مشيرين إلى أنهم سئموا من تَكرار مثل هذه الحالات من جماعات مسلحة، غير معلوم هويتها.

ولفتت الجامعة في بيانها إلى تقرير صادر عن قسم التحريات الجنائية بطرابلس، أنه قد وقع ما لا يقل عن 293 عملية اختطاف، ما بين 15 ديسمبر 2016 و31 يناير 2017، كما أن الكثير من العائلات تخشى الإبلاغ عن عمليات الاختطاف التي تعرض لها ذووها؛ خوفا من المختطفين.

أحمد مصري

صحفي وناشط حقوقي مصري وباحث في الشأن التركي
زر الذهاب إلى الأعلى